لهذه البارقة عُنوانان، أما العنوان الأول فُهو هذا الذي أبرزتُه فوقُ وأما الثاني فسأذكره خلال هذه القصة التاريخية الثابتة…
رَويتُ عن عمي شيبةِ الحمدِ الحاج الطيب الهراس بارك الله في عمره (ولد سنة 1902م) أن والدَه الحاج محمد المختار الهراس رحمه الله حكى له هذه القصة قال :
قمنا بزيارة السلطان مولاي الحسن الأول صحبة شيخنا مولاي علي شقور رحم الله الجميع فلما دخلنا عليه والشيخُ أمامنا سلَّم على السلطان فلم يردّ عليه السلام ثم اقترب منه وسلم عليه مرة ثانية بصوت أعلى قليلا فانتبه السلطان ورد السلام ورحب بشيخنا وبنا على عادته الكريمة إذ كان يحب الشيخ ويُجلّه ويُلح عليه دائماً ألاَّ يغيب عنه. فسأله الشيخ : ما لكم يا مولاي الحسن أراك مهموما؟! فأجابه السلطان : كيف لا أكون مهموما والحال كما ترى.. فنحن ببلدنا مثل دُمَّلُّ كبيرٍ مملوءٍ قيحاً ودماً ويَكَادُ يَنفجر والذبان منقضٌّ عليه يمتصُّه فقال الشيخ : (شوِّش) عليه واطرده. فقال السلطان أخشى أن يأتي بَدَلَهُ ذُبَّانٌ جائع فلا يكتفي بالمص والامتصاص بل يأكل اللحم ويصل إلى العظم..
وخيم على الجو صمتٌ رهيب فبادر السلطان مولاي الحسن وهو مهموم إلى القول: يا سيدي علي ادع لنا ولهذا المغرب فرفع الشيخ يده وقال لمولاي الحسن ارفع يدك إلى الله ورفعنا نحن أيدينا معهم لنؤمن على دعاء شيخنا فاتجه الشيخ ببصره وكفيه إلى السماء خاشعاً متضرعاً إلى ربه داعيا فدعا ثم زاد قـائلا :
“سِرْ يا مولاَيْ الحسن كلُّ من خدم معك بالغُشّ فاللهمَّ طَيِّره من العُش”
وهذا الدعاء هو الذي كان يصلح أيضا عنواناً للبارقة لذلك يمكن أن نطلق عليها : ذات العنوانين. إلاّ أني ارتأيت العنوان المُثَبتَ أعلاه بمناسبة ما نسمع عبر كثير من بلادنا عن الذبان الجديد الجائع الذي لا يكتفي بالمص والامتصاص بل اندفع في خشوع وإخلاص واستماتة إلى الانتهاش والامتشاش كما تفعل الطيور الجارحة الجائعة والذئاب الطاوية والضباع الناهمة ببقايا الفريسة التي أقلع عنها الأسد بعدما شبع منها وعافها. ومن المعروف عن الأسد أن أكله يختلف عن أكل الذئاب والضباع وغيرهما أما أكل الذبان والحشرات أمثالهما ولا سيما إذا كان جائعاً أو صاحب ايديولوجية مدمرة فنستعذ بالله من أكله وامتصاصه وانتهاشه وإلى الله المشتكى.
د. عبد السلام الهراس