طالعتنا جريدة الاتحاد الاشتراكي يوم الأحد ثاني يناير بمقال تحت عنوان “اتركوا مساجد الله لله” يتهجم فيه صاحبه، الذي تكنى بأبي الأيام ،على رمز من رموز الصحوة الاسلامية بمدينة وجدة الاستاذ الفاضل مصطفى بنحمزة حيث اتهمه باستغلال منبر مسجد عمر بن عبد العزيز بمدينة وجدة للنيل من العلمانية، ومن حكومة التناوب، ومما يسمى مشروع ادماج المرأة في التنمية.
وأول ما يثير الانتباه في هذا المقال المقتضب في شكله المشحون حقدا في مضمونه تعالي صاحبه باتخاذ كنية غريبة إذ لم يرض بأن يكون ابنا للأيام، بل جعل نفسه أباها، ومن أعرف وأعلم وأفقه ممن كان للأيام أبا. والمقال بعد ذلك يزكم الأنوف برائحة العلمانية والاشتراكية والإباحية إذ يحيل عنوانه على مرجعية لائكية مشهورة “ما لله لله وما لقيصر لقيصر” ولا غرابة بعد ذلك أن يغضب صاحب المقال من خطيب الجمعة إذا ما عرض بالعلمانية، ولا غرابة أن يتقول عليه بحشر اسم رأس حكومة التناوب في المقال والذي لم يرد ذكره في الخطبة لا تصريحا ولا تلميحا، وإنما هو هوس اليسار الضارب في أعماق أبي الأيام، وهو هوس أيقظه كشف الخطيب عن تهافت فكرة مشروع خطة الادماج، على غرار ما فعلت منابر الجمعة في طول البلاد وعرضها في انتظار أن يقول الشعب المغربي المسلم كلمته الفصل في الخطة المحبوكة في كواليس اليسار، وبين أحضان العلمانية تمهيدا للمشروع الضخم المتواري عن الأنظار في الوقت الراهن، والمتمثل في تغييب الاسلام من كل مناحي الحياة ليخلو الجو لعلمانية تصول وتجول، وتحقق ما فاتها في عهد النظام العالمي السالف يوم كانت تلهج بالكفر الصراح مع شيوعية الشرق، فتحولت دون سابق انذار إلى كفر الامبريالية في شكل كليب ذليل أسلس القياد للنظام العالمي الجديد، يعمل مجانا دون تعليمات رغبة في ارضاء الأسياد عسى أن ينال من مائدة الفتات ما فاته في أمة قد خلت، وظل حقده على الاسلام دفينا لم يعرف النور ليسوم المسلمين سوء العذاب كما كان دأب الأنظمة الشمولية الشيوعية زمن طغيانها.
وأما اتهام فضيلة الاستاذ بنحمزة باستغلال المنابر للترويج لحزبية مزعومة فهراء ومحق وافتراء إذ لا يعرف لهذا الرجل أي ولاء حزبي، ولو أراد خوض التجربة الحزبية لكان زعيما فذا، وهو حق يضمنه له الدستور، ولكنه ندب نفسه لخدمة كتاب الله تعالى، فطلق الدنيا، وأفنى زهرة شبابه في نفق الغبار عن اعتق مدارس القرآن في المدينة حتى أصبحت تعج بطلاب العلم من كل الارجاء، وأهمل مصالحه الخاصة لتصبح المدينة مدينة المساجد بعد أن كان آذان مساجدها المعدودة على رؤوس الأصابع مغمورا، وعمارها من مرضى الشيوخ والعجزة لا يتجاوزون صفا واحدا فأصبحت بنعمة الله، وسعي هذا الرجل المشكور كخلايا النحل يصدح شبابها بالذكر الحكيم ولعل أبو الأيام يريد لها الخراب كما كانت. وبعد ذلك لا يخفى على ساكنة مدينة وجدة ما للاستاذ الفاضل من أيادي بيضاء على العجزة والأرامل واليتامى والمشردين والمرضى فمشاريعه الخيرية بمساعدة المحسنين وأهل الخير والصلاح ناطقة شاهدة، وقد سخر لها الله ألسنة الحاسدين فطار ذكرها في البلاد، وما زاد ذلك الاستاذ الفاضل إلا تصميما وعزما على خدمة القرآن الكريم ابتغاء وجه ربه الكريم، أما علمه فلا حاجة لذكره فقد أصبح جامعة قائمة بذاتها على موعد مع جمهور غفير كل أسبوع طيلة السنة إلى جانب عمله في كلية الآداب بجامعة وجدة. أما حديثه عن العلمانية وعن مشروع خطة الادماج فواجب ديني إذ لا قيمة لداعية يسكت عن تطاول السفهاء على الدين وتجاوزهم لاقدارهم عندما سولت لهم أنفسهم العبث بقطعية النصوص المقدسة قصد تحقيق رغبتهم الجامحة في استدراج المرأة المسلمة إلى أوكار الرذيلة بسبل ملتوية ومامقالاتهم اليومية في صحف اليسار إلا دليل قاطع على حقد دفين يروم خدش كرامة المسلمين والمس بمشاعر الأمة المتشبثة بأهداب الدين. وبعد هذا وذاك بأي حق تسخر الأحزاب والصحف والأندية والقنوات المرئية والمسموعة لجيوش العلمانيين، ويحرم خطيب الجمعة من التذكير بشرع الله المصون على المنبر لمدة لا تتجاوز ثلث ساعة في الأسبوع؟ وما هو الحد الفاصل بين الدين والدنيا ليكون نصيب العلمانيين الدنيا، ونصيب الخطباء الدين؟.
وأخيرا نقول لأبي الأيام أما كفاك أن المساجد تشكو لربها ظلم العباد بفعل وشاية أمثالك حتى صارت كالكنائس تغلق أبوابها بعد كل صلاة، وتلصق على جدرانها مذكرات الوعيد لمن تلا القرآن قبل خطبة الجمعة منفردا، ولمن جلس محدثا وواعظا للناس دون اذن الكهان، ولمن جمع المال لبناء بيوت الله، وغابت عنها حلق الذكر والعلم، ومنع المعتكفون من الاعتكاف في شهر الصيام، وهي تحت رحمة العيون والجواسيس الذين يحصون كل حين عدد الملتحين والمحجبات، وفيها يحاسب الخطباء الحساب العسير من طرف كل من هب ودب من قواد وشيوخ ومقدمين وفضوليين من أمثال أبي الأيام الذي لو صدق قلمه ولسانه كصدق قلبه، وسريرته لأفصح عن علمانيته دون خوف ولا وجل فأراح المسلمين من انتسابه المغلوط اليهم، واستراح من هوس الخوف على منصب زعيم حكومة التناوب الذي لو نطقت صناديق الاقتراع لافصحت عن الخبر اليقين وسيعلم المزورون أي منقلب ينقلبون.
ذ. محمد شركي