لقد مر بنا في العدد الماضي الكلام عن مصائب العالم الإسلامي والدواهي التي تصب على رأسه صبا وفرضت عليه فرضا لما فقد سر قوته وانحدر من قمته السامقة ـ التي كانت منار البشرية تهتدي بها في دياجير الظلمات إلى الخير والسلم والسلام والود والألفة والمحبة والوئام ـ إلى الوهدة السحيقة لما ابتعد عن المنهج الرباني واستبدل شريعة الله بشريعة الغاب وعادت الجاهلية إلى الصدارة فانهارت القيم وحرفت العقائد وزيفت الأفكار وساد الظلم والجهل وفشا الفساد وعم الطغيان والاستبداد والاستعباد وأسند الأمر إلى غير أهله فطغت الأنانية واستحكمت العصبية والعنصرية وتغيرت المفاهيم فأصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا والفاجر عزيزا مبجلا والمؤمن التَّقِيُّ النقي ذليلا مهينا فتفطن العدو المتربص لما آلت إليه أمة الرسالة فكشر عن أنيابه وأعد عدته ونفث سمومه واستعان بأوليائه وانقض على فريسته وغرس فيها مخالبه ومزقها شر ممزق ثم وضع يده في يد من يجمعهم هدف واحد ففكروا وقدروا ودبروا ومكروا واستعانوا بكل شيطان مريد، وبكل طاغية جبار عنيد، وبكل منافق مخادع جبان رعديد، فجمعوا أمرهم تحت راية ذلك الثالوث الإجرامي الذي ابتليت به البشرية، وتجرعت من جرائه الويلات، ولازال مثار رعب ومنبع كل شر يسعى جاهدا إلى السيطرة المطلقة على العالم قصد إخضاعه لمدنيته الفاجرة الماجنة المبنية على الأهواء والضغينة والتشدق بالعدالة والحرية والاخوة والمساواة والديمقراطية شعارات جوفاء تحمل في طيها الخبث والمكر والخديعة والعداء وعلى رأسها :
الصهيونية المجرمة
إن ذلك الثالوث يجمعه هدف واحد، هو ضرب العقائد الصحيحة، والقيم الإنسانية العالية، والأخلاق النبيلة الفاضلة، ولا سيما المقومات الأساسية لبناء الشخصية الإسلامية. ولكن ماهي الصهيونية؟
تعريفها ـ تطورها ـ أفكارها ـ هدفها ـ واجب المسلم نحوها.
تعريفها : الصهيونية العالمية هي جمعية يهودية أججت روح القومية اليهودية العنصرية التآمرية غايتها إقامة دولة صهيونية يهودية في فلسطين تمتد من النيل إلى الفرات، تحكم من خلالها العالم كله.
ولها من الجمعيات المنتشرة في العالم الشيء الكثير، تقدمها الماسونية التي فرخت مئات الجمعيات كالروطاري واللينز والقديانية والبهائية وعباد الشيطان… وغيرها من الجمعيات والنوادي والمحافل التي تسمى بأسماء كثيرة وتظهر بمظاهر متناقضة، تحركها وتوجهها وتخطط لها وتخضع لها زعماء الأحزاب ورؤساء الدول ورجال الفكر والأعمال…
الصهيونية الماكرة
إن هذه الحركة المخربة المدمرة قديمة قدم التوراة المكذوب عليه نشأت بعد السبي البابلي سنة 585-538 ق م وأطلقت على نفسها حركة المكابيين هدفها العودة إلى جبل صهيون في فلسطين، تلتها حركة باركوخبا سنة118 ـ 183م الذي أراد تجميع اليهود وتأسيس دولة لهم، ثم تلتها حركات إلى أن جاءت حركة منشيه بن إسرائيل سنة 1604- 1657 التي تعد النواة الأولى التي وجهت خطط الصهيونية إلى استخدام ابريطانية من أجل تحقيق أهدافها.
استغلت هذه الخطوة حركة رجال المال التي أرادت تكوين مستعمرات يهودية في فلسطين تمهيدا لتأسيس دولتهم المزعومة وأخيرا جاءت الحركة الفكرية الاستعمارية التي نادت بإقامة دولة يهودية في فلسطين، بعد المذابح اليهودية في روسيا سنة 1882، تأسست بعدها الحركة الصهيونية الحديثة على يد هرتزل اليهودي النمساوي، الذي كان يهدف إلى تجميع اليهود وأقام مؤتمر بال بسويسرا سنة 1897 جمع فيه دهات اليهود وخرجوا بمقررات خطيرة أطلقوا عليها بروتوكولات حكماء صهيون ـ بل أشقياء صهيون ـ وقرروا تأسيس الدولة اليهودية في فلسطين بعد خمسين سنة وكانت كما قرروا في سنة 1948.
وهذه عبرة للمؤتمرات العربية والإسلامية والخليجية والمغاربية و…التي لا تتجاوز المباريات الخطابية والنجومية، وإذا شئتم فاسألوهم وقولوا لهم كم من مؤتمر عقدتم وكم من قرار قررتم وكم من توصيات طبقتم.
الصهيونية عقائدها ومخططاتها
إن الصهيونية تعتقد أن اليهود هم شعب الله المختار، الذي يجب أن يسود العالم، وما عداه من الأمميين يجب أن يكونوا خدما وعبيدا بالرغم من أن الذين يتزعمون الحركة ملحدون لا يؤمنون بدين ولا يهتمون بقيم، فدينهم الدولار وقيمهم المصالح الذاتية وشعارهم “الغاية تبرر الوسيلة”، وإذا رفعوا راية الدين اليهودي فإنما يرفعونها لاستغلال العمي من اليهود، وجمع شتاتهم على الأماني المعسولة والدعاية الكاذبة التي ستؤول بهم حتما ـ إن شاء الله ـ إلى نهاية كارثية لا تبقي ولا تدر.
أما حقيقة أمرهم فإنهم ينكرون الأديان جملة وتفصيلا وخاصة الدين الإسلامي الذي يرون فيه العقائد الثابتة، والقيم الإنسانية العالية، والأفكار الربانية البانية للحضارة الإنسانية العالمية التي تحول بين البشرية وأفكارهم ومخططاتهم التدميرية، حتى قال بعضهم “إن رسالة الإسلام تغزو العقول والأفكار وتنتشر في الكون بسرعة عجيبة، ويدخل الناس فيها عن طواعية واختيار، لما تمتاز به الرسالة من أشياء فطرية موائمة لفطرة الإنسان”.
الصهيونية والدين
إن الصهيونية العالمية تهدف إلى إبعاد الناس عن دينهم ولا سيما المسلم وإغراقهم في مهاوي المجون والفجور وتخريب العقائد وتدمير الأخلاق وتحطيم كل مقومات الشخصية الإنسانية السوية حتى تسهل السيطرة عليهم والتحكم في إرادتهم تقول البروتوكول :
“لابد من أن نهدم دولة الإيمان في قلوب الشعوب، وننزع من عقولهم وجود الله، ونحل محلها قوانين رياضية مادية، لأن الشعب يحيى سعيدا هانئا تحت رعاية دولة الإيمان، لذا يجب ألا نترك لهم فرصة المراجعة، ولكن يجب أن نشغلهم بشتى الوسائل حتى لا يفطنوا بعَدُوِّهِم العام في الصراع العالمي”.
نعم هذه هي أهدافهم، وهذه هي مخططاتهم لا تتكفي بإبعاد الناس عن دينهم ولا بإلهائهم بشتى الوسائل كالرقص والغناء والنجومية والفجور والفنون الجميلة التي تدخل فيها السينما والمسرح والرياضة بجميع أنواعها والقمار والمخدرات قصد تحطيم الدين وتدمير المتدينين. تقول المقررات الماسونية 1900 “إننا لا نكتفي بالانتصار على المتدينين ومعابدهم إنما غايتنا الأساسية هي إبادتهم من الوجود.”
إذا فهل هناك من حقد أكثر من هذا الحقد الأسود على الدين والمتدينين، وما تخفي صدورهم أكبر، بل تزيدنا توضيحا مجلة آكسيا سنة 1903 : “إن النضال ضد هذه الأديان لا يبلغ نهايته إلا بعد فصل الدين عن الدولة، ستحل الماسونية محل الأديان وإن محافلها ستقوم مقام المعابد وسوف نتخذ الماسونية غاية من دون الله”.
ومن هنا نرى أن أبناء القردة والخنازير ومن لف لفهم يعملون جاهدين من أجل القضاء على الأديان عامة وعلى الدين الإسلامي خاصة وإخضاع البشرية لترهاتهم الخادعة ولمؤامراتهم الدنيئة يقولون في تلموذهم المزور : حيث أن المسيح كذاب { قاتلهم الله أنى يوفكون} ـ وحيث أن محمدا ـ اعترف به والمعترف بالكذاب كذاب مثله فيجب أن نقاتل الكذاب الثاني كما قاتلنا الكذاب الأول ـ لعنهم الله بقولهم.
الصهيونية والأخلاق
إن من البديهيات الأساسية لما أعلنت الصهيونية الحرب على الدين فهي تبعا لذلك تحارب الأخلاق، تقول البرتوكول : يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا، إن فرويد منا وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لايبقي في نظر الشباب شيء مقدس ويصبح همه الأكبر هو إرواء غرائزه الجنسية وعندئذ تنهار أخلاقه.
فإذا انهارت الأخلاق وأبعد الدين عن المجتمع فما الشيء الذي يحول بين المجتمعات البشرية وبين مخططات الصهيونية المدمرة، ألم يعطينا واقعنا المعيش صورة واضحة لسيطرة هذه المخططات الإجرامية؟ ألم ترحل كثير من الأخلاق من بين أظهرنا ولا سيما خلق الحياء الذي يعد من أهم شعب الإيمان والذي يقول فيه الرسول الكريم : “إن لكل دين خلق وخلق هذا الدين الحياء”.
نعم ألا نستشف من كل هذا أن الصهيونية قد حققت غايتها وتغلغلت مخططاتها التدميرية في المجتمعات البشرية وصنعت جيلا يعيش حسب توجيهاتها وما تمليه عليه حتى أصبح مأسورا لنفاقها وخداعها تقول البروتوكول : “في الرسميات يجب أن نتظاهر بنقيض ما نضمر فنستنكر الظلم وننادي بالحريات ونندد بالطغيان ونكثر من الإشاعات المتناقضات ونلهب الشهوات نؤجج العواطف ونحطم القيم والأخلاق والعقائد والأفكار”.
وهكذا بالبعد عن الدين وانهيار الأخلاق تتمكن الصهيونية من تكوين مجتمع منحل عاجز خانع تقول البروتوكول : “سنعمل على إنشاء مجتمعات منحلة مجردة من الإنسانية والأخلاق متحجرة المشاعر ناقمة أشد النقمة على الدين والسياسة رجائها الوحيد تحقيق الملاذ المادية وحينئذ يصبحون عاجزين عن أي مقاومة فيقعون تحت أيدينا صاغرين”.
إذا فهل نرى مجتمعا من المجتمعات البشرية لا تنطبق عليها هذه المواصفات؟ وما وصلت الصهيونية إلى ما وصلت إليه زيادة على ما سبق إلا بالاستلائها على عناصر القوة ومنها :
1- الاقتصاد :
إن الاقتصاد عصب الحياة لذا أولته الصهيونية العالمية كل الاهتمام، وصرفت كل جهدها لتجميع المال في يدها قصد شراء الذمم، وشل حركات من تريد من الأمم تقول البروتوكول : “لابد من أن نتبع كل الوسائل التي تتولى نقل أموال الأمميين من خزائنهم إلى صنادقنا”.
ألم يتحقق لها ذلك؟ فأين تصب أموال العرب؟ فلو اكتفينا بسيجارة المدخنين لكفاها ربحا ولكفانا خسارة، وكيف إذا نظرنا إلى إنتاجهم الذي أغرقوا به كل مرافق الحياة، واستهلاكنا الذي لا ضابط يضبطه ولا قانون ينظمه في كل المجالات، تقول البروتوكول : “يجب أن نسيطر على الصناعة والتجارة ونعود الناس على البذخ والترف والانحلال ونعمل على رفع الأجور وتيسير القروض ومضاعفة فوائدها عند ذلك سيخر الأممييون ساجدين بين أيدينا”.
من هنا نعلم أن الصهيونية استولت على كل مقدرات المجتمعات وخنقتها خنقا وأصبحت تتحكم فيها تحكم المالك للمملوك، تقول البروتوكول :”لابد أن نفتعل الأزمات الاقتصادية لكي يخضع لنا الجميع بفضل الذهب الذي احتكرناه”.
إذا الأزمات الاقتصادية غير موجودة، وإنما هي مفتعلة ليتحكم الأقوياء في الضعفاء وليمتص الأغنياء دم الفقراء، قال أحد الاقتصاديين المغاربة ما معناه، “لو أخرج اثنان وثلاثون من أغنياء المغرب زكاة أموالهم فقط لما وجد محتاج في جميع أنحاء المغرب فكيف لو أخرجها أصحاب الملايير الذين يفوق عددهم ثلاثة آلاف مليونير”. هذا عن المغرب المسكين الذي ابتلي بعصابات السطو على صناديق المؤسسات العامة برمتها وكم سمعنا من عصابات قدمت إلى العدالة لتقول كلمتها فيها وقامت حولها ضجة إعلامية كبيرة، ثم تحولت إلى رجة باهتة ثم اختفت ولم يبق لها أثر.
أما أصحاب البترول فحدث ولا حرج، حتى أن دولة بترولية أقرضت ابريطانيا أموالا مهولة، استحقت عليها في آخر السنة فوائد تقدر بمائة وأربعين مليون جنيه، لكن الدولة الإسلامية المسكينة ردتها إلى جيوب ابريطانيا بحجة أنها دولة إسلامية لا تتعامل بالربى.
فهذا هو فهم الإسلام عند أغلب دول العالم الإسلامي تدفع الأموال لغير المسلمين من غير ضابط عقل أو شرع وتترك أغلب دول العالم الإسلامي يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.
2- الحكام :
إن الصهيونية التي استولت على اقتصاد العالم، وأصبحت تتحكم في المجتمعات البشرية والدول العالمية بحكم أن ثروات العالم تصب في أبناكهم، وتنمي مصانعهم وتزيد في ربح شركاتهم لتغرق أسواق العالم بمنتوجاتهم المختلفة، وبذلك تتحكم في مصائر التجار الذين يعتمدون عليها في كل صغيرة وكبيرة وأخيرا في مصائر المستهلكين.
لكن التحكم لا يقتصر على الاقتصاد فقط بل يتجاوزه إلى الحكام الذين يتولون أمور الشعب فتخضعهم لمخططاتها بوسائل كثيرة الظاهرة منها والخفية حيث تصنعهم على عينها وترسم لهم المخطط التي لا يحيدون عنها تقول البروتوكول : “الحكام أعجزمن أن يعصوا أوامرنا لأنهم يدركون أن السجن أو الاختفاء من الوجود مصير المتمرد منهم فيكون أعظم طاعة لنا وأشد حرصا ورعاية لمصالحنا”.
نعم يتجلى تطبيق هذا في اغتيال فيصل بن عبد العزيز رحمه الله وفي ضياء الحق وفي عبد الله عزام والإبعاد والسجن كان من نصيب نجم الدين أربكان أطال الله عمره والحكم بالجنون والعيش في المارستان كان من نصيب طلال بن عبد الله وغير هذا الكثير ممن كان نصيبهم الشنق أو السجن بأحكام متفاوتة، علما أن الحاكم لا يستقر في حكمه إلا بعد الرضى عنه تقول البروتوكول : “لا يصل إلى الحكم إلا أصحاب الصحائف السود غير المكشوفة،وهؤلاء سيكونون أمناء على تنفيذ أوامرنا خشية الفضيحة والتشهير كما نقوم بصنع الزعامات وإضفاء العظمة والبطولة عليها”.
نعم هكذا تختار الصهيونية حكام، العالم وتضرب عليهم حصارا لا يسعهم معه إلا الطاعة والامتثال، وكل من خالف أمرها تكون له بالمرصاد، تقول البروتوكول : “سنتصرف مع كل من يقف في طريقنا بعنف وقسوة سنكثر من المحافل الماسونية وننشرها في كل وسط لتوسيع نطاق سيطرتنا وعندما تصبح السيطرة في أيدينا لن نسمح بوجود دين غير ديننا على الأرض”.
هذه هي الصهيونية العالمية، وهذه هي مخططاتها ومؤامراتها، التي تسعى من ورائها تدمير البشرية بكل الوسائل حربا لا هوادة فيها على الدين والقيم والأخلاق.
يا شباب الإسلام؛ هذا غيظ من فيض مما يحاك ضدكم وضد دينكم من مخططات تدميرية ومؤامرات تخريبية، ولن ينجيكم منها إلا العودة الجادة ـالتي لا بديل عنها ـ إلى ربنا وتطبيق منهجه في كل شؤون حياتنا الخاصة والعامة الفردية والجماعية ا لمحلية والعالمية، والاقتداء بسيد الخلق الذي تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
ولنعلم جميعا أن الصراع بين الحق والباطل، لا يخبو أواره ولا يقف عند حد من الحدود إلى يوم القيامة، وليختر كل واحد منا أين يضع نفسه.