قادرون على تطهير إعلامنا المرئي!!


من نافل القول التأكيد على أهمية الإعلام في وقتنا الحاضر، ودوره الكبير في صناعة التقدم والازدهار، ولعل الحرب الحضارية القائمة الآن هي حرب إعلامية، ولهذا تتهافت الدول الكبرى على تملك ناصية وسائله واحتكارها، لتتحكم في مصائر الشعوب وقد تبدو ما تنفقه الولايات المتحدة من بلايين الدولارات على غزو الفضاء، تبذيرا وإتلافا ولكن ذلك كله مدرج في خطة إعلامية طويلة المدى، الهدف منها هو التحكم في العالم من خلال وضعه تحت الحراسة والمراقبة، بواسطة الاقمار الاصطناعية الدقيقة، التي تحصي كل كبيرة وكل صغيرة، والتي بواسطتها تبث أفكارها ومبادئها وتفرضها على العالم فرضا، من أجل صناعة إنسان على قياسها ومزاجها، وهو ما صرنا نعرفه بنظام العولمة.

وإذا كان للإعلام هذا الدور الكبير في البناء، فإن له دورا آخر في الهدم، هدم كل القوى والبنى التي تقوم عليها حياة الأمم، وعلى رأسها هدم الإنسان، الذي هو أسس الأسس، من خلال هدم قيمه ومبادئه، صلى الله عليه وسلمبتزيين الرذيلةرضي الله عنه وطرح قيم ومبادئ دخيلة، تهيئ النفوس لتقبل الغازي، سواء كان فكرة أو سلعة، أو إنسانا..

ومن هذا المنطلق سعت الأمم الصاحية لتحصين إنسانها، بصناعة برامج إعلامية مضادة، لكل غريب، ولا سيما وأن وسائل البث المباشر الخارجية تغزو كل الفضاءات، ولم يعد بالامكان حصرها أو التحكم فيها، فالحل الوحيد إذن إزاء هذا الغزو الإعلامي القوي هو تقوية المقاومة الداخلية بصناعة إعلام مضاد قوي هو الآخر، يقوى على المنافسة والتحدي.

لكن المتأمل في إعلامنا مقروئه ومسموعه ومرئيه، يفاجأ -ويا للأسف- أنه صار البوابة الرئيسية لاستقبال الغزاة بالأحضان، وسوقا لإنفاق سلعتهم، بل صار معولا لهدم قيمنا ومبادئنا، بنشر الفاحشة، وتزيينها وتشويه الاسلام والمسلمين، سواء منخلال المقالات المغرضة المناوئة المتقنعة بمسوح التقدمية والحداثة والعلمية أو ترجمة بعض الكتب لكتاب معروفين بعدائهم للاسلام وحقدهم على المسلمين. أو عرض مسلسات وأفلام وخاصة المصرية، التي تصب جام غضبها على الجماعات الاسلامية، فلا يكاد يخلو مسلسل مصري، من مشاهد بشعة تلمز في حق المسلمين، فهي تصورهم في شخصيات متجهمة القسمات فظة غليظة الطباع، جشعة نهمة، منحرفة، ومتطرفة، متعطشة للدماء، وقس على ذلك، وهي تحاول بذلك كله تشويه الحركات الإسلامية التي تحمل مشعل الاصلاح، وتنادي بالرجوع إلى الأصول لمواجهة تيار الميوعة وحملة التفسيق المبرمج.

وقد استطاعت هذه الحملات الاعلامية المسعورة ما لم تستطع فعله قوى الاستعمار، وجنوده، فهل صار إعلامنا سلاحا مسخرا لتدمير ثوابتنا، وتهجين هويتنا، وترسيخ عوامل الضعف والتبعية. وصنع ذهنية جمعية تستهين بكل ما هو مغربي، وتقديس كل ما هو غربي، لغةولباسا ونحلة، وقد بدأنا نجني ثمار هذه الحملات المسعورة فحين نتحدث عن المواطنة، ماذا يعني ذلك؟ فالروح الوطنية التي جعلت آباءنا يضحون بالنفس والنفيس من أجل تحرير الوطن، ويسهرون الليل ويكدون النهار من أجل رقيه، ويتحملون الصعاب لاستقراره، ولا يرجون من ذلك أجرا إلا ابتغاء مرضاة الله، اعتقادا منهم بأن حب الأوطان من الإيمان، فأرض الوطن محرابهم ومزرعتهم، وقبرهم، فقد أشربوا حب الوطن إلى مقام الفناء فيه، فأين هذه الروح؟ من هذا الجفاء الذي صار يملأ قلوب شبابنا فلم يعودوا يحلمون سوى بـ”الحريق” مغادرة الوطن بأي ثمن ولو بأرواحهم، فقوافل الموت البحرية تزكم الأنوف جيفها، والأنتن من ذلك هو الأنانية والأثرة وحب الذات، التي صارت ظاهرة اجتماعية يحس بها الكبير والصغير، تتجلى في أمراض الرشوة والنصب والاحتيال وأكل أموال الناس بالباطل، بأي طريقة كانت، ورفع شعار “أنا ومن بعدي الطوفان” أو كما قال الشاعر أبي فراس الحمداني :

معللتي بالوصل والموت دونه

إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر

وقد يأتي وقت إن لم نقل قد أتى نبحث فيه عن المواطن المغربي فلا نجده، نجد ركاما من الأجسام البشرية موسومة بطابع صنع فرنسا، أو صنع أمريكا، أو صنع عبدة الشيطان.

فعلى الجهات المسؤولة أن تستدرك الموقف، وتسعى لتوظيف الإعلام في خدمة الوطن، إن كانت تدعي المواطنة الحقة، وذلك باختيار المواد التي تتلاءم مع طبيعة الإنسان المغربي وهويته الاسلامية والعربية. وتصنع الشخصية القوية التي لها غيرة على الوطن وثوابته، إذا كنا فعلا نطمع في دخول الألفية الثالثة بكيان موحد رصين، وبمغرب التحديات وقد أظهرت لنا “فترة الحداد” أنا قادرون على تطهير إعلامنا المرئي، وتوظيفه في بث الفضيلة والقيم العالية، وغرس حب الوطن في النفوس، إن نحن أخلصنا النوايا، وعقدنا العزم على الاصلاح والتغيير.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>