الحلقة 7 : شهادة قطعة في التلازم بين الأمة الإسلامية والمسجد الأقصى مستقبل القدس هو أكبر عقدة في أخطر قضايا الصراع العالمي ، هذا ما يتفق عليه الساسة والمراقبون والباحثون في الدنيا. وعقدة قضية القدس هو وضع بيت الله المقدس (المسجد الأقصى عندنا وفي التاريخ النبوي كله – الهيكل المزعوم عند اليهود والأصوليين المستندين إلى النبوءات الكتابية). إن النبوءات الكتابية تربط بوضوح بين مستقبل من الجلال والبهاء والعظمة لبيت الله وقبلته الجديدة ، وبين الأمة المقدسة المختارة التي تعبد الله فيه ، فحيثما وجدنا ذلك البيت وجدنا تلك الأمة الموعودة بأن يكثرها الله ، ويمكنها في الأرض ، ويظهر دينها على كل الأديان ، ويسلطها على ممالك الكفر إلى الأبد. وحين نجد تلك الأمة نجد قبلتها وأعظم معالمها هو بيت الله ذو المجد والبهاء والتقديس الذي لا يحظى به أي معبد آخر في الوجود. هذا التلازم بين الأمة والبيت لم يكن في يوم من الأيام أكثر منه إلحاحاً ووضوحاً في هذا العصر ، والسبب ويا للعجب هم : الأصوليون الصهاينة ؟! فالمسلمون -مع غفلتهم عن كثير من خصائصهم ونعم الله عليهم ومنها هذا البيت واستقباله- لا يرون العلاقة بين مكة والقدس علاقة تضاد ولا تنافس ، بل هي نفس العلاقة بين محمد صلى الله عليه وسلم وموسى وعيسى عليهما السلام ، علاقة المحبة والأخوة والغاية الواحدة وإن اختلفت مراتب الفضل بين الرسل وبين المساجد !! أما الأصوليون الصهاينة فالقضية عندهم حاسمة قاطعة: القدس هي مدينة الله والهيكل هو بيت الله المذكور في النبوءات ولا خيار ولا تفكير بل لا وجود لآخر !!. وهكذا وضعوا أنفسهم في موقف بالغ الخطورة في محكمة الحقيقة التي لا تحابيأحداً، فإما أن يصح ما قالوا وإما أن يكونوا أكذب الناس وأجدرهم بالعقوبة الرادعة ، ولا مناص. ومن هنا كان لابد من الحديث الموجز عن المسجد الأقصى، وعلاقته بالمسجد الحرام. والكشف عن البراهين من كتب أهل الكتاب ، ومن الواقع الذي يراه كل إنسان في العالم كله على بطلان دعوى هؤلاء وأن النبوءات كلها عليهم لا لهم. قصة المسجد الأقصى إن قصة المسجد الأقصى طويلة جداً لكن أهم معالمها هو: 1- ثاني مسجد بني في الأرض بعد المسجد الحرام ، بنص الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنهه قال : قلت يا رسول الله : أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال : المسجد الحرام ، قال قلت ثم أي ؟ قال : المسجد الأقصى ، قلت كم كان بينهما ؟ قال : أربعون سنة )). 2- بعد أن جدد إبراهيم \ البيت الحرام جدد يعقوب \ المسجد الأقصى كما ورد في بعض الآثار . 3- دخله قوم موسى ( بعد التيه حين جاهدواالكفار فنصرهم الله ودخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لهم كما في سورة المائدة وعبدوه وحده لا شريك له. 4- بلغ أوج عظمته في البناء حين أعطى الله تعالى سليمان (الملك العظيم، فسخر البنائين من الجن والإنس لبنائه ، ليكون بيتاً لعبادة الله وحده، وسأل ربه تعالى أنه أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه). 5- سماه اليهود ” الهيكل ” وهي تسمية وثنية معروفة ، مع أن التوراة تسميه بيت الرب في مواضع كثيرة جداً ، وليس الإشكال في مجرد الاسم بل حرفوا وابتدعوا حتى صار دينهم كالوثنية. والتوراة في مواضع كثيرة تسجل عليهم أنهم عبدوا ” بعلاً ” و ” تموز” و” مناة ” وغيرها من الأصنام. 6- تعرض لهجمات عدائية وأحداث كبرى سيأتي بعضها في فقرة تالية. 7- أسري بالنبي ( إليه قبل الهجرة. 8- افتتح المسلمون بيت المقدس ودخله أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه. 9- استولى عليه اليهود سنة 1387 هـ 1967 وأرادوا محوه من الوجود ولا يزالون . وأخطر حدث يمكن أن يقع في المرحلة اللاحقة هو حرقه أو نسفه ، أو طمس معالمه وتحويله إلى جزء من بناء مقترح يخطط اليهود لإقامته. 10- يزعم اليهود أن هيكل سليمان تحته أو حواليه ، وقد نبشوا الأرض وجعلوها سراديب وحللوا مئات الأطنان من الآثار المطمورة فما رأوا للهيكل المزعوم من عين ولا وقعوا له على أثر !!. إنها آية من آيات الله ، الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أن يبقى بيت الله الأول ، الذي رفع قواعده إبراهيم ( ظاهراً معموراً محفوظاً مقدساً ما يزيد على أربعة آلاف سنة بل أكثر ، فقد حج إليه الأنبياء قبل إبراهيم \ ، وكان مصوناً مقصوداً زمن عاد وثمود ، وفي الوقت نفسه تندثر هياكل بابل ونينوى وأورشليم ، وتماثيل قوم نوح وأصنام عاد وثمود !! وقرون بين ذلك كثير ..وأن يُسقط أهل الكتاب أنفسهم في الحفرة نفسها، مع أنهم يَدَّعون الانتساب إلى إبراهيم \، فهم ينقبون ملفات التاريخ المأثور والمطمور ، والنهاية إما ألا يجدوا شيئاً وإما أن يجدوا ما يشهد لدين الله لا لدينهم. إن كل ما أوتيته أمريكا وإسرائيل من زينة الحياة الدنيا لا يسلِّيهم من غمِّ الحسرة ولا يبل جمرة الحسد الذي يأكل قلوبهم ، حين يرون هذه الأمة الأمية تملك ناصية الحقيقة ، وتتقلب في نعيم النور ، هؤلاء البائسون يحفرون في تركية وشمال العراق وجنوب مصر وفي كل مكان فلا يجدون إلا بواصل تشير باستمرار إلى منبع الحضارة الإنسانية ، ومركز القيادة العالمية ((جزيرة الأمة الأمية)). هذا شأنهم منذ قرون ومئات الملايين من الجنيهات والدولارات ينفقون لتنطق الشواهد كلها عليهم ! فهل رأيت من يستأجر محامياً لإثبات دعوى خصمه. إنها حكمة الله !!. الكتب المقدسة شهادة للمسلمين لا عليهم نحن المسلمين -تشهد لنا نصوص الكتب المقدسة وتخدمنا حقائق التاريخ ويُسَخَّر أعداؤنا للشهادة لنا لماذا ؟. لأننا نؤمن برسل الله جميعاً ونقدس كل ما قدس الله بلا عنصرية ولا هوى ، وموقفنا واضح كالشمس : فالمسجد الحرام هو المسجد الحرام سواءً حين بناه آدم وحين بناه إبراهيم وحين بنته قريش -على شركها وجاهليتها- وحين بناه المسلمون ومتى أعيد بناؤه -كله أو بعضه- إلى قيام الساعة. وكذلك المسجد الأقصى عندنا -هو المسجد الأقصى- حين بُنِي أول مرة وحين بناه سليمان \ وحين صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وحين بناه المسلمون بعد ومتى أعيد بناؤه إلى قيام الساعة. ونحن نعتقد صحة ما جاء في سفر الملوك من قول الله لسليمان \ بعد بناء المسجد وهو : ((قدستُ هذا البيت الذي بنيته لأجل وضع اسمي فيه إلى الأبد)) (9 : 2). فهذا حق ولا زلنا ولله الحمد نقدس هذا البيت ونعبد الله فيه. أما اليهود الذينأبوا إلا العنصرية والتلبيس – فعن أي شيء يبحثون؟ إن كانوا يريدون المكان المقدس عند الله فها هو ذا قائم ظاهر فليعبدوا الله فيه كما شرع على لسان خاتم رسله وأنبيائه ومجدد ملة إبراهيم \. وماذا عليهم لو أسلموا فاهتدوا إلى الحق وعرفوا الحقيقة . وإن كانوا يريدون البناء -مجرد البناء- فما قيمة الحجارة في ذاتها إذا كان ما يتعلق بها من الشعائر منسوخاً أو باطلاً لا يقبله الله . ولو قدرنا أن هذا البحث استمر إلى قيام الساعة ولم يعثروا على شيء ذي بال فما النتيجة؟ إنها -بلا ريب- تكذيب وعد الله لسليمان \ ببقائه مقدساً إلى الأبد ! فلماذا التعامي عن حقيقة شرعية دينية وحقيقة تاريخية واقعية ؟ إنه برسالة محمد صلى الله عليه وسلموحدها تطابق حكم الله الشرعي مع حكمه الكوني القدري ، فالمسجد المقدس ديناً وشرعاً يقدس على أرض الواقع حساً مشاهداً. أما الترتيب في الفضل والقداسة فمسألة أخرى ولها حكم عظيمة ، أعظم بكثير من وجود الهيكل أو عدمه . حينما كانت النبوة في ذرية إبراهيم \ كان المسجد الأقصى محور الأحداث ومسجد الأنبياء من ذرية إسحاق ، ولما أراد الله نـزع النبوة والكتاب منهم ، وجعلها في فرع إسماعيل اقتضت حكمته أن يولد النبي صلى الله عليه وسلم في البلد الحرام نفسه، حيث تعلم العرب قاطبة أنه من ذرية إسماعيل وأن يولد في العام الذي صد الله أصحاب الفيل النصارى عن بيته الحرام ! فأهل الكتاب لـمَّا لم يجدوا بيتهم المزعوم -وعجزوا عن تسخير القلوب للبيوت البديلة في روما وصنعاء- سعوا إلى هدم بيت الله نفسه وسيظلون يسعون حتى يهدموه بين يدي الساعة!! وشهد \ بناء البيت قبل النبوة ، ثم بعد بعثته حين أراد ربه الكريم أن يفرض عليه أعظم شعائر الإسلام العملية (الصلوات الخمس) أسري به أولاً إلى المسجد الأقصى (وفي ذلك من العلاقة والرابطة ما فيه) وهناك صلى بالأنبياء الكرام ، ومن هناك عرج به إلى السماء، وظل \ يصلي إلى المسجد الأقصى مع تشوقه إلى أن يصلي إلى الكعبة ، وكان الأمر في مكة لـه مخرج بأن يجعل الكعبة بينه وبين القبلة ، وتعذر ذلك حين هاجر إلى المدينة ، وظل \ يستقبل المسجد الأقصى بضعة عشر شهراً ، لحكمة جليلة لو كان أهل الكتاب يعقلون، فإنه \ إنما يتبع ما يوحى إليه من ربه لا ما ترغبه نفسه ،كما أن في استقباله للمسجد الأقصى ما ينطق بنبوته وتعظيمه للأنبياء ، وأنه على سنتهم ومنهاجهم ، ثم جاءه الأمر من ربه بالتحول ، فتحول إلى بيت الله الأول ومقام أبيه إبراهيم ، فكان ذلك تمحيصاً للإيمان ، واختياراً لهذه الأمة الوسط ، وحكماً أبدياً على من لم يستقبل القبلة الجديدة ببطلان دينه ، ورد عبادته ، وحرمانه من اتباع ملة إبراهيم \، وشهادة عظيمة على أن كفر أهل الكتاب إنما هو عن حسد وبغي مع معرفةٍ واستيقانٍ للحق. وهكذا جاءت آيات القبلةفي كتاب الله المحفوظ في سورة البقرة من (142-150) ومنها قوله تعالى : {وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم} وقوله : {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} بل نجد السياق يمهد لذلك من أول السورة ولاسيما من قوله تعالى : {وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه.}حيث نص على إسلام إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وأمر هذه الأمة بالإيمان بما أنـزل إليهم وأبطل قول أهل الكتاب بأنهم كانوا هوداً أو نصارى..!!. آية كالشمس أن يضل اليهود والنصارى عن دين إبراهيم \ وقبلته ومسجده المحجوج المعمور الذي لا نظير لـه في الدنيا كلها ، فلو أن كنيساً لليهود اجتمع فيه مرة واحدة في السنة مثلما يجتمع في هذا المسجد الحرام من المصلين في فريضة واحدة من الصلوات الخمس اليومية لجعلوه حادثاً تاريخياً !! ثم هم يبحثون وينقبون عما لا وجود لـه إلا في مخيلتهم التي أفسدتها الوثنيات منذ القدم. < بقلم : الشيخ سفر الحوالي