قرأت في مجلة “الكوثر” الكويتية عدد 2 السنة الأولى التي تصدرها لجنة مسلمي افريقيا الرائدة والسائدة في الدعوة الاسلامية بافريقيا لائحة أغنياء العالم ومنهم الحكام : ملوكاً ورؤساء ويتصدر هؤلاء حسن البلقية سلطان بروناي الذي تبلغ ثروته 37 مليار دولار وإن كنت أظن أن الرقم أكبر من هذا العدد، كما أن هناك من الحكام المسلمين من يملكون ثروة مثل هذا السلطان أو أكثر إلا أن القائمين على الإحصاء يُخفون عنا الحقائق لقاء “عمولات” يتقاضونها لستر “الحال” عن الشعوب الاسلامية المنهوبة والمغلولة والمنهوكة.
وكانت ملكة الانجليز تملك 16 مليار دولار لكنها تنازلت عن ثروتها تلك وأوقفتها على أمتها ولم تعد تملك سوى نصف مليار تقريباً ورضيت أن تكون في الثراء أقل من بعض الحكام العساكر الذين أصبحوا من أثرياء العالم بعدما كانوا قبل الاستبداد بالحكم يعيشون على أجرتهم البسيطة يوم كانوا ضباطاً أو أشباه ضباط في حياتهم الحزبية!!
وبما أن حكاماً مسلمين معجبون بالحضارة الغربية فلماذا لا يقتدون بملكة الانجليز مع أن هناك فرقا معروفا ومفصوحاً بين مصادر ثروة ملكة انجلترا ومصادر ثروة جل حكام المسلمين فالتنازل عن بعض ثرواتهم لصالح أمتهم وشعوبهم إنما هو في الحقيقة إعادة مال المسلمين إلى بيت مال المسلمين ومن مصلحتهم أن يخففوا عن كاهلهم ما سيطالبون به يوم القيامة من غلول واستنزال لثروة أمة الاسلام ونحن ننتظر مبادرة من المبادرات الخيرة لعلنا نضيفها إلى عظمة الخليفة الراشد سيدنا عمر بن عبد العزيز الذي تنازل هو وزوجه بنت الخلفاء عن جميع ثروتهما وتوفي رضي الله عنه ولم يترك لاولاده شيئاً من حُطام الدنيا.. قال الراوي: لقد عشت حتى رأيت وشاهدت أبناء هشام بن عبد الملك من أفقر الناس مع أنهم ورثوا أموالاً طائلة من أبيهم.
إن المسلمين في أمس الحاجة إلى رئيس وحاكم يبادر إلى الإعلان أمام العالم أنه تنازل أو على الأصح يعيد أموال الأمة إليها بعد ما جمعها أثناء حكمه.. وعندئذ يلحقه المسلمون بمدرسة عمر بن عبد العزيز ويدعون له أن يحشره الله معه بما أعلنه من توبة وأظهره من ندم على ما فرط منه في حق أمته. وعندئذ يعتز شعب مسلم بأن ملكة الانجليز ليس وحدها التي تبادر بهذه المكرمات فهناك حاكم أو حكام مسلمون يقتدون بسلفهم الصالح قبل أن يقتدوا بها في هذا المجال الطيب الخيّر.
ألا فليعلم الذين لا يعتبرون أنهم سيحاسبون يوم القيامة على كل قرش اكتسبوه أو أنفقوه أو أورثوه وأن الخير كل الخير ألا يتركوا لأولادهم السحت والحرام وأموال اليتامى والمساكين.. إنهم بذلك يورثون أبناءهم الفقر المحقق والخراب المتدفق.. وما أكثر العبر وما أقل من يعتبر. وصدق الله العظيم إذ يقول : ((فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)).
د. عبد السلام الهراس