وأخيراً توفي أخي الفقيه محمد الحمداوي بعد أن توقع طبيب كبير وآخر صغير وفاته منذ سنتين، لكن شاء الله أن يمتعنا به سنتين أُخْريَيْن.. وقد تعودنا كما تعوّد بحالته الصحية الجديدة غير أنه شعر بالحاجة إلى رؤيتى فألح على ابنته أن تتصل بنا إذ لم يتعود أن أغيب عنه كثيراً، وقال لاحدى ابنتيه : إن والدتكم رحمها الله أخبرتني أن زوجً أخي عبد السلام وقع لها كسر لذلك تأخر عن زيارتي فاسألوا عنها.. وكان كذلك. الأمر الذي أقعدني في البيت مؤملاً زيارته في العيد بحول الله، ولكن أجله كان يوم الاثنين الواحد والعشرين من رمضان.
إن هناك أفذاذاً من الناس تتمنى لو كنت عرفتهم من زمن بعيد ومن هؤلاء الفقيه محمد الحمداوي، كان لقاؤنا في شهر غشت بشفشاون حيث كان ينشد الراحة والاستجمام. وما أن تبادلنا التحية حتى وجدنا أنفسنا مستغرقين في الحديث، وكان حديثنا عن الأستاذ مالك بن نبي وعن الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي وعن سيد قطب وعن أحوال العرب وعن الثورات في الشرق العربي ثم عن أحوال المغرب وعما شاهدناه أو سمعناه من أحداث، وعن الحزبية والأحزاب. وكان اتفاقنا تاما في أن المستقبل للاسلام ولا مجال في بلادنا العربية لأفكار أخرى. وهكذا بدأ الارتباط ونشأت الأخوة وماعاد إلى بيته بالبيضاء حتى تعاهدنا أن ننأى بأنفسنا عن “البوليتيكا” وعن الحزبية ونخصص ما بقي من عمرنا للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة نوقظ الوسنان وندل الحائر ونحاور المتشبت بالباطل ونكتشف أهل الحق ونربط الصلات بينهم ونحاول أن نحقق الخلايا الأولى لأهل المحبة والصفاء والتعاون على الخير والتسامح. وهكذا بدأنا فوجدنا الميادين خصبة بالصالحين ولاسيما في أوساط الشباب، أما الكهول والشيوخ فجلهم كان يبارك دعوتنا ومنهم الفقيه محمد التطواني والفقيه المختار السوسي.. وقد جعل الفقيه نفسه وسيارته وبيته رهن رسالته الجديدة القديمة، كما استثمر علاقاته وصداقاته في سبيل دعوتنا. وقد التقينا في الطريق الأخ الرباني الدكتور بنعبود والأخ الرباني محمد المنوني رحمهما الله. كما التقينا بكثير من العاملين للاسلام كالأستاذ إدريس الكتاني ولاسيما بعد إفلاس بعض الايديولوجيات بالمشرق. وهكذا لم نعد غرباء في الطريق حتى شاهدنا والحمد لله مازادنا إيمانا ويقينا بأن شمس الاسلام بدأت ترسل أشعتها على بلادنا بل على العالم وليس للظلام والحالة هذه إلا أن ينقشع كما ينقشع الضباب ولو كان كثيفاً.
كنت أقول له دائماً : لقد جاهدت وسُجنت ونفيت من أجل استقلال المغرب، وقد أكرمك الله حتى أتممت مسيرتك إذ لم يهاجمك المرض إلا بعد أن رميت البذور الاسلامية والفسائل الربانية في هذا البلد المسلم العريق إلى أن نبتت النبتة الأولى ونمت الثانية واتسعت المساحة الخضراء في الجبال والسهول والصحراء والمدن والقرى وبدأت تؤتي ثمارها وتمد الأفياء وتنعش الأجواء وتزحف على الأرض الجرز والصحراء مما بشر ويبشر بالخير العميم..
لقد آلمنا بعض التعثرات التي أصابت المسيرة ولكن الله سبحانه وتعالى سدد وهدى وهو سبحانه وتعالى المأمول في المزيد من التوفيق والتسديد، وهو تعالى المسؤول أن يعزز المسيرة بأبناء وأحفاد صالحين من بني جلدتنا ممن لا يزالون يخوضون ويتخبطون ويجهدون أنفسهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. رحم الله أخي الفقيه الحمداوي وغفر له الله وأجزل الثواب وضاعف له الأجر، فقد أدى بعض ما عليه فلا تنسوا أن تترحموا عليه كلما ذكرتم الصالحين والمصلحين من سلفكم الصالح.