واقع اللغة العربية
في المهجر
برغم حرص الأولياء على تعليم أبنائهم والحفاظ على هويتهم الإسلامية في المجتمعات الغربية، توجد تحديات كبرى أبرزها النفور لدى الأطفال بخصوص الإقبال على اللغة العربية لأسباب عدة منها :
أولا : هذه اللغة بالنسبة إليهم ثانوية، لا يحتاجون إليها في حياتهم اليومية وهم يعيشون في المجتمعات الأوروبية، ويتحدثون لغتهم في الشارع وفي المدرسة وفي مختلف المؤسسات، ولا يستعملون اللغة العربية إلا في إطار عائلي ضيق، وفي وقت محدود لأن أغلب أوقاتهم في المدرسة.
وهنا يكمن التحدي، ذلك أن تعلم اللغة العربية أساسي في نظر الوالدين باعتبارها وسيلة للحفاظ على الهوية العربية الإسلامية ولغة القرآن والوحي ومدخلاً أساسياً لفهم الحضارات والأمم، ولكنها ليست أساسية في نظر الأبناء لأنهم لا يعرفون قيمة هذا الأمر خاصة إذا كانوا صغارا، فحتى إن حاولت إقناع طفلك بقيمة اللغة العربية وأهميتها، لا تجد لديه الاهتمام والتفاعل فكيف بالاقتناع التام بهذا الأمر. وربما يقتنع بذلك في سن الشباب، ويشعر بأهمية اللغة العربية وقد يصل به الأمر إلى الندم على عدم تعلمها في صغره، وربما يتوجه باللوم لوالديه، وتحميلهما مسؤولية تقصيره.
وربما تجد لدى الطفل القابلية للتحدث بلهجة البلد الذي ينتمي إليه والداه، أكثر من اتسعداده للحديث باللغة العربية الفصحى، وقد جرب بعض الأولياء الاقتصار على استعمال العربية الفصحى في مخاطبة أبنائهم، ولكنها تبقى تجارب محدودة تتطلب جهودا كبرى لأنها تواجه تحديات جمة من المحيط بما في ذلك دائرة الأصدقاء، حيث يغلب الحديث باللغة الأوروبية أو اللهجة القطرية أو المحلية.
ثانيا : تعلم اللغة العربية يأتي غالبا في وقت راحة الطفل ووقت فراغه، حيث يتوجه الطفل المسلم لدراسة اللغة العربية بعد الانتهاء مندراسته في نهاية الأسبوع، وبعد أن يكون قد أصيب بالإرهاق نتيجة إعداد دروسه في المدرسة الرسمية، في الوقت الذي يستغل أقرانه فترات الراحة في القيام بعدة أنشطة ترفيهية وتثقيفية مثل ممارسة رياضة معينة أو المطالعة في المكتبات المنتشرة في كل حي أو التجول للإطلاع على معالم تاريخية ومعارض علمية أو تعلم الحاسوب وغيرها من الأنشطة التي تجدد وتنمي طاقاته الفكرية والبدنية، ولا ننسى أن الأقران يتبادلون الحديث عن أوقات فراغهم وعن هذه الأنشطة، فيشعر الطفل المسلم بالروتين والملل مقارنة بأصدقائه غير المسلمين.
ثالثا : واقع المدارس العربية التي يتوجه إليها أبناء المسلمين في أوروبا، فهذه المدارس تتفاوت من حيث مستوى المنهج البيداغوجي المعتمد في تعليم اللغة العربية، والطابع العام السائد هو الضعف البيداغوجي بسبب اعتماد مدرسين غير متخصصين في الغالب ويفتقرون إلى منهجية التدريس، إلى جانب الضعف من حيث النظام والذوق والسلوك غير المستقيم لدى بعض الأطفال الذين ينقصهم التوجيه التربوي.
ونقترح في هذا الإطار قيام المدرسة العربية بحملات توعية في أوساط الأولياء الذين يغلب عليهم طابع الأمية، والذين لايخول لهم مستواهم الثقافي فهم الإشكاليات والتحديات المطروحة في الواقع، ويكون ذلك عبر تنظيم دورات تأهيلية للأولياء الذين تنقصهم القدرة على التوجيه يقوم بها المشرفون عن المدارس. وهنا يأتي دور النخبة المثقفة في مساعدة الأولياء عن طريق دورات تثقيفية وتوجيهية وتأهيلية. بالإضافة إلى ضرورة توفير مرشد اجتماعي أو مرشدة اجتماعية في المدرسة العربية لمساعدة الأولياء الذين يواجهون صعوبات في تربية أبنائهم وبناتهم، فبحكم الفارق في المستوى الثقافي، قد يحدث صراع بين الطرفين لعدم إمكانية التفاهم، وقد يتطور الصراع إلى طرد الابن أو هروب البنت من المنزل. فالمطلوب ايجاد حلول عملية ومساعدتهم على الخروج من هذا الواقع المريض.
من خلال ما تقدم يعتبر الطفل المسلم المقيم في الغرب “معذوراً” إذا أبدى نفورا من تعلم اللغة العربية، لأن هذه اللغة لا يحتاج إليها، وتكون “على حساب راحته”، ويتعلمها في إطار يختلف بيداغوجيا وإداريا عن المدرسة الرسمية، خاصة في وجود مغريات تجذب الطفل أو الشاب إلى المدرسة الحكومية، ويجدر في هذا اصدد التوقف عند التحديات المتعلقة بارتياد أبناء المسلمين للمدارس الرسمية في البلاد الأوروبية.
تحديات التعليم في المدارس الحكومية
هناك إشكاليات وتحديات عديدة منها:
أولا : مع تعلم اللغة، هناك تأثر بالقيم الغربية ذات الطابع المسيحي، فالإنسان معقد التركيبة، والطفل في المدارس الأوروبية لن يتعلم اللغة وحدها مجردة من كل ما تحمله من مضامين ورؤى وتصورات، ذلك أن اللغة تحمل في طياتها الثقافة والقيم والتاريخ والأخلاق، وللطفل أصدقاء من كلالجنسيات بما في ذلك الأوروبيون الذين لهم عقلياتهم المتمثلة في أسلوب الحديث، والسلوك والتصورات ونمط التفكير والعيش والقيم والأخلاق، ومن ذلك ظاهرة عدم احترام الكبير أو المعلم الذي ينادونه باسمه، في حين تربينا نحن على احترام المعلم ومناداته بسيدي أو آنستي أو أستاذي ونعتبره في منزلة الوالد أو الأخ الكبير ونضع بين أعيننا قول الشاعر :
قم للمعلم وََفِّهِ التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
هذه الحواجز تكسر في المدارس الرسمية، ولذلك تأثير على شخصية الطفل المسلم.
ثانيا : الاختلاط الذي ليس له حد ولا فصل خاصة في الأنشطة الرياضية، وعلى سبيل المثال فإن السباحة التي تدخل ضمن البرنامج الدراسي في المدارس الرسمية تكون مختلطة وهذا يحرجنا كمسلمين حيث وصل الأمر في بعض الحالات إلى حد أن حجرة الملابس التابعة للمسبح تكون مشتركة بين الذكور والإناث، وهذا تحدٍّ كبير وضرب لقيمنا ومبادئنا وهويتنا وديننا الذي يأمر بالتفريق بين الأخ وأخته في المضاجع منذ صغر سنهما، فنحن نعلم لأبنائنا العفة والحياء والآداب الإسلامية، وفي المقابل نجد التفسخ والميوعة خارج البيت وفي المدرسة.
والوالدان مهمتهما القيام بعملية غسل دماغ مستمر وانتباه شديد إلى آ ثار هذه الثقافة المائعة، ومهما تحاول أن توجه أو تقنع أو تغرس من قيم، فإن الواقع يفرض نفسه.