أوجب الله تعالى زكاة الزروع والثمار فقال : {وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوامن ثمره إذا أثمر وءاتوا حقه يوم حصاده}(الأنعام).
من المعلوم أن الزكاة في الحرث تجب في وقت الطيب (وهو بلوغ الزرع والثمار حد الأكل) قال الإمام مالك رضي الله عنه : إذا أزهى النخل، وطاب الكرم، واسودّ الزيتون، وأفْرَكَ الحب، واستغنى عن الماء وجبت فيه الزكاة.
ويشترط في زكاة الحرث بلوغ النصاب، وهو خمسة أوسق لقوله صلى الله عليه وسلم : >ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة، ولا فيما دون خمس ذَوْد صدقة<(رواه أحمد والجماعة كما في مسالك الدلالة ص 119).
ولا يشترط في الحرث تمام الحول بل يجب أداء الزكاة يوم حصاده لقوله تعالى : {وآتوا حقه يوم حصاده}(الأنعام).
والأصناف التي تجب فيها الزكاة هي كالتالي : القمح بجميع أنواعه والشعير، والسلت، والارز، والدخن، والذرة. والقطاني كالفول، واللوبياء، والحمص والعدس والجلبان.
وذوات الزيوت الأربع : الزيتون والسمسم، والقرطم، وحب الفجل، ونوعان من الثمار : التمر، والزبيب.
والقدر الواجب إخراجه من الزروع والثمار هو كما يلي : عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : >فما سَقَتِ الأنهار والغَيْمُ العشر وفيما سُقِيَ بالسانية نصف العشر<(صحيح مسلم رقم 981)، وفي رواية : >فيماسقَتِ السماء والأنهار والعيون العشر وفيما سُقِيَ بالسواني أو النَّضْحِ نصف العشر<.
تؤخذ الزكاة مما ذكر سالفا، سواء كانت الأرض المزروعة مملوكة أو مستأجرة. وعند مالك رحمه الله، لازكاة في الخضر والفواكه كالقثاء والتفاح والرمان والبطيخ، لأن هذه المذكورات لا تدخر. ولما كان وجوب الزكاة يتعلق بالحرث من وقتالطيب، وهو بلوغ الزرع أو الثمر حد الأكل، فكل ما أكِل من الحب وهو فريك أو من البلح وهو بُسر، أو من العنب بعد ظهور الحلاو ة فيه، وما يرميه الهواء ويمكن الانتفاع به وما يُهدى أو تعلف به الدواب، أو يُدفع أجرة حصاد، كل ذلك يجب أن يحسب مع الخارج ويُزَكَى، ولهذا شُرِعَ الخَرْصُ -أي تَقْدِير كمية المحصول على سبيل التخمين-، لئلا يضيع شيء على الفقير، ولا يتعطل المالك عن التصرف، وعلى الخارص أن يسقط باجتهاده الخَشَف -الرديء الذي لا ينتفع به-، وما يعلم عادة أنه ينقص من التمر والزبيب إذا جَفَّ، ويسقط من الحبوب والقطاني القشر الذي لا تُخزَنُ به.
ومن البديهي أن شرط وجوب الزكاة في الحرث، أن تكون الأرض مزروعة، وأما ما وُجد من الحبوب والثمار نابتا في الجبال والأراضي المباحة فلا زكاة فيه، قال الإمام مالك رضي الله عنه : وما يجمع من الزيتون، والتمر، والعنب في الجبال فلا زكاة فيهوإن بلغ خرصة خمسة أوسق، ولا يكون أهل قرية ذلك الجبل أحق به، بَلْ هو لمن أخذه، لأن الأرض كلها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يكون ذلك بأرض العدو، فإن في جميع ذلك الخمس إن جُعل في الغنائم.
ومما يجدر ذكره أن الأنواع تضم إلى بعضها في زكاة الحرث، فإذا اجتمع من مجموع هذه الأنواع نصاب زُكِيت وإلا فلا، وأما الأجناس فلا تضم إلى بعضها، فإذا لم يجتمع من كل جنس بمفرده نصاب لا يُزَكّى ذلك الجنس، فيجمع القمح، والشعير، والسلت لأنها أنواع من جنس واحد، فإذا لم يبلغ كل منها نصابا، واجتمع من جميعها خمسة أوسق يخرج زكاة المجموع من كل نوع ما يَنُوبُه.
وكذلك تجمع أصناف القطاني على أنها جنس واحد، فإذا اجتمع من جميعها خمسة أو سق، زكاه كما سلف، وتجمع أصناف التمر، وأصناف الزبيب، ولا يجمع التمر والزبيب.
وأما الأرز، والدخن، والذرة فكل منها صنف على حدته لا يُضم إلى الآخر، فإذا لم يكمِّل كلُّ صنف النصاب فلا زكاة فيه، والزيتون يزكى إذا بلغ حبه خمسة أوسق، فإذا كان له زيت واعتصره، أخرج الزكاة من زيته، وإن لم يبلغ زيْتُه نصابا، أو من حبه إن أكله حَبّاً أو باعه، وحينئذ تُخْرجُ الزكاة من قيمته، فإن لم يكن له زيت، اخرج من ثمَنِه العشر، أو نصف العشر على التفصيل الذي سبق ذكره، وذلك إذا بلغ حبه نصابا، وإن لم يبلغ ثمنه النصاب، وإذا لم يبلغ حبه خمسة أوسق فليس فيه الزكاةولو كان ثمنه أكثر مما تجب فيه بأضعاف، وكذلك حكم كل مالا يجِفُّ كرُطب بلد مصر، وعِنَبِها والفول الأخضر يُزَكَّى من ثمنه.
وكذلك يخرج من الجلجلان، وحبِّ الفجل من زيته، وإن باعه أجزأه أن يخرج من ثمنه.
هذا وأجْرة نَفض الزيتون والسمسم وحبِّ الفجل عن شجرها، وأجرة العصر على ربِّها -صاحبها-، وإنما يأخذه المسكين مُصَفّى كالحب. وإذا كان في الضّىْعة ثلاثة أصناف من التمر : جيِّد، ووسط ورديء تؤدى الزكاة عن الجميع من الوسط.
أما إذا كان فيها نوع واحد أُخِذَت الزكاة منه، أو كان فيها نوعان جيد ورديء أُخِذ من كلٍ ما يصيبه بحقه.
< ذ. محمد حطاني <