المكتشفات العلمية تستطيع تقريب
الإيمان باليوم الآخر
في جانب آخر وهو الجانب العلمي، تحدث العلماء عن أشياء تقرب إلينا الإيمان باليوم الآخر. فلقد كان الانسان المسلم يؤمن باليوم الآخر ولكنه لايدرس ذلك، ولا يحلِّلُ البعث تحليلا علميا نظراً للقصور والعلمي الذي كان سائداً في كل المجالات، ولكن اليوم، الانسان أصبح يحلل كل شئ.
إن صوت الانسان عنذما ينطلق في الهواء يحْدِث موجاتٍ تتسع في الفضاء على حسب قوة الصوت، وهو في الاتساع يُشبه الحَجَرة التي ألقَيْت بها في صهريج ماء فإن موجاتها تتسع حسب حجم الحجرة، والهواء ياخذ تلك الموجات الصوتية ويبثها في الكون بنسَبٍ وأبعاد مدروسة، والمهم أنه لايضيعها، وهذا بخلاف الصوت المحبوس، فأنت إذا أخذت جَرَسًا رنَّانًا ووضعتَه داخل زجاجة وجعلت تَدُق الجرس فإنك لن تسمع صوتا لأنه داخل هواء محبوس.
فالانسان إذا قال كلاما طيبا أو خبيثاً فإنه يبقى سائحا في الفضاء، والمذياع مثلا استطاع ان يحلل الموجات المنتشرة في الفضاء ويجعلها صوتا مميزا – صوت امرأة أو صوت رجل- وما ينشأ من تلك الأصوات من تأثير، فكل ذلك يُحلَّلُ اليوم ويستفاد منه في مجالات عدة، وبالأخص مجال المخابرات.
العلماء اليوم يتساءلون عن إمكانية صنع جهاز كالمذياع يلتقط الموجات ويحللها إلى أصوات حتى نتمكن من معرفة صوت الانسان القديم، صَوْت الانسان في العصر العباسي مثلا أو العصر المرابطي إن أمكن ذلك.
أمثلة للمجهودات العلمية التي يمكن أن تقرب الإيمان باليوم الآخر
ففي كتاب الأستاذ عبد الرزاق نوفل قرأت أنه جيئ بجهاز بعد اصطدام سيارتين ورَصَدَ الموقع من قريب فاستطاع الجهاز أن يصور من جديد موقع الحادث وأن يعيد تشخيص الحادثة انطلاقا من تحليله للذَّ ْبَذَبات والأثير. إذا استطاع الإنسان اختراع أجهزة تتعقَّبُ آثار الإنسان وتعيد تشخيصها من جديد أفلا يكون ذلك قراءة إعجازية لقول الله تعالى : {إنا نحنُ نُحيي الموْتى ونكتُبُ ما قدَّمُوا وآثارهُم} فيكون ذلك دليلا على أن آثار الإنسان لا تُمْحَى من الوجود.
ومثال أخر يقربنا أيضا من التطور الذي وصلت إليه التكنولوجيا الحديثة، فقد اختُرع جهاز يستعمل بالكومبيوتر تقول فيه ما تشاء، وهذا الجهاز يسجِّل صوتك ويُحَلِّلُه إلى كتابة، ويصبح ما قُلْته عبارة عن كتابة مكتوبة في الكومبيوتر. فما دام الانسان يتطلع و يطمع أن يعيد الاصوات من جديد، افلا يقدر الله تعالى على أن يعيدها من جديد، بل أن يعيد الإنسان كله بلحمه وشحمه وكيانه وأصواته، وهو الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
إن هذا الامر يقربنا شيئا من البعث لأن الأصوات هي محفوظة غير ضائعة، أما الحركات فإنك حينما تحدث حركة معينة فإن هذه الحركة تحدث حرارة في الكون لاتضيع أيضا، معنى هذا أن الإنسان بأصواته وحركاته محفوظ حفظا تاما.
عدم الإيمان باليوم الآخر مبني على شيء من الوهم
ما دام الانسان يطمع في استعادة الصوت والحركة فهو قريب من التصديق بالآخرة، ويوم البعث، ولكن الذي يمنعه من هذا كله هو استعظامه لهذا، وظنه ان قدرة لله محدُودَةٌ، ومن هنا يقع له الوهم والخطأ فإذا تيقن الإنسان-بالتفكر في الكون والإنسان- بعظمة الله تعالى، وعظمة قدرته، وعدم محدوديتها، آنذاك يومن بالبعث بسهولة.
يقول الله تعالى: {زعم الذين كفروا ألين يبعثوا قل بلى وربّي لتُبْعَثُنَّ}
القسم بالمعظّم عندك لا يشترط فيه أن يكون معظَّماً عند المُقْسَم له
يقول البعض أن محمد صلى الله عليه وسلم أقسم بالله لقوم لم يؤمنوا بالله ولا برسوله فكيف يكون هذا؟
الواقع هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أقسم فإن المشركين قد صدقوه لأنه أقسم بما هو أعظم عنده.
كالمؤمن مع اليهودي إذا وقع بينهما مشكل واحتيج إلى القسم فيطلب من المؤمن القسم بالله وفي المكان المعظَّم المسجد. أما اليهودي إذا طلب منه ذلك فإنه يُقسم على الكذب، ولكن إذا طُلب منه القسم في المكان الذي يعظِّمه حسب ديانته التي يعتقد أنه يدين بها تلجْلَج في الكلام وربما تراجع.
إذن، الانسان إدا اقسم بما يعظمه فليس شر طا في الآخر المستمع أن يكون على عقيدته.
لا مفر من البعث وتقديم الحساب على كل الأعمال السيئة إلا أن يتدارك الإنسان رحمةُ الله فيعفو
{لَتُبْعَثُن ثم لتُنَبَّأُن} للتوكيد: لتبعثن ثم لتخْبَرُنّ بما عمِلتم حيث يخبرك الله بكل معاصيك، فكيف تنجو من الله عز وجل. وقد أحصى عليك كل كبيرة وصغيرة؟؟ ولكن الله تعالى يعفو ويعفو عن الشئ الكثير إذا تُبت إليه.
يقول بعض العلماء إن الذنب الذي يريد الاه أن يغفره يمحوه من اللوح ويُنْسي حتى الملائكة ذلك الذنب فتأتي كتابك فتجده ميسورا، قد أذْهَبت الحسناتُ فيه السّيآت، فتعلم بأنك ناج لا بعملك فحسب، ولكن برحمة الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي : >أذْنَبَ عبدٌ ذنْبًا، فقال : اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى : أذْنَب عبدي فعَلِم أن له من يغفِرُ الذّنْب ويأخذ بالذّنب. ثم عاد فأذنب فقال : أيْ ربّ اغْفِرلي ذنبي، فقال تبارك وتعالى : عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال : أي ربّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى : أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربّاً يغفر الذنب.، ويأخذ بالذنب، اعْمَلْ ما شِئت فقد غَفَرت لك<(رواه الشيخان)، فبرحمة الله تعالى قُبلت توبة المذنب الصادق الذي تكررت منه التوبة.
د. مصطفى بنحمزة