إن القوة الحقيقة في هذا العالم هي : الوحدة التي لا يستطيع أن يماري في أمرها إلا غبي أو جاهل، ولا يشكك في قيمتها إلا عدو أو حاسد، ذلك أنها لاتتعلق فقط بأمور البشر، بل تتعدى ذلك إلى حد تعتبر فيه القانون الأساسي الذي قام عليه هذا الكون وأرسي على دعائمه هذا الوجود، فالعالم الكبير الذي نراه بأبصارنا ونلمسه بأيدينا ما هو في حقيقته إلا جملة من ذرات اتحدت بأمر الله، وتشكلت وفق إرادته ومشيئته فكان منها ما نراه من خلق جميل وصنع بديع {صنع الله الذي أتقن كل شيء}.
فما من شك إذن بأن الوحدة هي سر كل تقدم وازدهار، فالخيط الواهي الضعيف إذا انضم إلى غيره أصبح حبلا متينا يجر الأثقال ويرفع الأحمال.. ولقد أراد أب محنك أن يبين لأبنائه قيمة الاتحاد وأهمية التآلف واجتماع الشمل، فضرب لهم مثلا بحزمة من الأعواد الجافة يصعب عليهم تكسيرها فراداى ومجتمعين حتى ما إذا قاموا بفك الحزمة حتى سهل تكسير الأعواد كل عود على حدة فصدق بذلك قول الشاعر :
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
فإذا افترقن تكسرت آحادا
ولما كان عالم اليوم، كعالم الأمس، وعالم الغد لا مكان فيه لعالم الدويلات والكيانات الصغيرة، ولأن الإسلام هو دين الوحدة التي صنعت الحياة القوية والأمم الغنية في كل زمان ومكان، فلقد أصبح لزاما علينا اليوم وأمام تحديات العالم الموحشة أن نقف أمام مرآة ذواتنا ونبحث في أعماق كياننا المتهدم عن جذور هويتنا وعن الوحدة التي كانت وصية الله لعباده المؤمنين وفريضته المحكمة إلى يوم الدين، علنا نستطيع الوثب وتبة الانعتاق الذي لا سبيل إليه إلا بالاعتصام بحبل الله والاستمساك بالوحدة ولزوم الجماعة، وذلك عملا بقوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}(آل عمران).
< غنية العلمي