نشرت إحدى الصحف الوطنية الحزبية ذات الجذور الاسلامية خبرا تحت عنوان : من غرائب مجلس بلدية (…) : إعفاء أصحاب الحانات والمراقص من الضريبة!
إنها إدانة لمجلس أعفى أصحاب قرية “سياحية” تتضمن فندقا ومطعما ومرقصا وعدة “أنشطة” أخرى، أعفاهم من الضريبة “تشجيعا” لهم على تطوير”خدماتهم” لزبائن دولتهم الإسلامية بِنَصِّ دستورها على أن الاسلام دين الدولة.
ونحن نتعجب من تعجب الجريدة التي كان من المفروض أن تبحث في أصل الداء وهو شرعية وقانونية هذه الأنشطة الإفسادية، نتعجب لأنها تروج لمنكر -بوعي أو دون وعي- وتجعلنا نتطَبّع معه، فلا مشكلة من إقامة هذه الأنشطة المشبوهة، فقط يجب أن يدفع أصحابها الضرائب بعد أن تفرغ جيوب وأرواح وعقول روادها “المسلمين”. إنه منكر الترخيص للحانات والمراقص التي أصبحت تعيث فسادا في المجتمع حيث أصبح أصحابها يحصلون على التراخيص في أزمنة قياسية رغم معارضة المواطنين، في حين يضيق على بناء المساجد ودور القرآن والجمعيات الخيرية.
إن هذا الخبر -ومثله آلاف الأخبار التي تقذف بها المنابر الاعلامية المغربية سواء منها المكتوبة أو المرئية أو المسموعة- يؤكد وبشكل واضح أننا أصبحنا -في غالبيتنا- لا نملك تلك المناعة والحساسية المطلوبتين تجاه المنكرات والمحرمات. فالخمر تباع على قارعة الطرقات في كثير من مدننا، والمخدرات تُتَنَاول وتباع قرب المؤسسات التعليمية مستهدفة فئة عزيزة علينا هي فئة الشباب. ناهيك عن حالات العري والتفسخ، حتى بات التستر تزمتا وتطرفا والعريُ تحضرا وحداثة عند كثير من متطرفي العلمانية الذين تهلل لهم العديد من صحفنا ووسائل إعلامنا التي إن اهتمت بالدين فإنها تخصص له حيزا ضيقا يكاد يخنق منتجه ومستهلكه، في حين تخصص الساعات الطوال لصناعة الفسق والعري والفجور، منها ما هو مصنوع محليا وكثير منها مصنوع خارجيا.
والأخطر من ذلك كله أن يصدر مثل هذا الموقف السفيه عن مؤسسة تمثيلية للمجتمع، لها قدر كبير من سلطة تنقية المجتمع من هذه الآفات وهي المجالس البلدية، رغم القوانين التي تَزْجُر بيع الخمر للمسلمين وتمنع انتشار مقرات الفساد كالمراقص وغيرها. فقد جاء في تقرير المؤتمر الرابع لرابطة علماء المغرب أن وزير الأوقاف آنذاك أبلغ المؤتمرين بقرار المغفور له الملك الحسن الثاني ب “منع بيع الخمر في الأحياء الاسلامية وتداولها بين المسلمين في جميع أنحاء المملكة” كما طالبت الرابطة في مؤتمرها الثامن بإلغاء معامل الخمور وتحويلها إلى معامل لعصر الفواكه وتحويل ضيعات كرومها إلى زراعة مباحةوبمنع التجارة فيها ومنع بيعها بصفة عامة، وبمنع استيرادها وإخضاع الأجانب لقانون المنع.
وكأني ببعض المجالس تدخل في قوله تعالى {لا خير في كثير من نجواهم} والنجوى عبارة عن الحديث السري، أما مثل هؤلاء فقد جاهروا به، ولذلك لا خير في كثير من أحاديثهم واجتماعاتهم وقراراتهم ما دامت لا تتماشى ومتطلبات هذا البلد المسلم، وما دامت تتركز على إفساد حياة الناس بدل إصلاحها وعلى إيذائهم في عقيدتهم وتعطيل مصالحهم الحقيقية والاكتفاء بتحريك الأنانيات الشخصية والعائلية والحزبية، هذا كله لا خير فيه لا للدولة ولا للأمة، ولا… {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} (الحج : 46)
فالمجالس البلدية التي تبني الأمة هي تلك التي لا تأمر بالمنكر ولا تنهى عن المعروف، لأن المعروف هو أساس الرسالات السماوية وهو الذي يجلُبُ رضى الله، وهو القادر على بناء الحياة الحقيقية التي عنوانها الأمن والاطمئنان والاستقرار على مستوى الفرد والمجتمع.
ولله في بعض ممثلي أمتنا شؤون.