سؤال مطروح ويتردد بإلحاح في الساحة المغربية بعد إعلان خطة إدماج المرأة في التنمية، والناس فيه فريقان : فريق مع الشركة، وفريق ضدها.
فما هو رأي الشريعة الإسلامية التي لم تُستشر في الموضوع، ويحاول البعض إقصاءها والتنكر لأحكامها، والتهرب منها، أو الافتراء عليها.
هذا ما سنحاول التعرف عليه والوقوف على حقيقته من خلال الفقه الإسلامي القائم على مبدإ العدل الذي هو حق للزوج والزوجة معا. وليس حقا لأحدهما دون الآخر.
وللوصول إلى ذلك كان من الضروري دراسة كل حالة على انفراد، ومراعاة ظروف كل زوجة ودورها في الإنتاج والاقتصاد داخل الأسرة، وعدم التساهل والمجازفة بإصدار الأحكام جملة.
-1 فهناك الزوجة التي لا تمارس أي نشاط لإنتاج المال، وينحصر دورها في العمل المنزلي.
-2 وهناك المرأة النشيطة تعمل في مال زوجها تشاركه في تنميته واستثماره بالوسائل المتاحة لها.
-3 وهناك الزوجة المستقلة بعملها تتقاضى عليه أجراً خاصا بها من قطاع خاص أو عام، موظفة، عاملة، مقاولة، مهنية.
-4 وهناك الزوجة التي تشارك زوجها في العمل المؤجر عليه بأجرة مشتركة.
-5 كما أن هناك الزوجة التي يستغل الزوج مالها أو تقدمه له بيدها، راضية أو مكرهة.
ولكل زوجة من هذه الزوجات ولكل حالة من هذه الحالات حكمها الخاص وحيثياته وحججه.
أولا- الزوجة الراعية في بيت زورجها :
هذه الزوجة التي لا تشارك في إنتاج المال بوجه من الوجوه لا يمكن اعتبارها شريكة للزوج في الأموال المستفادة بعد الزواج وليس من العدل إشراكها فيه انطلاقا من الحجج الآتية :
-1 قوله تعالى : {للرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا، وللنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبْنَ}(النساء : 32) وهو نص في جعل كسب الرجال للرجال، وكسبِ النساء للنساء، واخْتِصَاص كُلِّ جنس بكسبه، وهي عامة في الأزواج والزوجات وغيرهم، وفي جميع المكاسب، وإن كانت واردةً على سبب خاص فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذه الزوجة لا كسب لها فيما استفاده الزوج فلا تشاركه فيه.
-2 قوله تعالى : {وأَنْ لَيْسَ للإِنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى}(النجم : 39).
-3 قوله تعالى : {ولاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا}(الأنعام : 166).
-4 قوله تعالى : {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إلاَّ وُسْعَهَا، لَهَا مَا كَسَبَتْ وعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (البقرة : 286).
فهذه الآيات عامة في كسب الحسنات والثروات، وفي عمل الدنيا والآخرة كما قال ابن حزم، ويُؤَيِّدُهُ : قاعدةُ عُموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة.
وهي تدل على اختصاص كل واحد بكسبه مفيدة للحصر ودالة عليه بأقوى طرقه وأبلغها : النفي والإثبات، لا تكسب كلُّ نفس إلا عليها، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى.
ومع هذا الحصر المؤكد، والعموم الشامل للأزواج والزوجات، لا يبقى لأحد طمع في استحقاق كسب غيره، والاستيلاء عليه، أو مزاحمته فيه، ومشاركته له باسم الزوجية أو غيرها.
-5 قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : ((والمَرْأة رَاعِيةٌ في بيْتِ زَوْجِهَا)) فجعلها راعية مؤتمنة ولم يجعلها شريكة له في بيته وما فيه من أموال.
-6 انعدام الشركة بينهما، لأن الشَّرِكَةَ في الفقه الإسلامي لابد فيها من أركان وشروط إذا اختل بعضهما لا تصح ولا يترتَّبُ عليها أثرُها إذا وجدت.
وأهم أركان الشركة الإيجاب والقبول، وهما غير موجودين، ولا يمكن لأحد ادعاء وجودهما، لأن الواقع يكذبه، لأنهما لم يعقدا أية شركة بينهما عند النكاح، ولم يتراضيا إلا على الزواج، ولم يتفقا على شركة في مال ولا عمل، وعقد الزواج لا يتضمن الشركة وينافيها، ولهذا يقول الفقهاء : لا يَجُوزُ الجَمْعُ بينهما في عقد لتَبَايُنِ أحكامهما.
لأن النكاح مبنيٌّ على المُكَارَمَةِ والتَّأْبِيد، ولا يجوز فيه الخيارُ، والشركة بخلاف ذلك في الجميع.
-7 ما ثبت بالتواتر المعنوي من أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا ينسبون أملاكهم وأموالهم إلى أنفسهم وينسبها الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم، وكانوا يتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه من غير استشارة زوجاتهم، يبيعون ويتصدقون ويوصون بمحضر الرسول صلى الله عليه وسلم وتقريره، كما ورد في وصية سعد، وصدقة أبي الدَّحداح، وكعب بن مالك، وأبي لُبابة وآخرين(1).
فلو كانت الزوجة شريكة الزوج لما صح تصرفهم، ولما أقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، لأنه لا يقر أحدا على باطل.
ثانيا- الزوجة العاملة في مال زوجها :
الزوجة العاملة في مال زوجها يختلف حكمها باختلاف طبيعة عملها، فقد يكون عملا صناعيا، تخيط ثوبه، أو تغزل صوفه، أو تنسج غزله، أو تدبغ جلده، أو تطرز أو تقوم بأي عملٍ صناعي في مادة أوَّلِيَّةٍ مملوكة للزوج، أو جاءها بها لتَعْمَلَهَا لَهُ.
وقد يكون عملها غير صناعي، تتجر في ماله، أو تعمل في حقوله وضيعاته، أو تربي ماشيته، أو تعمل أي عمل يساهم في تنمية أصل المال الذي هو مِلْكُ للزوج دون تصنيعه، والحُكْمُ بالنسبة للزوجة الصانعة : فمذهب الحنفية أنها تُعْتَبر متبرعةً بعملها، ليس لها أجْرٌ، ولا نصيبٌ، وهو الجاري على مذهب الشافعية الذين يرون أن العامل الرشيد لا يستحِقُّ أجرةً على عمله، إلا إذا وقع الاتفاق على الإيجار مسبقا قبل العمل. وإلا عد متطوعا بعمله لا شيء له، ويرى بعض المالكية أن للزوجة أجراً على عملها محدَّداً في أُجْرَةِ المِثْلِ(2)، ولا تكون شريكة للزوج، إلا أن المشهور في المذهب أنها تكون شريكة له في المتاع الذي صَنَعَتْهُ، هي بِقِيمَةِ عَمَلِها، وهُو بقيمة مَتَاعِهِ قبل تَصْنِيعِهِ، لا تَظْلِمُ وَلاَ تُظْلَمُ، ولا تتعدى شركتُها المتاعَ المصنوع، ولا تتجاوز حِصَّتُها قيمةَ عَمَلِهَا، ولا تنقُص عنها، وقوفا مع مبدإ العدل الذي هو حق لهما. إلا أن تصرح بأنها صنعته له تطوعا، أو يكون العرفُ جاريا بذلك، وأن المرأة لا تأخذ أجراً من زوجها، فإنها لا تعطى أجراً ولا تستحق نصيبا في المصنوع، عملا بقاعدة : “العرف كالشرط”، وحديث : ((المسلمون عند شروطهم)).
وبالنسبة للزوجة الثانية التي ساهمت في تنمية مال الزوج فإنها بالرغم من مشاركتها في تلك التنمية فإنها لا تعتبر شريكة في ذلك النماء الذي ساهمت فيه، انطلاقا من الأدلة والحجج الآتية :
-1 حديث البخاري في الأدب المفرد أنه صلى الله عليه وسلم قال : ((بين يدي الساعة سلام الخاصة وفُشُوُّ التجارة، حتى تساعد المرأة زوجها في التجارة(3))). وهو نص في كونها مساعدة معينة، وليست شريكة له في تجارته، رغم عملها معه فيها.
-2 الحديث السابق، ((والمرأة راعية في بيت زوجها))، وفي رواية ((في مال زوجها))، فقد جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم راعية، والراعي غير شريك، وهو عام في كل امرأة وكل مال.
-3 حديث ((الخراج بالضمان(4))) والمال الذي تعمل فيه المرأة ضمانه من الزوج وحده في حال ضياعه، فيكون نمَاؤُهُ له، لهذا الحديث.
-4 حديث ((النهي عن رِبْحٍ ما لم يضمن))، وهو مِثْلُ الذي قبله، فإن الزوجة لا ضمان عليها في مال الزوج الذي تعمل فيه، لأنها راعية مؤتمنة، بنص الحديث السابق، والرَّاعي والأَمِينُ لا ضَمَانَ عليهما فلا يكون لها حق في ربحه ونمائه، لعدم ضمانه.
-5 القاعدة الفقهية المشهورة : ((الغُنْمُ بِالغُرْمِ))، وقاعدة : ((مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ غَلَّتَهُ))، أو ما يسميه بعضهم بقاعدة “التولد”، وهي قواعد مستمدة من الحديثين السابقين، وكلها تقتضي اختصاص الزوج بما نَمَا من ماله.
-6 العرف الجاري بين الناس أن الزوجة تساعد زوجها في ماله، على وجه الصلة والتودد، ولا تطالبه بأجر، ولا نصيب، وهو عُرف قديم، منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، عَلِمَهُ وأقره ولم ينكره، فقد كانت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما تساعد زوجها الزبير رضي الله عنه، وتقوم على خدمة فرسه، وتنقل النَّوى على رأسها من حائطه، وتدقُّه وتعلفه فرسه، وهو عرف مازال معمولا به، والعرف كالشرط.
-7 انعدام الشركة بينهما كما سبق بيانه وحتى لو وقعت لكانت فاسدة، لا يترتب عليها أثرها، لأنه لا يمكن تكييفها بشركة المفاوضة أو العنان(5)، ولا يصح إدخالها فيهما ولو صَرَّحَا بذلك، لأن من أركانها مساهمَةَ كُلِّ واحد بمال، زيادة على أن مال الزوج لا يتجر فيه، وإنما يستغل.
كما أنه لا يصح إدخالها في شركة المضاربة(6) أيضا، لانتقاء شروطها جملة وتفصيلا، ولا يصح اعتبارها مزَارَعَةً أو مساقاة إذا كان عملها فلاحيا، لاختلال شروط المزارعة والمساقاة.
كما أنها إذا كانت تتجر في ماله معه فإنه لا يصح اعتبار العقد صحيحا على فرض وقوعه، لأن شرط القراض انفرادُ العامل بالعمل، وعدمُ مشاركة رب المال له في العمل، وتعيينُ جزء الربح وهذه كلها غير متوفرة(7).
-8 ما سبقت الإشارة إليه من التواتر المعنوي على نسبة الأزواج أملاكهم إليهم، ونفوذ تصرفهم فيها، وإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك من غير أن يسألهم عمن ساهم في نمائها، وترك الاستفصال ينزل منزلة العموم، كما يقول الأصوليون.
(ولا بأس بفتح قوس لطمأنة المرأة نشير فيه إلى أن هذا الحكم ليس خاصا بعمل المرأة في مال زوجها، بل هو جارٍ في عمل الرجل في مال زوجته، وعَمِل الولد في مال أبيه، أو أُمِّهِ، وعَمَلٍ أي واحد في مال غيره بدون عقْد معه، فإن الغلة ونماء المال لمالك المال فلا ذُكُورِيَّةَ في الفقه، ولا تَحَيُّزَ لأنه شرع الله المبنيُّ على العدل والحق).
ثالثا- الزوجة العاملة المستقلة بعملها :
الأمر بالنسبة لهذه الزوجة واضح جدا فهي تتقاضى أجرا خاصا بها، مقابل عملها في القطاع الخاص، أو العام، أو في مقاولتها الخاصة، وقد اتفق الفقهاء على اختصاصها بكسبها، وأنه لا حق لزوجها فيه، استنادا إلى نفس الحجج السابقة في اختصاص الزوج بكسبه، وهي قوله تعالى : {للرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا، وللنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}، وقوله تعالى : {وأنْ لَيْسَ للإنْسَانِ إلاَّ ما سَعَى}، وقوله : {ولاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا}، وحديث الخراج بالضمان، وحديث النهي عن ربح ما لم يضمن، والقواعد السابقة أيضا فهذه الأدلة كلها تدل على اختصاص الزوجة بكسبها، وأن الزوج لا حق له فيه، كما لا حق له فيما تستحقه من أرش(8) الجناية عليها في بدَنِها أو بُضْعِها في وطء الشبهة، ووطء الاغتصاب.
وهي في جميع الحالات لا تعتبر شريكة للزوج فيما يكسبه، كما لا يكون شريكا لها فيما تكسبه، لانعدام عقد الشركة بينهما وانتفاء شروطها إن اتفقا على عقدها.
لأنهما إن اتفقا على شركة العمل فإن من شروطها اتحاد محل العمل أو تقاربه، وإمكان التعاون بينهما، واتحاد جنس العمل أو تلازمه، والزوجان لا تتوفر فيهما هذه الشروط أو بعضها، فأعمالهما مختلفة، وغير متلازمة في الغالب، كما أن المكان لا يكون متحدا، وإمكان التعاون بينهما مدخول فيه على عدمه، ولا يمكن تحقيقه، لاختلاف الاختصاص، ولأن الإدارة لا تسمح بنيابة شخص عن آخر، ضرورة أن الوظيفة والعمالة من قبيل إجارة العين.
كما أنه لا يصح اعتبارها شركة مالية، لأن من شروطها خلط المالَين حسا أو حكما، وتوزيع العمل التجاري بحسب رأس المال، وهي شروط غير متوفرة.
نعم يمكن لهما إنشاء شركة مالية بالأموال الحاضرة، يساهم كل منهما فيها بمال حاضر كله، كما يمكنهما إنشاء شركة ملك فيما يشتريانه من العقار، والأثاث والآلات، كل بحسب ماله الذي يشارك به، ليكون المشترى مشتركا بتلك النسبة التي يتم تحديدها عند الشراء.
رابعا- الزوجة العاملة مع زوجها في مال غيرهما :
هذه الزوجة المشاركة لزوجها في العمل في مال الغير مقابل أجر واحد بينهما، أو لحصة واحدة لهما، مثل عملها في المساقاة بجزء من الغلة، أو مزارعة، أو مغارسة بجزء من الغرس، أو بحصة من الزرع، أو تجارة في مال الغير بنسبة من الربح، أو في نقل البضائع بسعر محدد ونحو ذلك، ومذهب المالكية أنها شريكة للزوج في النصيب أو الأجر المعين لهما لاشتراكهما في العمل والعقد.
خامسا- الزوجة التي يأكل الزوج مالها :
هذه هي الحالة الخامسة وهي حالة الزوجة التي يأكل الزوج مالها بوسيلة من الوسائل، أو يستثمره في مشاريعه، أو تنفقه عليه أو على أبنائه، ثم تقوم تطالب بحقها في حياته، أو بعد وفاته، أو يقوم ورثتها يطالبون الزوج أو ورثته بذلك، فهل تعتبر هذه الزوجة شريكة للزوج بما أكل من أموالها؟ أو تعتبر دائنة له بتلك المبالغ؟ أم تعتبر متطوعة لا شيء لها؟.
أما اعتبارها شريكة فهذا لا سبيل إليه، لأن الشركة عقد لا بد فيه من إيجاب وقبول، وهما غير موجودين كما سبق التنبيه عليه.
وأما اعتبارها دائنة أو متبرعة فإن ذلك يختلف باختلاف الوسائل التي حصل بها الزوج على مال الزوجة، فقد يكون ذلك برضاها على وجه التمتيع، أو في شكل مساعدات وهدايا، وقد يكون في مقابلة إمساكها وعدم طلاقها، وحسن معاشرتها، كما قد يكون عن طريق العنف والقهر، وقد يُجْهل الحال.
ففي حالة تمتيعها له بمالها فإنه لا يبقى لها حق الرجوع عليه، أو محاسبتُه، لأنها تعتبر متبرعة بذلك، استناداً إلى قاعدة : ((من التزم معروفا لزمه))، والتمتيع معروف، فيلزمها الوفاء به، إلا أن يكون التمتيع مشروطا في عقد النكاح، أو بعده بقرب، فإن النكاح يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المِثْل، ويبطل التمتيع من أصله، ولها الرجوع بما أكل حينئذ عملا بقاعدة : ((الفاسد لا يترتب عليه أثره)).
وبالنسبة لمن تعطيه مالها ليحسن عشرتها، أو ليمسكها ولا يطلقها، فإن من حقها أن ترجع عليه إذا لم يف لها بشرطها، وأساء عشرتها، أو طلقها قبل عامين عند المالكية، لعموم : ((المُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ))، وهذا لم يف له بشرطها، فلها الحق في الرجوع عليه.
ويجري مثل هذا في إعطاء الزوج زوجته، لتُمْسِكَهُ ولا تطلقه، أو لتُحْسِن عشرته على نحو ما للزوجة مع زوجها.
وفي حالة إعطائها ذلك على جهة الصلة والتودد فإها لا حق لها في محاسبته بشيء من ذلك، مهما فعل معها من إساءة، أو طلاق، أو تزوج عليها، وهي في ذلك كغيرها من الواهبين والمتبرعين، لقوله صلى الله عليه وسلم : ((لا يحل للرَّجُل أن يُعْطِي العطية فيرجع فيها إلا الوالِد فيما يُعْطِي وَلَدَهُ، ومَثَلُ الرَّجُلِ يُعْطِي العَطِية ثم يَرْجِعُ فيهَا كَمَثَلِ الكَلْبِ، أكَلَ حَتَّى إذا شَبِعَ قَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ فِي قَيْئِهِ))، ولعموم حديث ((لا يَحِلُّ مَالُ امرئ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ))، وهذه الزوجة طابت نفسها فيحل للزوج أخذه، لقوله تعالى : {فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فُكُلُوهُ}(النساء : 4) والإذن في الأكل من المالك مُسقط للضمان والرجوع.
والرجل والمرأة في هذا سواء، والزوجان وغيرهما سواء، ولفظ الرجل في الحديث لا مفهوم له، لأنه لقب، ومفهوم اللقب لا يحتج به، ولأن النساء شقائق الرجال.
وإن اختلفا فادَّعت الزوجة أنها أعطته ذلك على جهة السلف، وادَّعى هو الصِّلة فإن القول قَوْلُ الزوجة، لأن الأصل الاسْتِصْحَاب، وبقاء ما كان على ما كان، ولأن الأملاك لا تنتقل بالشَّكِّ، وهذه الأملاك مَعْلُومَة المِلك للزوجة فتَبْقَى على الأصل.
كما يكون القولُ قَوْلَها إذا ادَّعَتْ إعطاءها له على وجهِ الأمانة، فإن القوْل لها مع يَمِينِها، وتبقى الزوجة التي يأكل الزوجُ مالَهَا بالقَهْرِ والتَّسَلُّطِ فإن الشريعة الإسلامية أعْطَتْها الحقَّ في الرُّجوع عليه، إذا طَلَّقها، أو وجدت من يُنْصفُها منه، أو مات عنها، كما أعطت الحق لورثتها في الرجوع عليه، أو على تركته إذا مات، لأنه غاصِبٌ لمالها، مُتعدٍّ عليه، بتناوله عموم قوله تعالى : {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَـاعْتَـدُوا عَلَيْهِ بِمِثْـلِ مَـا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}(البقرة : 193)، وقوله تعالى : {إنَّ اللَّهَ يامُرُكم أن تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إلَى أهْلِهَا}(اانساء : 57)، وهذه إحدى الأمانات، فيجب على الزوج أداؤها إلى أهلها، وحديث : ((إذَا أَخَذَ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ فَلْيرَدَّهُ))، وإذا وجب رد العصا فردُّ غيرها أوْلَى وأَحْرَى.
وفي حالة استغلال مالها على مرأى ومسمع منها دون إذْنٍ صريح، ولا تسَلُّطٍ واضح، فإن هناك خلافا فقهيا، المشهور في مذهب مالك : أنها ترجع عليه بكل ما استغلَّ من مالها الخاص أو المشترك، وبه جرى العمل، لعموم الحديث : ((لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ))، وهذه لم يُعْلَم طيب نفسها.
وفي جميع الحالات التي يكون لها حق الرجوع فإنها ترجع عليه بكراء ما يكري من دُورٍ وأرَاضٍ ومتاجرَ، وفي الثمار تَرجِع بمثلها، أو عينها، وترجع بثمن ما باع من حُلِيِّها وحيوانها، إلا دار سكناها فإن الراجح عدم الرجوع إذا سكن معها.
وهكذا يتبين أن الشريعة الاسلامية لم تفرِّط في حقوق المرأة ولم تقصِّر في حمايتها وصيانتها، ولكن المرأة هي التي فرَّطَت في الشريعة بالإعْرَاض عن تعلُّمِها ومعرفة الحقوق التي تَكْفُلُهَا لها، والتجأت إلى غيرها تلتمس النَّجْدة والحماية من غيرها.
———–
-1 الإشارة إلى وصية سعد بن أبيوقاص عندما مرض، حيث طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسمح له بالتصدق بماله كله، أو نصفه، فأبى، وسَمَح له بالثلث وقال ((والثلث كثير)).
أبو الدحداح : الإشارة إلى ما فعله أبو الدحداح حينما نزل قوله تعالى : {مَن ذَا الذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفُهُ لَهُ}(البقرة : 245)، فقال رسول الله : واللَّهُ يريدُ منا القرض؟؟ قال (نعم) قال : أرني يَدَك، قال : ((إِنِّي أقرضتُ ربي حائطي -بستاني- وحائطه فيه ستمائة نخلة.
كعب بن مالك : الإشارة إلى ما فعله كعب حيت تاب الله عليه، فقال رسول الله : ((إنَّ من تَوْبَتي أن أنْخَلعَ مِن مالي صدَقَةً إلى اللَّه وإلى رسُولِه)) فقال له : ((أمْسِك عليْك بَعْضَ مالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَك)).
أبو لبابة : الإشارة إلى ما فعله حين تاب الله عليه حيث قال : ((يا رسول الله إن من توبتي أن أهْجُرَ دارَ قومي التي أصبتُ فيها الذَّنْب،وأن أنْخَلعً من مالي كُلِّه صدقَة إلى الله تعالى وإلى رسوله)) فقال صلى الله عليه وسلم : ((يُجْزِئُكَ يا أبا لُبَابة الثُّلُث)).
-2 أجرة المثل : هي الأجرة التي تُعْطى لمن يقوم بمثل عملها.
-3 سلام الخاصة : إشارة إلى أن معظم المسلمين سوف يبقون يسلمون على الأصدقاء والأقارب، ويتخلَّوْن عن إفشاء السلام بين الناس كلهم (على مَن عرفت وعلى من لا تَعْرف)، وفُشُوُّ التجارة إلى درجة أن المرأة تُساعد زوجها في التجارة دليل على بَدْء الهبوط بالعناية بالمال على حساب العناية بالقيم والمبادئ، وهذا الحديث من النُّبوءة المتحققة.
-4 الخراج : ما يرج من غَلَّة الأرض والمقصود أن الغلة التي يستحقها الزوج -ولو مع مساعدة الزوجة- هي في مقابل ما يحمّله من الضمان، فهي غُنم في مقابل الغُرم عند الخسار.
-5 شركة المفاوضة هي التي تتأسَّسُ بمال مشترك وعمَلٍ مشترك وكل واحد من الشريكين يُفَوِّض لشريكه أمْر الإدارة في اختصاصه، بدون الرجوع إلى شريكه… أما شركة العِنان فليس لأحد من المتعاقدين حرية التصرّف الانفرادي بدون إذن وموافقة الشريك أو الشركاء، ولهذا لا يشترط في شركة العنان التساوي في المال.
-6 شركة تقوم على مَالٍ من جهة وعَمَلٍ من جهة بجزءٍ من الربح شائع معلوم كالنصف أو الثلث أو الربع على حساب ما اتفقا عليه بشروط محددة معروفة نص عليها الفقهاء.
-7 لأنه لم يقع تعاقُدٌ يبيِّن جُزْء الربح المستحق.
-8 الأرش : دية الجراح، فإذا جُرحتْ المرأة بسبَب تعدٍّ، أو حادِثَة، واستحقت تعويضاً فذلك مِلك خاص لها.
د. محمد التاويل