دخل على أصحابه بوجه مسفر ضاحك مستبشر، وقبل أن يسألوه عن ما وراء ذلك من أخبار سارة، بادرهم بالقول: اليوم أشعر بسعادة غامرة إذ أنقذت أولادي وحصلت لهم على الجنسية الفلانية كاملة غير منقوصة. فمنذ اليوم أشعر أني مطمئن على أولادي ومستقبلهم…
وأنت ؟ سألوه، قال: أما أنا فليس الأمر مهما .. المهم هم أولادي، وإن كنت سأحصل على الجنسية من بعد …
وهكذا دخل القوم في حديث الجنسيات والإقامات في ديار الغرب، أي غير ديار الإسلام، وتشعب بهم الحديث إلى مآسي ( الحريك ) والجثث الطافية كل صباح على مياه البوغاز … وإلى مافيات تهريب البشر سرا وعلانية وما يتعلق بذلك … قال بعضهم: أما أنا فقد استطعت أن أوصل ولدي إلى مستوى معلم، وهو المستوى الذي حققته في حياتي إلا أن الولد أصلحه الله فاجأني بأنه (سيهاجر) إلى بلاد النصارى … وحاولت أن أثنيه عن طموحه إلا أنه أصر واستطاع أن يضمن زواجا صحيحا من فتاة مغربية الأصل مسلمة والحمد لله تزاول عملا محترما في بلدها الجديد وهي شريفة أصيلة لوالدها شجرةٌ النسب الذي يربطه بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يعتز بذلك، فلم يكن هناك بدٌّ من الموافقة على هذا الزواج المبارك، وها هو ولدي الآن يتمتع بجنسية تلك البلاد، يعيش فيها مضمون الرزق المحترم مع شعوره بالاطمئنان، فلم يعد يشعر بالخوف اليومي ولم يعد في حاجة إلى أن ينافق أو يبتسم حيث ينبغي العبوس ولا قول نعم حيث يجب أن يقول لا .. لقد استطاع ولدي بنفسه أن ينقذ نفسه، الأمر الذي لم يكن جيلنا يفكر فيه أبدا. ولقد تربينا على التشبث بوطننا والإخلاد إلى أرضه رغم المعاناة، ورغم أن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة…
ثم تحول المجلس إلى تعليقات ونكات، منها قول بعضهم: لو فٌتحت الأبواب لما بقي في بلدنا إلا العدد القليل مثل الذين تربوا على ( الأفكار الوطنية القديمة )… ومنهم من زعم أن قيادات هامة متجنسة بجنسيات أجنبية ولا سيما المتزوجون بالأجنبيات !
ذكَّرنا هذا بأيام الحمايات الفردية والأسرية التي انتشرت في المدن وبين أسر محترمة بالمغرب، فأصبح كثير من التجار المغاربة وذوي الجاه والأسر العريقة يحمل الجنسيات الإنجليزية والأمريكية والإسبانية والفرنسية حماية لأنفسهم إما من التعسفات وخرق حقوق الإنسان وإما لضمان تجارتهم وحماية أموالهم. وقد اشتهرت أمثال تسوغ الاحتماء بدول النصارى كقولهم ( النصارى ولا الكسارا ) أي الجسارة على الكرامة والتعدي على الحقوق.
لقد أعقب هذه المرحلة الاحتلالُ والاستعمار باسم الحماية، وكنا نظن أن الاستقلال سيكون فرصة ليتشبث الناس بوطنهم فإذا بالشباب لا هَمََّ له إلا التعلق بالخارج لضمان عيشه المادي قبل ضمان الحفاظ على كرامته وشرفه…
وأخيرا علق أحدهم قائلا: إن هذه ظاهرة سائدة في عالمنا الثالث المتخلف بسبب أزمة الشغل والبطالة وغياب أبسط حقوق الإنسان والديموقراطية والعدالة وسيادة الأحكام العسكرية ولو بكساوى مدنية وانتشار الخوف والهلع بين الأسر لدرجة أن الإنسان يندم على أنه تزوج وخلف أولادا للضياع والتشرد والمخدرات والرسوب أو النجاح الذي لا يضمن رزقا .. إن الطفل في بلاد الغرب يولد وعلى جبهته: سعيد حر آمن مضمون الحياة والكرامة، وفي بلاد العُرْب: شقي عبد خائف مضمون الذلة والهوان.
وهناك في زاوية كان أحدهم يسمع فقط، علق بقوله: اللهم استر، أنا السلام عليكم …
وانفض المجلس بين مسرور بالجنسية ومحبذ لها وبين من لا يهمه الأمر لأنه ما يزال عزبا وقد تجاوز الأربعين وبين من يفكر ماذا يفعل إذا ما كبر أطفاله الذين ما زالوا دون الشهادة الابتدائية.
أما حاكي القصة فعلق بقوله: ما أشبه الليلة بالبارحة!
فما رأيك أيها القارئ؟