السينما والصهيونية
بعد أن أحكمت الصهيونية العالمية سيطرتها شبه التامة على مركز الصناعة السينمائية في العالم (هوليود) وروجت من خلاله مجموعة من الأفلام للمزاعم الصهيونية حول اضطهاد اليهود ومشروع الاستيلاء على فلسطين، شكل العام 1948 الذي شهد قيام الكيان الغاصب في فلسطين بداية مرحلة جديدة في عمل السينما الصهيونية وأهدافها، التي حددت بتدعيم المزاعم الصهيونية وتأييد قيام هذا الكيان على أرض فلسطين من خلال مجموعة من الأفلام تعكس الواقع الجديد القائم بعد 15/8/1948 وما يتطلبه من طمس وإلغاء لكل ما من شأنه إظهار طبيعة الكيان الصهيوني وغربته عن الأرض ورفض أصحابها الأصليين لوجوده، ولهذه الغاية عمد عدد كبير من الصهاينة العاملين في القطاع السينمائي الى تغيير أسمائهم واستبدالها بأخرى، ومن هؤلاء “لويس ماير” واسمه الحقيقي “اليمازماير” و”كيرك دوغلاس” واسمه الحقيقي “ايدورد دانييلوفيتش” و”جورج سيدني” واسمه الحقيقي “صموئيل جرينفيلد” و “وودي آلز” واسمه الحقيقي “آلن لوينجسيرغ” وفي هذه المرحلة برزت معضلة بوجه المشروع السينمائي في الكيان الصهيوني، فكان السينمائيون أمام الاختيار بين الهجرة الى فلسطين لبناء قاعدة إنتاج سينمائي أو البقاء في هوليود والانطلاق منها لتسويق المشروع السينمائي الصهيوني، وقد استقر قرار الصهاينة على الخيار الثاني لما يوفره من إمكانات ضخمة وقدرة على الانتشار، ولتجنب الانكشاف المبكر لأهداف هذا المشروع وما يمكن أن يشكله من إحراج أو صدام مع المساهمين غير اليهود في هوليود ابتعد السينمائيون الصهاينة عن الدعاية المباشرة للمشروع الصهيوني في فلسطين واستعاضوا عن ذلك باعتماد سياسية الإنتاج السينمائي المشترك مع مركز الفيلم الحكومي الصهيوني، الذي تأسست بتمويل ودعم مباشر من قبل صهاينة هوليود والولايات المتحدة، واستطاع هذا المركز خلال عام واحد من تأسيسه بدعم من قبل العديد من نجوم هوليود الصهاينة أن ينجح في ترويج فكرة تصوير إنتاج أفلام في فلسطين وتنظيم زيارات لعشرات من نجوم هوليود الصهاينة أو المتعاطفين مع الكيان الصهيوني الى أرض فلسطين بين عامي 1950 و 1965 ومن هؤلاء النجوم صوفي مارسو، روجر مور، كيرك دوغلاس، رومي شنايدر، اليزابيت تايلور وغيرهم.
أولى ثمرات التعاون السينمائي الصهيوني مع هوليود كان فيلم “سيف في الصحراء” عام 1949 من إخراج “جورج شيرمان” وكان هدف الفيلم الدفاع عن موقف بريطانيا المساند لقيام الكيان الصهيوني، من خلال تصوير العلاقة بين الصهاينة وبريطانيا على أنها علاقة عداء نتيجة دعمها للعرب والفلسطينيين، وبرز في الفيلم دور الولايات المتحدة في دعم الكيان الصهيوني من خلال البطل الأمريكي الداعم للصهيونية، وفي العام 1953 مولت هوليود أول فيلم سينمائي تم تصويره داخل فلسطين حمل اسم “الحاوي” من إخراج “إدوارد ديمتريل” من بطولة الممثل “كيرك دوغلاس”، وتدور أحداث الفيلم حول شخصية اليهودي الألماني “هانز موللر” الذي فقد أسرته أثناء الحرب العالمية الثانية، وهجرته الى فلسطين، التي يصورها الفيلم باعتبار “إسرائيل” الحاضنة لليهود، وحلمهم المنشود، ورغم الصعوبات التي يواجهها البطل اليهودي حسب الفيلم، إلا أن نهاية الفيلم المرسومة لتحقيق هدفها السياسي تتجسد في قدرة البطل على تجاوز الصعوبات والبقاء في الكيان الصهيوني بسبب حبه له وسعيه للحفاظ على حلمه في حياة سعيدة.
المرحلة منذ قيام الكيان الصهيوني وحتى العام 1967 شهدت إنتاج عدة أفلام صهيونية بتمويل من هوليود ولكن أضخمها على الصعيد الدعائي كان فيلم”الخروج” للمخرج الصهيوني “أوتو بريمنجر” الذي تضمن جملة من المغالطات وتزوير الحقائق لتشويه صورة العرب وتصويرهم كمجموعة من المتوحشين المتعطشين للدماء وقتل اليهود، من خلال مقاربة صورة العربي بصورة الهنود الحمر في أمريكا والسعي لتطابق الصورتين، بهدف تحقيق الانتشار الكبير للفيلم في الولايات المتحدة الأمريكية، ودغدغة مشاعر الأمريكيين وكسب تعاطفهم وحماسهم للمشروع الصهيوني في فلسطين، من خلال تصوير انتصار الصهاينة على العرب بصورة مشابهة لانتصار الأمريكيين على الهنود الحمر عبر إبادتهم ورغم تعرض الفيلم لانتقادات لاذعة من قبل كبار النقاد السينمائيين إلا أنه شكل واحد من أعمدة الدعاية الصهيونية خلال تلك الفترة.
الفيلم الثاني الذي أنتجته السينما الصهيونية نهاية الستينات حمل اسم “جوديث” للمخرج “دانييل مان” وبطولة “صوفيا لورين” و “جاك هوكنز” حاول كاتبه ومخرجه مخاطبة الغرب بخطاب يزعم أن العرب عموماً والسوريين خصوصاً استمرار للحركة النازية، من خلال قصة الفيلم التي تدور حول شخصية ألمانية هربت من الاضطهاد النازي للعيش في سوريا، ولكن أحداث الفيلم صورت حياة هذا البطل الألماني في سوريا جحيماً لا يقل عما تعرض له في ألمانيا.
بعد حرب يونية عام 1967 التي قادت إلى تشريد جزء جديد من الفلسطينيين واحتلال أراض عربية جديدة وقعت السينما الصهيونية في مأزق تراجع شعبيتها لدى الجمهور الغربي الذي شاهد صور الفظائع الصهيونية في فلسطين، فعمدت السينما الصهيونية الى اتباع خط جديد متمثل في إظهار الصهاينة كضحايا لـ “الإرهاب” العربي، فتجاوزت أهدافها لعبة الترويج للكيان الصهيوني وتشويه التاريخ وصورة العربي، الى إظهار قدرات الكيان الصهيوني الأمنية وقدرته على ردع من يحاول المس بالكيان، ولهذه الغاية أُنتج عام 1975 فيلم “البرعم” الذي يقدم جهاز الموساد الصهيونيبصورة أسطورية لا تُقهر من خلال حرب طاحنة يخوضها ضد المنظمات الفدائية الفلسطينية التي يقدمها الفيلم كمنظمات “إرهابية” وعناصر الموساد الأذكياء والمدربين بشكل جيد. الذين يسعون الى إحباط محاولات هؤلاء “الإرهابيين” لنشر الموت والدمار في كل مكان يستطيعون الوصول إليه، ورغم نجاح مثل هذه الأفلام في التأثير على المشاهدين الغربيين من خلال تقديم الصهاينة كضحايا إلا أنها قوبلت بالاستياء من قبل المؤسسات والهيئات الثقافية والتاريخية في أكثر من مكان في العالم لتضمنها مغالطات تاريخية.
بعد فيلم “البرعم” سعى القائمون على السينما الصهيونية على ابتكار أسلوب جديد في التعاطي مع الأفلام السينمائية لتجنب الوقوع في فخ الدعاية المباشرة التي لم تعد قادرة على تحقيق أهدافها، واستند المخططون له على فيلم “ملف القدس” الذي أنتج عام 1971، وبرزت فيه الدعاية بشكل أكثر دهاءً وخبثاً ولاقى قبولاً لدى المشاهدين الأوروبيين من خلال تركيزه على أكذوبة السعي الصهيوني للسلام ورفض العرب له، وفعلاً شهد العام 1976 إنتاج فيلم “الرجل التالي” للمخرج “ريتشارد سارافيان” ومجموعة كبيرة من الأفلام الروائية القصيرة التي ابرزت الدعاية الصهيونية من خلال صد حركة الشارع العربي وتقديم تحليلات زائفة لواقعه، عبر تصوير الشعب العربي وكأنه مستعد للتعايش مع الكيان الصهيوني، إلا أن حكامه ورجال الدين المتعصبين هم الذي يسيطرون على قرار هذا الشعب ويقمعون رغبته في التعايش مع الصهاينة ويفرضون عليه الرغبة بالحرب والقتل والإرهاب، وبدا الأسلوب الصهيوني الجديد في التعاطي مع الأفلام السينمائية بارزاً في فيلم “الأرض المشتعلة” للمخرج “سيرجي أنقري” المنتج عام 1982 وفيلم “في يوم صحو ترى دمشق” عام 1984 للمخرج “عيدان ريكليس” وفيلم “اسند” عام 1986 للمخرج “أموسي جيتاي” ، وفيلم “أحلام محطمة” عام 1987 للمخرج “بول سكوفيد” وفيلم “الحقول الخضراء” عام 1989 للمخرج “يوشيرون” وفيلم “برلين – القدس” عام 1989 للمخرج “أموسي جيتاي” ، وفيلم “الكأس النهائي” للمخرج “عيدان ريكليس” عام 1991.
السينما الصهيونية التي استطاعت بفعل سيطرة المال والإعلام اليهودي على هوليود أن تلعب خلال نصف القرن الماضي دوراً أساسياً في الدعاية للمشروع الصهيوني في فلسطين وتشويه صورة العربي لدى المشاهد الأوروبي والأمريكي وحتى التسلل الى المشاهد العربي من خلال الأفلام الأمريكية التي تغزو دور السينما العربية والبيوت عبر أشرطة الفيديو والقنوات الفضائية الأجنبية والعربية، استطاعت أيضاً التكيف مع التغييرات التي طرأت على أمزجة المشاهدين فتحولت من مرحلة الدعاية المباشرة الى الدعاية المستترة، لم تجد في المقابل سينما عربية فاعلة ومؤثرة قادرة على مواجهتها وكشف تزويرها للحقائق وتحريفها للوقائع التاريخية، فاستمرت في إنتاج أفلام جديدة تحمل خلال هذه الفترة شعار “السلام” بالمفهوم الصهيوني.
السينما الصهيونية التي شكلت خلال السنوات الماضية خطراً على القضايا العربية، لن تتوانى عن استغلال المتغيرات الدولية الأخيرة، وربما لن يطول بنا الانتظار حتى نرى أفلاماً صهيونية التوجه تتناول الإسلام باعتباره دين “الإرهاب”، مستغلة الحملة الأمريكية ضد الإسلام والمسلمين والفهم الخاطئ لدى الجمهور الأمريكي خصوصاً والغربي عموماً للإسلام بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن في 11/9/2001 وما تبعها من حملات ظالمة ضد الإسلام لم تكن المنظمات اليهودية واليمينية الأمريكية والأوروبية بعيدة عنها.
العرب و اليهود
يورد أحمد رأفت بهجت فى كتابه المشار إليه آنفا قائمة بأسماء بعض المخرجين العرب ويتهمهم بأنهم بدأوا تجنيد السينما لتلعب دورا فى نشر ما سُمِىَ بالتسامح بين العرب واليهود وأن هناك فروقا بين اليهودية والصهيونية من أجل أن تتسرب الأفكار الصهيونية إلى وجدان المتفرج سواء الغربي أو العربي ومن هذه الأسماء :
- يوسف شاهين وخالد الحجر من مصر والأخضر حامينا ومرزاق علواش ومهدى شريف من الجزائر ونورى بوزيد وفريد بوجدير وسامي بكار من تونس وسهيل بن بركة من المغرب وميشيل خليفي وايزادور مسلم وعلى نصار ومحمد بكرى من فلسطين.
وأخيرا : ( صوت صادق من بريطانيا )
وعلى الرغم من تلك الصورة المشوهة للعرب والمسلمين فى السينما الأمريكية فقد أفردت صحيفة الأندبندنت البريطانية ثلاثة أرباع صفحة تقريبا لمقال بقلم الناقدة والكاتبة البريطانية ناتاشا والتر وجهت فيه نقدا لاذعا لفيلم أمريكى حمل من الرسائل السلبية المتعلقة بالعرب ما قادها إلى التصريح بأنه فيلم عنصري ضد العرب وحمل المقال عنوان تشويه عنصري للعرب وفيه تقول الكاتبة : يبدو أننا قادرون على تناول الفضلات غير الهادفة لحياة البشرإذا كانت متعلقة بالعرب فالفيلم حرص على تذكيرنا بأنه وحتى الأطفال العرب يجب أن يدانوا لأخطاء ارتكبها آباؤهم.
وتبقى السينما ساحة صراع أساسية في مواجهة عدونا الصهيوني ، لم نثبت وجودنا فيها بعد، وعلى مدى نجاحنا في الدخول إليها كطرف فاعل ومؤثر تتوقف قدرتنا على الرد على المزاعم والأكاذيب الصهيونية بذات الأسلوب.
القاهرة : محمد بركة