إخواني الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نلتقي في هذا اليوم المبارك، العظيم في الشهر العظيم لنستعرض بعض الأفكار المتعلقة، بهذه الذكرى. ذكرى غزوة بدر، التي ينبغي أن يقرأها المسلمون قراءة علمية حقيقية، ويستخرجوا منها العبر، وسنحاول إن شاء الله قراءتها على الشكل التالي :
1- تعرض العالم الإسلامي لخطر التفكيك الحضاري:
إن العالم الاسلامي اليوم، الذي تولد عن غزوة بدر يواجه الآن مخططا إرهابيا خطيرا للإبادة. هذا المخطط تعبر عنه بعض الدراسات التي تظهر مثل تلك الدراسة التي ظهرت في الولايات المتحدة، خلال هذه السنة، والمتعلقة بتصادم الحضارات فهذه الدراسة تضع استراتيجية خطيرة لإبادة المسلمين في العالم الإسلامي. لأن تفكيك المركب الحضاري عن طريق الغزو النموذجي الممنهج، تحقق للجامعة اللاتينية إلى الآن. فلم يعد هناك صمود سوى الانسان. الانسان المسلم بحيث لم تعد هناك القوة الاسلامية ولم تعد هناك الدلة الاسلامية. فكل هذا انتهى. ولم تعد هناك الحضارة الاسلامية، الحضارة الاسلامية بأصولها العقدية الشرعية والأخلاقية، الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية والفكرية، كلها في الحقيقة تراجعت لذل لم يعد الآن صامدا إلا الإنسان المسلم فقط.
2- أكبر قوة يختزنها العالم الإسلامي صمود المسلم
وعلى أساس هذا الانسان قام الإسلام. منذ البداية. لأن الاسلام لا يملك إلا الإنسان، وأقوى ما يوجد على وجه الكرة الأرضية هو الإنسان، فهو أقوى من القنابل الذرية ومن الطائرات ومن حاملات الطائرات. والصواريخ العابرة للقارات وغيرها. الإنسان أقوى من كل هذا. لذلك اهتم القرآن بالإنسان، باعتبار أن هذا الإنسان أقوى من كل شيء.
3- الهيمنة التسلطية لا تعد استخلافا :
رغم سقوط الحضارة الإسلامية في العصور الأخيرة. فإنه لا يوجد هناك استخلاف في الأرض بمعنى الإسلامي. هناك عدد كبير من الناس يتعقدون أن الجامعة اللاتينية استخلفت في الأرض، وهذا خطأ. لأن الاستخلاف ذكره الله بشروطه. ولذلك ينبغي أن نميز بين الاستخلاف وبين الاحتلال وبين الاغتصاب وبين التسلط وبين القهر وبين الطغيان، ينبغي أن نميز بين كل هذه الأمور : فالاستخلاف هو الذي ذكر الله سبحانه وتعالى مهماته الحضارية : {الذين إن مكناهم في الأرض، أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر}(الحج). هذه حقيقة الاستخلاف. لكن الطغيان والظلم والقهر والاحتلال لا يمكن أن يسمى استخلافا، بل يسمى ظلما وقهرا، واستعمارا، لذلك الآن لا يوجد استخلاف في الأرض، وإنما يوجد ظلم في الأرض. وهذه هي الحقيقة التي ينبغي أن نصححها في أذهاننا، الاستخلاف في القرآن له شروط وعندما يذكره القرآن يذكره بشروطه لذلك أؤكد أنه لا يوجد استخلاف في الأرض. لذلك كان المطلوب من الرسالة الاسلامية تحقيق الاستخلاف في الأرض لأن المستخلف في الأرض لا يمكن أن يكون ظالما ولا يمكن أن يكون قاهرا طاغية، بل ينبغي أن يكون رحمة، ويكون خيرا للناس، وللبشرية كلها.
4- بدر منطلق تأسيس الاستخلاف :
هذا الاستخلاف لم يتحقق في الأرض، إلا انطلاقا من مؤثرات بدر، فبدر هي التي حققت الاستخلاف لذلك انطلقت الفتوحات الاسلامية لتدخل الناس إلى الاسلام، لتدخل الناس إلى الخير ولتسعدهم بهذا الخير في الدنيا والآخرة. كان هذا في النصف الأول من القرن الهجري الأول فقط. ثم بدأ المسلمون بعد ذلك يتحولون. هم أنفسهم عن رسالة الاستخلاف، عن قوانين الاستخلاف، عن ضوابط الاستخلاف التي ذكرها القرآن الكريم بدأوا يخرجون عنها، وينحرفون ويهتمون بالمصالح المادية، والمكاسب المادية.
5- الانحراف عن الاستخلاف بدأ منذ بدأ الانغماس في المادة :
لذلك ما نعانيه نحن الآن، نعانيه من هذا الانحراف الأول بالأساس، لان الفتوحات الاسلامية التي وقعت على يد الأتراك، على يد محمد الفاتح خلال 1453م، عندما فتحت اسطمبول وانطلق المسلمون الأتراك يبشرون بالاسلام في شرق أوربا، وفي جنوبها، في هذا الوقت، كانت عناصر الاستخلاف، قد ضعفت، حيث لم يهتم الأتراك المسلمون، بأسلمة أوربا الشرقية والجنوبية، بل كانوا يحافظون على تنصير هؤلاء ليظلوا يؤدون الجزية التي يكتسبون منها مكاسب مادية تافهة الشيء الذي جعل النصارى يظلون على نصرانيتهم إلى أن تقوت الدول النصرانية، وخصوصا الروس الذين انطلقوا في غزوهم للأتراك منذ القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر حتى حرروا أوربا الشرقية والجنوبية، من الاسلام ودعموا النصرانية فيها، ونحن الآن نؤدي الثمن، ثمن هذا الانحراف عن ضوابط الاستخلاف، لذلك فإن بدرا عندما نتكلم عن العبر التي يمكن أن يستفيدها من بدر ينبغي أول ما نستفيده منها هو حقيقة الاستخلاف.
سأتكلم عن محورين أساسيين للاستفادة من عبر بدر :
ـ المحور الأول يتعلق بالأسباب التي أدت إلى وقوع معركة بدر من خلال القرآن الكريم فقط.
ـ المحور الثاني : يتعلق بتأسيس العقل الرسالي من خلال بدر.
6- أسباب بدر من خلال القرآن الكريم :
بالنسبة للمحور الأول الذي يتعلق بأسباب بدر يقول عز وجل : {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}( الأنفال). فالهدف الأول لمعركة بدر من خلال هذه الآية كان هو تأسيس الاسلام، وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله حتى لا تكون فتنة، حتى لا يكون هناك كفر،ن حاولوا أن تهزموا الكفر، حاولوا أن تدحروا الكفر لأن الكفر فتنة، وكذلك حاولوا أن تؤسسوا الاسلام، لأن الاسلام هو دين الله {ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه}(آل عمران) {إن الدين عند الله الإسلام}(آل عمران)
ـ الأساس الأول : إقامة المرتكز الأول وهو إقامة الدين الإسلامي في الجزيرة العربية.
ـ المرتكز الثاني : هو إقامة الإنسان المسلم يقول الله عز وجل في سورة آل عمران {وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم، ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين} يعني: الهدف الذي كان في معركة بدر هو التنقيص من حجم قوة الكفر، ليقطع طرفا من الذين كفروا، كان الهدف الثاني هو التنقيص من عدد قوة الكفر وهذا ما يتضمن بالضرورة إظهار قوة المسلمين.
ـ الهدف الثالث الذي جاءت من أجله بدر: بالإضافة إلى إقامة الإسلام والانسان المسلم كما يظهر من مضمون هاتين الآيتين هو إقامة الأرض الاسلامية. {وما النصر إلا من عند الله} يعني النصر نفسه معناه تحقيق مكسب أرضي من المكاسب التي يقوم عليها الاسلام لذلك تمثل الأرض مرتكزا لقيام الإسلام. الاسلام لا يقوم بدون أرض فهذه مثلا مجموعة من المسلمين في استراليا أو في فرنسا، أو ابريطانيا، أو ألمانيا، أو الولايات المتحدة، ولكنهم ماذا فعلوا لم يفعلوا شيئا بمعنى الاستخلاف لأن الأرض ليست أرضهم، لأنهم لا يملكون السيطرة على الأرض، لذلك لا يستطيعون أن يفيدوا المسلمين إفادة في مستوى الاستخلاف بل من المفروض عليهم أن يعلنوا ولاءهم للكفر للدولة الكافرة. لذلك من جملة ما أفتى به العلماء وجوب الهجرة أي ضرورة الهجرة من أرض الكفر إلى أرض الإسلام على اعتبار أن الأرض تمثل مرتكزا من مرتكزات قيام الاسلام. قيام الدولة الاسلامية وقيام الأمة الاسلامية لا يمكن أن يتم بدون أرض فإذن كانت بدر لهذه الأسباب الثلاثة أو هذه الأهداف والمرتكزات الثلاثة ضرورية لانطلاق الأمة الاسلامية، الدولة الاسلامية العالمية، جاءت بدر لتحقيق : جزء من الأرض للإسلام ينطلق منه الاسلام، يستقر فيه الاسلام، ويعمل فيه، لأن في مكة لم تكن هناك أرض للمسلمين، فكانت بدر من جملة أهدافها تحقيق مرتكز من المرتكزات التي يقوم عليها الاسلام وهو الأرض.
كذلك كانت بدر تهدف إلى تحقيق مرتكز ثان وهو الانسان. الانسان الرسالي الذي سينطلق لتحقيق العالمية الاسلامية، انطلاقا من تلك الأرض الضيقة من يثرب أو المدينة المنورة. انطلاقا من هذه القطعة التي استطاع الاسلام أن يحصل عليها أول مرة في بدر،فتحرير أرض يتحقق فيها منهج الاستخلاف من سنن الله في الأرض وقوانينه الربانية، أما المرتكز الثالث فهو الاسلام الذي به يتحرك المسلم على الأرض المحررة من الكفر هذه ثلاثة مرتكزات جاءت بها بدر وأصلتها وتركتها أمانة, في عنق المسلمين حتى لا يفرطوا فيها.
7ـ التفريط في الأرض تفريط في جزء من عناصر الاستخلاف :
ولكن مع الأسف، فرط المسلمون في أجزاء مهمة من الأرض الإسلامية، في الأندلس، في جنوب أوربا، في إيطاليا وصقلية، وكذلك في الهند، الهند كلها كانت اسلامية كانت تحت الامبراطورية الاسلامية الماغولية، إلى حدود القرن الماضي. لكن ما ذا فعل الانجليز، حاولوا أن يدفعوا بالمسلمين نحو الشمال، حتى جمعوهم في منطقة ضيقة جدا هي منطقة الباكستان “البنجاب” وفي منطقة كشمير ومع ذلك حاولوا أن يخلقوا من كشميرمشكلة استنزاف المسلمين واستنزاف العالم الاسلامي، وإجهاض الأمة الاسلامية بصفة نهائية باعتباره منهجا للقضاء على ما يسمى بالعالم الاسلامي، الأرض إذن كانت تمثل عنصرا أساسيا.
وإذا كانت الدراسات الفقهية أعطت لهذا العنصر حقه وبررت هذه الحقيقة عند الفقهاء فإن هناك فرقا بين الفقهي والسياسي عندنا في الاسلام. فالسياسي أعلى من العلمي. والسياسي لا يعمل بالعلم إلا عند الآخر، إلا عند الجامعة اللاتينية. وهذا العنصر يتفوقون به علينا هن عندهم أن العلمي والسياسي متكاملان وممتزجان لكن نحن عندنا قطيعة بين العلمي وبين السياسي، بل تسلط السياسي على العلمي قهره واحتقره وهمشه، الشيء الذي جعلنا نعيش بعيدين عن العلم نهائيا ونعيش على أساس الهوى والمصالح، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول : وإن الله لا ينتزع العلم انتزاعا، يقبضه من الناس ولكن ينتزع العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم قط اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، أو كما قال (ص)، فالقطيعة بين العلم والعلماء تمثل كارثة وتمثل عنصرا خطيرا من السقوط ولا يمكن أن ترجع للأمة مكانتها إلا بعد أن تربط بين السياسي والعلمي، إلا بأن يكون هناك تكامل بينهما هذه هي الحقيقة الأساسية.
لذلك قلت بأن التفريط في الأجزاء من الأراضي الاسلامية التي ذهبت، يمثل تفريطا في مكتسبات بدر، لأن بدرا لا تمثل فقط هذه النقطة، الترابية التي حققها الاسلام في غزوة بدر، لكنها تشير إلى المنطلق الترابي الذي تحقق انطلاقا من بدر، من المشرق إلى المغرب وكل قطعة سقطت من هذا المحيط الترابي الإسلامي إلا ويمثل ضربة لأحد مرتكزات بدر ضربة للأسس التي من أجلها جاءت بدر وهي ثلاثة مرتكزات : مرتكز الانسان الرسالي ومرتكز الاسلام، ومرتكز التراب الاسلامي لذلك فإن أهم عبرة ينبغي أن نستفيدها هي أن نعتبر بأننا نخون بدرا ونسيء لبدر عندما نتخلى عن جزء من ترابنا كما نتخلى هنه الآن سيما في فلسطين، وكما يذهب الآن في البوسنة والهرسك والشيشان، وكما ذهبت الأندلس، وجنوب إيطاليا وجزيرة صقلية وجنوب غرب فرنسا، إذن هذا الربط التاريخي بين بدر وبين آخر نقطة من التراب الاسلامي، ذهبت، أو قريبة من الذهاب ضروري باعتبار أن البدريين هم الذين أسسوا لنا هذا المحيط الترابي، الذي يعتبر مرتكز أساسيا لقيام الاسلام، لقيام الحضارة الاسلامية فالبدريون هم الذين أسسوا هذا المنطلق البدريون هم الذين استشهدوا، هم الذين دافعوا، من أجل أن يحققوا مرتكزا أساسيا لقيام الاسلام، لذلك عندما نتخلى عن أي شبر عن أي ذرة من التراب الإسلامي نتخلى عن مكتسبات بدر، وهذه حقيقة ينبغي أن نعيها في أذهاننا وينبغي أن نفهمها تاريخيا، وينبغي أن نقرأ للتاريخ بالمفهوم الإسلامي الصحيح.
8- العقل التأسيسي وشروطه :
بعد هذا انطلق إلى المحور الثاني، الذي يتعلق بتأسيس العقل الرسالي بطبيعة الحال، إن بدرا لم تكن لتحقق هذا النصر بدون أن يكون هناك عقل متميز، عقل التأسيس، العقل الأول، العقل الذي أسسه محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، بدون هذا العقل أيضا لا يمكن أن نعود، سنلاقي مشاكل ومصائب وسنصاب بعدد من الفتن نتيجة لهذه العقلية التي ما زلنا نعيش عليها لكن إذا أردنا أن نختصر المسافة، في هذه العودة، ونقلل من المشاكل فينبغي أن نحقق عقل التأسيس، أن نعود إلى عقل التأسيس، العقل الذي أسسه رسول الله(ص) هذا العقل كان يتميز بأربع صفات هي :
ـ اليقينية ـ العلمية ـ الجماعية أو الجمعية ـ الحركية
هذه أصول نشأ عليها عقل التأسيس، وهذه هي الأصول التي يؤسسها القرآن الكريم.
شروط اليقينية وأسسها :
بالنسبة للصفة الأولى وهي اليقينية أنشأ القرآن عقلا يقينيا، وذلك عندما يتكلم عن الغيب ليؤمن به المسلمون الذين يومنون بالله وملائكته وكتبه فهذا يعني الإيمان بالغيب أي الإيمان بحقائق علمية يقينية، انطلاقا من أن القرآن ينشئ عقلا يقينيا قائما على أسس مادية محسوسة، انظروا مثلا إلى {عم يتساءلون عن النبأ العظيم.. ألم نجعل الارض مهادا} تنظر فيها تشاهدها، نعيش فيها {والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا، وجعلنا نومكم سباتا، وجعلنا الليل لباسا، وجعلنا النهار معاشا، وبنينا فوقكم سبعا شدادا، وجعلنا سراجا وهاجا، وأنزلنا من المعصرات ماءا ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا}هذه مسائل نشاهدها ونعيشها، {إن يوم الفصل كان ميقاتا} يقول لك. هذه الأشياء تشاهدها تعيشها يقينيا، إذن فاعتقد بأن الله فعل هذا، إذن {إن يوم الفصل كان ميقاتا} كما تشاهد هذان يوجد هذا، القرآن ينطلق بك من المحسوسات، من الملموسات اليقينية من المسائل المعاشة يقينيا لتعتقد بالغيب اليقيني تعتقد بالحقائق اليقينية لماذا؟ لأن القرآن لا ينشئ عقلا خرافيا، ينشئ عقلا يقينيا عقلا علميا، لذلك ينطلق بك من اليقينيات، والقرآن لا يعطيك اليقين فقط، وإنما يعطيك علم اليقين، وحق اليقين، وعين اليقين.
فالقرآن إذن ينشئ العقل اليقيني العقل العلمي لانه ينطلق بك من أشياء محسوسة لتشاهد الأمور التي تعيشها بنفسك حتى تتأكد وتتيقن من أن ما سيقع أيضا في مستقبلنا يوم القيامة يقيني أيضا كما تشاهد المحسوسات المعاشة. ولذلك أنشأ هذا العقل اليقيني على مجموعة من الشروط؟
الشرط الأول هو : العلم بالله فالقرآن كله يعرف بالله عز وجل بصفاته بقدرته وعظمته وجلاله وخلقه وربوبيته…الخ لذلك أول شيء يقوم عليه العقل اليقيني هو المعرفة بالله أولا، العلم بالله، هو العنصر الأساسي الذي يقوم عليه العقل اليقيني.
الشرط الثاني : إخلاص العبودية لله لأن العرفة بالله تقتضي العبودية الحقة له، لأن إخلاص العبودية له يحقق لك الصلة العبودية بالله انطلاقا من هذا العقل اليقيني الذي نتكلم عنه، ولذلك عندما يذكر الحق سبحانه عز وجل صفات المؤمنين {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته}، {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} يتكلم عن مقومات الإيمان حتى يكون هذا العقل اليقيني عقلا صحيحا وعقلا علميا، لأن العقل اليقيني لا يمكن أن يكون إلا عقلا مرتبطا بالله، العقل الغير المرتبط بالله، عقل غير يقيني، هذا متشوش مضطرب عقل نقص يقينه هذا العقل اليقيني هو الذي يستطيع أن يتعامل مع نفسه ليحقق مقومات الإيمان لماذا؟ ليحقق مراتب المعية الأربع : التي ذكرها القرآن. إن الله مع الصابرين”، “مع المحسنين”،”مع المتقين”،”مع المومنين”، يعني تلك المقومات الإيمانية الموجودة في القرآنب المئات هي التي يمكنها أن تحقق لك هذه المعية. أن تحقق لك مرتبة الاحسان الله مع المحسنين، تحقق لك مقام الصبر، الله مع الصابرين، إذن هو العقل اليقيني هو الذي يرتبط بالله عن طريق العبادة متمما بذلك مقومات الإيمان إلى مراتب المعية الأربع. هذا هو العقل اليقيني، وهذا شيء أساسي، والمعية أساسية في النصر {وما النصر إلا من عند الله}. لذلك النصر لا يمكن أن يتحقق إلا بالمعية الربانية. احشد ما شئت من القوة، والصواريخ، أو البشر أو أي شيء، ولكن هذا ليس بنصر، فهل الحضارة اللاتينية واللاتينيون منتصرون؟ ليسوا منتصرين فهم كأي فلتة تقع في العالم، ولذلك تقوم ضدهم توارث، حتى في بلدانهم، وقد شاهدتم مشكلة السود في الولايات المتحدة، في السنة الماضية وما قببلها، إذن الناس ينتظرون فقط المتنفس، للثورة على هذا الطغيان وعلى هذا القهر، هل هذا انتصار؟!. الانتصار هو الذي ذكره القرآن الكريم. الانتصار هو تغيير الانسان من الباطل إلى الحق، ويقتنع بهذا، ويعمل من أجل هذا، ويعمل من أجل أن يصل إلى هذه المراتب كما قلنا ليصبح رساليا. هذا هو العنصر الثاني في العقل اليقيني.
العنصر الثالث في العقل اليقيني هو التوكل . التوكل بشروطه، التوكل لا يمكن أن يكون قبل تحقيق جميع شروط الفعل، بعد ذلك ياتي التوكل كآخر عنصر لأن هذا سنة ربانية، وفي هذا الإطار افتح قوسا لاقول، بأن العلماء حاولوا أن يرصدوا سنن التمكين فوجدوها ثلاثة أقسام : القسم الأول هي سنن مطلقة، يعني المسلم والمسلمة كلهم يلدون، كافر، وكافرة نصراني ونصرانية، مشرك ومشركة، كلهم يلدون إذا فعلوا أسباب الولادة، كلهم يمرضون ويصحون إذا تعرضوا لقوانين المرض والصحة، كلهم يكسبون الأرزاق والأموال إذا فعلوا أسباب الرزق والأموال، هذه سنن مطلقة وهي أعلى من السنن العامة. وهناك سنن عامة، وهي السنن الكونية مثلا إذا استطعت أن تهيئ الشروط الموضوعية ستحقق هذا الجهاز العلمي “سيارة”أو “طائرة” أو “صاروخ”أو “فيديو” إذا كنت كافرا أو كنت مسلما، أو مشركا أو غير ذلك.
لأن هذه قوانين عامة، من عملها يحقق الله له نتائجه. هذا من العدل الرباني لأنه هو الذي خلق هذا الخلق، وهو الذي يتصرف فيه كيف يشاء. هذا ملكه، وهناك سنن خاصة، وهي سنن التمكين، وهذه لا توجد إلا بشروطها وهي العمل بمقتضيات النظام الإسلامي. وليس الاسلام فقط، فالنظام السياسي جزء من عرى الاسلام، فمن عمل بقوانين النظام الإسلامي، يستحق الاستخلاف ويستحق التمكين. ولذلك قلت في البداية : أن البشرية في الأرض لا يوجد عندها تمكين الآن. التمكين لا يوجد إلا عند النظام الإسلامي، عند المسلمين، وما يوجد في الكرة الأرضية قهر وظلم وطعيان. عندما سقط الاسلام منا ظهرت هناك قوة طاغية. هذه القوة الطاغية عملت بأسباب لم نعمل بها نحن فأعطاها الله سبحانه تبارك وتعالى القوة المادة لتسيطر على الارض، ولكنها ليست مستخلفة، وإنما هي مسيطرة طاغية مثل فرعون وغيره. هل فرعون كان مستخلفا، الاستخلاف يذكره الله سبحانه تبارك وتعالى بشروطه الكبرى.
إذن التوكل بعد استكمال الأسباب شرط من شروط العقل اليقيني. هذا أساسي.
الشرط الثاني للعقل الرسالي وهو العملية :
العقل الاسلامي لا يمكن أن يكون إلا عقلا علميا،يتعامل بالعلم ومع العلم، أي لا يتعامل بالخرافة ولا يتعامل مع الخرافة. هذا هو العقل العلمي الذي أنتجه القرآن، لذلك نجد في بدر مجموعة من المعطيات العلمية، التي تبين لنا أن العقل الرسالي لا يمكن إلا أن يكون عقلا علميا. مجد مثلا كيف أن رسول الله(ص) استطاع أن يختار يداء وأن يفرضه على الخصم بطريقة علمية أقصد النداء العسكري للمعركة أي امتلاك المبادرة.
ونجده كذلك يستعمل شرطا من شروط العقل العلمي وهو الشورى، الشورى شرط من شروط العقل العلمي انطلاقا من الحديث النبوي الشريف مثل : لا تجتمع أمتي على ضلالة، إذن الجماعة لا تجتمع على ضلالة، لكن الفرد هو الذي يمكن أن يسقط في الضلال، العقلية الفردية، الممارسة الفردية، هي التي تسقط في الضلال بطريقة واضحة إذن لا بد من الشورى، لأن الشورى عنصر في تأسيس العقل العلمي.
كذلك التعامل مع الميدان العسكري تعاملا علميا هو من العقل العلمي، كذلك الاعتبار المالي كعنصر من عناصر القوة، أي محاولة فهم مركب القوة، يمثل أساسا في العقل العلمي. ومعركة بدر نشأت انطلاقا من محاولة المسلمين ضرب الكفار في عمق عنصر من عناصر القوة وهو المال محاولة سلب المال منهم، أي سلب جزء من القوة منهم، لذلك فإن من تأسيس العقل العلمي فهم عناصر القوة، فهم مركب القوة فهما علميا : مثل المال كعنصر من عناصر القوة. هذا من العمل العلمي. لذلك, فإن العقل العلمي يعتبر في الاسلام أساسا من أساسات العقل الرسالي. لأن العقل الرسالي لا يمكن أن يكون غير علمي لا يمكن أن يكون قشريا ولا أن يكون خرافيا.
ثم التعامل العلمي وقت المعركة فلأول مرة في التاريخ كما تعلمون يستعمل المسلمون حرب الصف في بدر لم تكن هناك حرب الصف من قبل. لأول مرة يرص الرسول(ص) صف المسلمين، طريقة جديدة. باعتبار أن ذلك يمثل عنصرا علميا في خرق العدو. نحن نمثل قلة. كانوا حوالي 300. إذن 300 أمام 1000 لاختراق ألف معظمه مدرع ومعظمه فارس لا بد من صف صامد يمتص الضربات وهذه صفة علمية من صفات القوة. هذه الصفة هي “الصف” لنخترق العدو ونشتت شمله حتى يمكن التغلب عليه. وهي الصفة كذلك التي حاول خالد بن الوليد أن يتبعها في معركة اليرموك عندما كانت جيوش العدو حاولي مائتين وسبعين ألف جندي بينما كانت جيوش المسلمين ستة وثلاثين ألفا فقط\ فركبهم على شكل كراديس “مربع”، كل كردوس فيه ألف شخص. وانطلق بهم في وسط جيش العدو فشتته شذر مذر في أقل من ساعة من الزمن فكان أول اختراع لنظام الكراديس في الغزو, كما كان أول تكرار لعملية الصف في بدر.
الشاهد عندنا أن التعامل مع هذه الأشياء كان تعاملا علميا بعيدا عن الخرافية والفوضوية، لأن العقل العلمي هو العقل الرسالي حقيقة. أما العقل الغير العلمي، فليس بالعقل الرسالي في شيء ولا ينفع المسلمين في شيء وهذا من عناصر السقوط. هو أننا عندما فقدنا العقل العلمي، سقطنا حضاريا ولذلك النظام التربوي المعاصر، الذي يسير عليه الخصم فيه الكثير من العناصر الاسلامية التي يسير عليها. عناصر من صميم النظام الإسلامي في العقل العلمي، هو الاهتمام بالجسم، بالقوة الجسمية، الاهتمام بالقوة العقلية، الاهتمام بالقوة العلمية، الاهتمام بالقوة الروحية والقوة الروحية عندهم تأتي عن طريق الموسيقى وغيرها من النشاطات، نحن عندنا قوة روحية أخرى، أكثر من هذا وأحسن من هذا، لذلك في العناصر الاسلامية التي يسير عليها الآخر هي محاولة إيجاد الانسان القوي، العلم القوي، الروح القوية، لذلك، فإن العقل العلمي لا يمكن أن يتصرف مع التوكل بالمفهوم المحرف له، إن مؤمنون وكفى، ولكن ينبغي أن تفعل شيئا علميا يساعدك على النصر، لذلك فعل الرسول (ص) نظام الصف، كما فعل خالد بن الوليد نظام الكراديس وقس على هذا. والمسلمون منذ الآن سيبدأون في الاختراعات والابتكارات العقلية وتطوير الأمور بطريقة تسير مع النظام العلمي، مع العقل العلمي، لم يبق مجال للتعامل بالخرافة.
فإذن العقل العلمي يمثل ضابطا، أو شرطا أساسيا، في العقل الرسالي.
الشرط الثالث : هو العقل الجماعي، أو الجمعي، وهو العقل الذي يعمل بنظام الجماعة، أو ما يسمى في المصطلح النقابي المعاصر : العمل بنظام الفريق لا وجود لنظام الشسخص، أو الفرد، لا يوجد العمل الفردي في الاسلام يوجد العمل بنظام الفريق، أي بنظام الجماعة لأن الجماعة أسست لهذا الغرض إلى درجة أن الاسلام أصلها في العبادة في صلاة الجماعة في صلاة الاعياد في الحج.. في الجنازة.. أصل نظام الجماعة كأصل في العبادة لنفهم أن نظام الجماعة جزء من العقل الرسالي، لذلك يقوم نظام الجماعة هذا ما يمكن أني سمى بالميثاق الاسلامي في القرآن الكريم. {اذكروا ميثاقكم الذي واثقكم به، إذ قلتم سمعنا وأطعنا}(المائدة) وفي سورة الحديد : {وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتومنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين}لأن نظام المؤمنين هو عبارة عن نظام الجماعة. لذلك فالعقل الذي يعمل وحده، لا يتوفر على عقل جماعي، وبالتالي لا يتوفر على العقل الرسالي وهذا ليس من العقل الاسلامي، العقل الرسالي هو الذي يعمل بنظام الجماعة. هو الذي يفكر في أن يحول كل هذا الشعب، كل هذا المجتمع إلى عمل واحد، ويجعله صفا واحدا لمواجهة الكفر.
هذا هو العقل الجماعي، هذا هو العقل الرسالي هذا هو العقل الذي أسسه القرآن لذلك فالعقل الجماعي إذن عقل اساسي في القرآن وعقل رسالي بالدرجة الأولى أسسه القرآن. ولا يمكن بدونه أن نسير.
والكلام في هذا الموضوع “العقل الجماعي” يحتاج إلى موضوع خاص به لأنه مهم جدا خصوصا من خلال القرآن الكريم. وفي سورة الأنفال التي ننطلق منها بمناسبة رمضان واسميها سورة بدر وليس سورة الأنفال يقول القرآن الكريم {وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمومنين} نظام المومنين، وألف بين قلوبهم، {وحسبك الله ومن اتبعك من المومنين} كما ترتبط بالله، ارتبط بنظام المومنين، احرص على تأليف المومنين، وتكوين نظام المومنين، كما تحرص على الارتباط بالله، لذلك فالعقل الذي أسسه القرآن هو عقل جماعي عقل تنظيم، بالأساس.
والكلام في هذه الفكرة بالذات كلام طويل، ومهم، يحتاج أيضا إلى وعي إسلامي في هذه الظروف التي نعيشها، وفي هذه المنطلقات والتحولات التي نعرفها لان عددا كثيرا من الناس الآن في المجتمعات الاسلامية أصبحوا يختزلون الاسلام في صفاته الفردية، للأسف الشديد أصبحوا لا يفهمون بأن لاسلام نظام جماعي وعمل جماعي وأنه جماعة، ونظام الجماعة، وليس نظام الفرد، الاسلام لا يتحقق بفرد، يتحقق بنظام الجماعة وما لا يتحقق الواجب إلا به، فهو واجب. إذن لا بد لنا من فهم العقل الجماعي حتى نعمل بالعقل الجماعي، كما ينبغي أن نفهم العقل اليقيني، العقل العلمي..، ينبغي أن نفهم أنها أصول في العودة، أصول في الفتح، أصول في النصر لأننا قلنا منذ البداية أن الاسلام لا يملك إلا شيئا واحدا، وهو أحسن شيء، هو الانسان، لذلك إذا كنا عرفنا هذا الانسان كما هو، بعقله الأول، بعقله المؤسس في البداية سننتصر.
9- شروط العقل الحركي :
ـ الشرط الأول : هو العقل الحركي : أريد أن أمر على هذه الشروط بسرعة، لأن أول ما تأسس الاسلام تأسس على مبدأ الحركة، ب الأساس، فدار ابن الارقم كان يتأسس فيها الانسان الحركي، العقلية الحركية، التي بناها أولا الحق عز وجل وامتحنها، بناها انطلاقا من القيام، العبادة والقيام في الليل، {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا إن ناشئة الليل هي أشد وطئا واقوم قيلا} هذا عنصر أساسي في العقل الحركي هو عنصر العبادة والتهجد والقيام، والصيام والعمل العبادي كله بجميع أنواعه هذا يؤسس الأساس الأول للعقل الحركي، الأساس الأول للعقل الحركي هو العبادة، هو القيام هو قراءة القرآن، هو فهم القرآن هو العمل بالقرآن. هذا شرط أ ساسي.
ـ الشرط الثاني : في هذا العقل الحركي إلى جانب العبادة، هو شرط تأسيس الانسان أي جمع الناس وتكوينهم. في سورة الأنفال : الايمان والهجرة، والجهاد بالمال، والجهاد بالنفس والإيواء والولاء، يعني إذا أ قمت حركة على الولاء لله أولا، ثم أقمتها على أساس الاسلام والجهاد والهجرة هذه الجماعة هي الجماعة الحركيةن والجماعة الرسالية. يقول القرآن الكريم في سورة الأنفال {والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا”. هاهم مؤمنون لكنهم لم ينخرطوا في الحركة الاسلامية، لم ينخرطوا في النظام الحركي لم ينخرطوا في العمل الجهادي. لم يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، لم يأووا ولمن ينصروا إذن ما لهم من الولاية شيئ، هؤلاء لا نحتاج إليهم لا يفيدون شيئا.
فمن جملة الشروط إذن في العقل الحركي هو الحركة والتنظيم الحركي.
ـ الشرط الثالث : ينبغي للعقل الحركي أن يعرف أن الأمور تتم بمراحل، وأن لكل مرحلة شروطها. أن الفتح لا يتم إلا بمراحله، ولكل مرحلة ضروراتها يشير القرآن لهذا {ومالكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل}. المرحلة الأولى قبل الفتح كان لها مميزات، لان الاسلام في حاجة إلى الإنفاق، لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى.
فإذن معرفة المرحلية ومعرفة خصوصيات المرحلية، والتفاعل مع خصوصيات هذه المرحلة من العقل الحركي. لا بد أن تذهب مع المراحل وتعرف أهمية المراحل وتحترم شروط المرحلة، وتعمل بشروط المرحلة فإذن العقل الحركي شرط في العقل الرسالي.
وبدون أن أضيف شروطا وضوابط أخرى حتى لا أطيل عليكم أقول بأن هذه الأمة التي أنشأها الرسول(ص). على هذه الخصوصيات، انطلاقا من هذه الصفات الأربع التي تكلمنا عنها وهي : العقل اليقيني، والعقل العلمي، والعقل الجمعي والجماعي، والعقل الحركي هي الأمة التي عندما أنجزها محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام أخبر بها القرآن ليخبر بأهميتها وبصفاتها وبأهدافها فقال {كنتم خير أمة أخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} أخبر بها القرآن عندما أنجز هذه الأمة الرسالية، على أساس هذه الخصوصيات والعقلية الرسالية، اخبر بها القرآن كما أخبر بذلك بالصفات التجانسية بأنها أمة واحدة فقال عز وجل : {وأن هذه أمتكم أمة واحدة} وليست متعددة، انطلاقا من أنه كان قد وضع ضوابط، شروطا قانونية، سننا كونية، في أنه إذا تعددت الأمور، فشلت، {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، انظروا إلى هذا التعبير كأنكم أصبحتم ذرات لا تساوون شيئا حتى إذا جاءت أدنى ريح تنثركم، {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا، إن الله مع الصابرين}، لذا قلنا عندما أنجز المصطفى(ص) هذا الانجاز الرائع أخبر عنه الحق سبحانه بصفاته : {كنتم خير أمة أخرجت للناس} وأن هذه أمتكم أمة واحدة. أخواني الكرام، أريد بهذا أن أنبه أن العالم الاسلامي فعلا يوجد في مرحلة في غاية الدقة وإن مواجهة الشر ومكائد الشر ومخططات الشر، وغزو الشر لا يمكن أن يكون إلا بالانسان الرسالي، وإلا بالعقل الرسالي. لذا ينبغي أن نعود بقدر الإمكان إلى العمل بمقتضيات هذا العقل الرسالي، حتى نعود إلى مرحلة التمكين بحول الله، وحتى نصل إلى مراحلة الفتح وننطلق من المرحلة الأولى التي أنجزها نظام الفتح الاسلامي الأول، وهي أنه أنجز الاسلام وأوصله إلى الصين والمحيط الأطلسي، وما يزال محيط أكبر من هذا غير مسلم. فينبغي أذن أن ننطلق من المرحلة الأولى التي انتهى عندها نظام الغزو لننطلق في إتمام تحقيق العالمية الاسلامية نسأل الله تبارك وتعالى أن يشرفنا بذلك، وأن يجعلنا من الوارثين والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.