هذا السؤال كان من المفروض أن يجد عناصر الإجابة في مشروع الإصلاح الجامعي الذي شرع في تطبيقه خلال هذه السنة، والأستاذ الجامعي نفسه، الذي ينبغي أن يكون أكثر اطلاعا وأكثر تأهيلا للإجابة على هذا السؤال المطروح من طرف الطلبة والمواطنين، نعم هذا المقال على الشبكة الخاصة بتقييم وترقية السادة الأساتذة لتحفيزهم على الإنتاج العلمي والثقافي.
في إطار الإصلاح الجديد، وضعت الوزارة شبكة تقييمية للأستاذ ليتم ترقيته حسب النقط المحصل عليها بعد مراجعة الملف الملخص لكل أنشطة الأستاذ، حيث تم توزيع أنشطة الأستاذ الباحث على ثلاثة مجالات هي : النشاط العلمي، والنشاط البيداغوجي التربوي والنشاط في مجال التفتح والإشعاع (الذي يشمل كل من الرياضة والعمل الجمعوي والنقابي) (المرسوم الوزاري رقم 954.03 المؤرخ 29 ماي 2003 المنشور بالجريدة الرسمية رقم5125 في 14 يوليوز 2003) المشكل هو أن اللجان العلمية المكلفة بإنجاز هذا العمل (الترقية) لم تساهم في وضع المشروع، ومهما لاحظت من حيف في حق الأساتذة لا يمكنها أن تجتهد لتخفيف الحيف وليس لرفعه، وحتى نضع القارئ أمام الصورة سنعرض المشكل بتفصيل ونتمنى أن نكون مخطئين في هذه القراءة :
1- في الظاهر الشبكة وضعت لتحفيز الأساتذة على الإنتاج الثقافي والعلمي وبالتالي ستكون الترقية الاستثنائية بعد مدة 6 سنوات والترقية السريعة بعد 7 سنوات والترقية العادية بعد ثمانية سنوات، حسب الإنتاج العلمي والثقافي لكل أستاذ، ولكن في الواقع ليس هناك أي تحفيز بالطريقة التي اعتمدت، لأنها أقرب لأسلوب العقاب الجماعي كما سنوضح في ما يلي.
2- إن الأساتذة الباحثين لهم مكانة في المجتمع وهم الذين يكونون أطر المستقبل، وفي عملهم البيداغوجي لا يقيمون طلبتهم بنفس الفلسفة التي تريد الوزارة أن تنتهجها معهم، فالطالب يكون إما ناجحا بصفة عادية أو بصفة حسن أو حسن جدا وهذا تقييم متدرج يحفظ كرامة الجميع ويجعل من الرسوب فقط، صفة سلبية وغالبا ما تكون للقلة، بينما تقييم الأساتذة سيحشر جل الأساتذة (80%) باختلاف مجهوداتهم في خانة واحدة (دون المستوى – لا يستحق الترقية الاستثنائية) وسيتم منح هذه الترقية لمجموعة صغيرة 20% في سباق يكاد يشبه لعبة اليانصيب، لأن نفس الفئة يمكن أن لا تحظى بهذه الميزة إذا تم تقييمها مع مجموعة أخرى مثلا. فهل هذا تحفيز؟
3- تقول الشبكة بأن للأستاذ أن يختار بنفسه، على أي أساس يفضل أن يتم تقييمه، هل على أساس نشاطه البيداغوجي الذي من جملته العمل الإداري؟ أم على أساس النشاط العلمي؟ أم على أساس نشاطه في مجال التفتح الذي يشمل العمل الجمعوي والرياضي والنقابي؟ وإذا ظهر السبب بطل العجب، هذا يعني أن الوزارة تجعل لكل أستاذ أولويته، وكأن الوزارة ليس لها أولوية محددة للنهوض بالبحث العلمي في الجامعة المغربية؟ فإن كان الهدف من تقييم الأساتذة لتحفيزهم على الإنتاج، فأي إنتاج؟ هل المسؤولية عن الرياضة والمسؤولية في النقابة والإدارة توضع في نفس الدرجة مع البحث العلمي؟ عن أي تحفيز يتكلمون؟ ولأي مستقبل يخططون؟ إن منطق الشبكة يوحي بأن الوزارة تقول للأساتذة الباحثين، إن لم تكونوا قادرين على الإنتاج العلمي والثقافي لغياب الإمكانيات والظروف المناسبة، فلا داعي للمطالبة بتوفير الإمكانيات، بل اهتموا بالرياضة والإدارة والعمل الجمعوي، ولتشجيعكم على ذلك فالشبكة تضمن لكم الترقية الاستثنائية والترقية السريعة، حتى إن لم يكن لكم أي نشاط علمي، وإذا عم الخطب هان، وبالنسبة للذين يكدون ويجتهدون للبذل والعطاء في المجال العلمي والثقافي، تقول الوزارة لهؤلاء بأنكم واهمون، ولا داعي لكل هذا الجهد، فبالنسبة للوزارة إدارة جمعية أو فرقة فنية لها نفس القيمة في الشبكة، فحق إذا لنا السؤال عن مصير البحث العلمي بالجامعة المغربية.
4- يبدو والله أعلم أن المقصود هو الحيلولة دون ترقية الأساتذة، حتى وإن بذلوا كل ما في وسعهم، حسب الإمكانيات المتاحة لهم، فهو ليس تحفيز بل تقييد، وربما المقصود به توفير بعض الدريهمات لصرفها في مجال أهم من الأستاذ الجامعي؟ والأستاذ الجامعي لا شك مستعد للتضحية، ولكن على أساس الوضوح والشفافية، فلتذكر الوزارة الاسباب الحقيقية وراء هذه الشبكة، ولتقنع الأستاذ الباحث بنجاعتها في الرفع من مستوى البحث العلمي بالجامعة المغربية، أليس من حقنا أن نفهم وأن نقتنع قبل تطبيق الشبكة؟
5- إن التقييم هو أمر بديهي ولا نرفضه ولكن ينبغي أن يكون شاملا، لكل مكونات الجامعة، أما في الواقع فهناك تقييم ومتابعة للطلبة وللأساتذة فقط، وفق معايير متضاربة، فبالنسبة للطلبة يعتبرون ناجحين وينتقلون بمجرد حصولهم على معدل عام، بغض النظر عن عددهم، أما الأستاذ فمهما بذل من جهد ومهماحقق من نتائج، لن يحظى بالترقية الاستثنائية، إلا إن كان من بين 20% المحددة من طرف الوزارة كوسيلة للتحفيز؟؟؟, هل يصدق عاقل هذا الأمر؟ وأين تقييم الإداريين؟، وخاصة المسؤولين الذين توضع تحت تصرفهم ميزانية وتعويضات يتصرفون فيها مدة من الزمن، ولا يتم تقييمهم لنعرف هل قصروا أم أبدعوا في توفير شروط العمل والبحث العلمي بالمؤسسات التي يشرفون عليها؟ وهم على كل حال غير مطالبين بالإنتاج الثقافي والعلمي رغم كونهم من الأساتذة الباحثين؟
6- إن التقييم هو أمر بديهي ولا نرفضه ولكن ينبغي أن يكون عادلا، فأين العدل في الشبكة المقترحة التي تجعل أستاذا، بحسب حظوظه وليس بسبب إنتاجه العلمي، يسبق أستاذا أقدم منه وأكثر إنتاجا من الناحية العلمية، وحتى يفهم المواطن المقصود، نوضح الأمر بالمثال التالي :
- الأستاذ “علي” له أقدمية ست سنوات في درجة أستاذ التعليم العالي “أ” وأنجز خمس مقالات علمية متخصصة في علم البيئة ليس له أي نشاط إداري ولا أي نشاط رياضي.
- الأستاذ “زيد” له نفس الأقدمية في الدرجة المذكورة ولكلنه التحق بالكلية قبل “علي” الذي كان حينها طالبا، وله أربع مقالات علمية متخصصة في البيولوجيا خلال نفس الفترة ولكن له مقالات أخرى في سنوات عمله السابقة.
- الأستاذ “عمر” يهتم بالرياضة والعمل الجمعوي والعمل النقابي وله أربع مقالات علمية متخصصة في الميدان الاقتصادي.
الأستاذ “حسن” له أربعة مقالات علمية متخصصة وكتب كتابين نال عليهما جائزة جهوية.
- الأستاذ “طيب” له عشرات المحاضرات وطنية وجهوية ودولية، في مجال تخصصه وهو معروف وطنيا بنشاطه الثقافي الإشعاعي بدون منازع، ويشارك في برامج إذاعية وتلفزية.
-أستاذ “حارس” لم يسعفه الحظ رغم تقديمه عدة مرات مشاريع بحث للتمويل من طرف الوزارة كانتفي كل مرة تجيبه لجنة الفرز بأن بحثه قيم، ولكن الميزانية لا تكفي لتمويل كل البحوث، ويطلب منه أن يحاول مرة أخرى أو أن يبحث بنفسه عن ممول.
عندما يتقدم هؤلاء للترقية الاستثنائية، بحكم الشبكة، سيمر واحد فقط والباقي يوضع في نفس الدرجة أي غير مؤهل ولا يستحق التشجيع، فزيادة على هذا الحيف وما سيولده من إحباط لدى الأساتذة، من هو في رأي الوزارة من بين هؤلاء الذي سيتم مكافأته بالترقية مقابل مجهوده المتميز؟ وتكون في ذلك عادلة؟ وتدفع بالأستاذ الجامعي لمزيد من الإبداع؟ أليس كل الأساتذة المذكورين في المثال، يستحقون التشجيع، بغض النظر عن العدد؟ أليس اختيار واحد من بين هؤلاء نوع من القمار؟ أليس من الأفضل للأساتذة على ضوء هذه الشبكة أن يسترخوا ويناموا ويجربوا حظهم؟ أو أن ينخرطوا في نوادي رياضية وجمعيات الفن والفلكلور أضمن لترقيتهم؟
7-كان من الأولى مثلا، أن تعطى نقطة لكل نشاط يستحق التشجيع، وجمع النقط المحصل عليها دون سقف ودون معامل. وبعد ذلك حتى إن لم ينل الأستاذ الترقية الاستثنائية أو السريعة، يكون على الأقل مميزا عمن هم أقل منه إنتاجا، عبر التراب الوطني، ويكافأ ولو بشهادة تقديرية لمراعاة الجانب النفسي، حتى لا يعتبر كل جهده ذهب هدرا، ولن يجد بعد ذلك في نفسه الرغبة لمتابعة الاجتهاد.
8- كان من الأولى مثلا، أن يقيم الأساتذة الباحثين على أساس الواجب الأول الملقى على عاتقهم في الدرجة الأولى، والمتمثل في إنتاجهم العلمي والثقافي والبيداغوجي، ويأخذ بعين الاعتبار الجانب التطوعي المتمثل في الأعمال الرياضية والنقابية والإدارية في الدرجة الثانية، حينها كان من المؤكد أن تعتبر الوزارة تشجع على البحث العلمي في المقام الأول، ولا تمنع الأستاذ الباحث من ممارسة هواياته في المجالات الأخرى.
في الختام أطلب من الأساتذة تحمل المسؤولية مباشرة، وقول الحق ولو على أنفسهم، فلا يجوز للأستاذ الجامعي الباحث، أن يعتبر أولويته في الجامعة، في مجال آخر غير مجال العمل العلمي والثقافي والبيداغوجي، وأقترح توقيع عريضة لنطالب فيها المسؤولين، بتوضيح الغاية من وراء هذه الشبكة، فهي قطعا ليست للتحفيز على البحث العلمي والثقافي، كما نطالب باعتماد طريقة واقعية وأكثر عدلا ومصداقية، ونعبر عن استغرابنا للمنطق الذي وضعت به الشبكة لتقييم وترقية الأساتذة في الجامعة المغربية، ونعلن عن خيبة أملنا واستيائنا من الحيف الذي سيلحق بغالبية الأساتذة، كما نجزم بأنها بالشكل الحالي لن يكون لها أي أثر على فعالية الأساتذة، ولن تؤدي للرفع من الإنتاج العلمي بالجامعة كما هو مطلوب، بل ستترتب عنها عدة سلبيات من بينها إثارة الحزازات والشعور بالحيف والإحباط لعدة أسباب منها على الخصوص :
- اعتماد الشبكة عددا محددا من المناصب، بغض النظر عن كمية الإنتاج العلمي والثقافي بمختلف الجامعات. وترجيح كفة الحظ على الاستحقاق.
- إن التقييم كما هو مقترح في الشبكة، يعطي نفس الاعتبار لما هو واجب (البحث العلمي والإشعاع الثقافي) وما هو عبارة عن تطوع (الإدارة، الرياضة، العمل الجمعوي والعمل النقابي).