التسلح السينمائي فرصة العرب الأخيرة!
مشروعات كثيرة في ذهن مصطفى العقاد، يتمنى أن ينفذها لكن ينقصه التمويل.. المشروعات مهمة ونحن كعرب في حاجة إليها وعشاق الفن السابع في حاجة لتلك الأفلام التي ستحقق لهم حالة غير عادية من المتعة.
والأهم من ذلك كله أن بوسع هذه الأفلام أن تصحح صورتنا التي يراها العالم مشوهة. المشروعات جاهزة لكن الممولين ليسوا كذلك، ولذلك فإن مصطفى العقاد لا يفعل شيئا الآن غير الانتظار، وصناعة أفلام الرعب والأكشن: ألا يمكننا اعتبار ذلك نوعا من السلبية؟
قلت له السؤال بنصه فوجم قليلا قبل أن يرد بهدوئه المعتاد: أنا مجرد فرد وصناعة السينما تحتاج إلى مؤسسات ضخمة، ولست سلبيا كما تقول بدليل أنني ما زلت مصرا على إيجاد الممول، وإذا فشلت في ذلك فإنني لست المسئول بشكل مباشر عن هذا الفشل، وإنما هو فشل المسئولين العرب الذين لم يشاركوني إدراك أهمية تحقيق هذه المشروعات، ووعدوا ولم يحققوا وعودهم.
يوسف شاهين أساء للعرب بفيلم المصير
إننا ننفق عشرات المليارات على شراء الدبابات والطائرات، ولم نر إلى الآن رصاصة واحدة توجه إلى أعدائنا رغم أن 10% من هذه الميزانية كافية لتحقيق المعجزات، إن الحرب الآن هي حرب إعلامية بالأساس، ولكننا للأسف نكتفي بالكلام بيننا وبين أنفسنا، ولا نحاول أن يصل صوتنا للعالم، ولا نحاول أن نقدم للعالم صورتنا الحقيقية، ونترك اليهود الذين يسيطرون على السينما الأمريكية يقدموننا كما يريدون، إن اليهود هم المتحكمون؛ لأنهم يمسكون هوليود من عصبها وهو “المال”، ويجيدون السيطرة عليها ماليا لا إبداعيا، نحن لسنا في حاجة إلى دبابات وطائرات لتغيير تلك الصورة البشعة التي التصقت بنا نحن المسلمين، ولكننا في حاجة إلى استخدام السلاح الذي يستخدمه اليهود وهو الإعلام.
وانطلق العقاد ليؤكد أنه يتمنى أن يقدم أعمالا تخدم القضايا التي يؤمن بها إذا توفر له التمويل اللازم لذلك، وتلك هي رسالته التي يتمنى أن يقوم بها، خاصة بعد أن نجح الإعلام الصهيوني في جعل المسيحية واليهودية في طرف والإسلام في طرف آخر، وهو ما يتطلب من العرب إعداد رسالة إعلامية موجهة، خصوصا أن الشعب الأمريكي لا يتعصب لقومية معينة، بل يتلقى المعلومات من وسائل الإعلام ويتجاوب معها، لكننا -والكلام للعقاد- فعلنا العكس.
وبشكل واضح قال العقاد: إننا نحتاج إلى أن نقنع العالم بأننا لسنا إرهابيين كما يريد الإعلام الصهيوني أن يصورنا، وأوضح العقاد أن هناك مثقفين عربا كثيرين يسيئون إلى أنفسهم وإلى العرب عامة بدون قصد أحيانا وبقصد في أحيان أخرى مثل المخرج يوسف شاهين الذي أساء إلى العرب كل العرب بفيلمه المصير.
استوقفني المثال فطلبت منه توضيحا أكثر فأشار إلى أنه رأى يوسف شاهين وهو يتسلم جائزته في كان، ورأى كيف صفق له الجمهور لمدة 5 دقائق في سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ كان؛ الأمر الذي دفعه لمشاهدة فيلم المصير الذي كان ولا بد أن يكون تحفه فنية وإلا لما صفق له الجمهور الفرنسي بهذا الشكل، لكنه عندما شاهد الفيلم عرف أن سبب التصفيق لم يكن مستوى الفيلم وإنما لإبراز شاهين لمشهد حرق كتب ابن رشد.
وأضاف العقاد: لقد أراد شاهين أن يرد على قيام المتطرفين بمنع عرض فيلم “المهاجر” وأن ينتقم منهم، فتعمد إبراز هذا المشهد.
لكن هذا المشهد حدث في الواقع!!
ربما يكون قد حدث بالفعل، لكن لماذا لا نختار إلا هذا المشهد لنبرزه، ألا تكفينا الأعمال التي تشوه صورتنا كعرب ومسلمين لنضيف إليها مشهدا كهذا؟ إننا بهذا الشكل ندفع الآخرين للتمادي في تقديم صورتنا على نحو أكثر بشاعة ونجعلهم يقولون وشهد شاهد من أهلها.
العقاد يطالب بفيلم إسلامي سنوي ضخم
وصلنا إذن إلى بيت القصيد، إلى صورتنا التي يراها العالم مشوهة الآن، وأسأل العقاد: كيف يمكننا أن نصحح هذه الصورة فيقول: “إن إمكانية إقامة مراكز إنتاج سينمائية عالمية تحتاج إلى مقومات وظروف ومناخات اقتصادية موجودة، وبمنتهى الوضوح أقول إن المسلمين لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئا بأسلحتهم وذخائرهم ولا حتى بشجبهم واستنكارهم، لا حل سوى الإعلام، وأزيد عليه لأقول الإعلام فقط.
وهنا يسأل العقاد: لماذا لا يتم إنتاج فيلم سنوي واحد بتمويل إسلامي ضخم وبأسماء عالمية يحبها الغرب؛ نعم يحبها الغرب وليس نحن، ونقدم من خلال هذا الفيلم أفكارنا الإسلامية الصادقة والمعتدلة، وتأكد أن أمريكا يحكمها اللوبي الصهيوني بالمال فقط والذي مع مرور الوقت أصبح قوة، وبالتالي حقق له السيطرة على الإعلام في أمريكا والعالم.
هذا أولا أما ثانيا: -والكلام للعقاد- فلماذا لا يتم إطلاق قناة (تجارية) وأضع خطين تحت كلمة تجارية ربحية وناطقة باللغة الإنجليزية وتحمل فكرنا الإسلامي المعتدل.. بل إننا نريد أن ننتهج الأسلوب الصهيوني الذي يدس السم في العسل، ولكننا سنكون مختلفين عنه فيما نقدمه؛ لأننا سندس الحب والرحمة الذين يحملهما إسلامنا في العسل.
ويمضي العقاد ليؤكد أن المنافذ الإعلامية الكبيرة في الولايات المتحدة هي شركات مساهمة مثل CNN وفوكس وCBS؛ ولهذا فإنه من الضروري أن نفكر جديا بوسائل التغلغل في هذه الشركات، معربا عن اعتقاده أن مشكلة العرب مع الآخرين هي إعلامية بالدرجة الأولى.
أمريكا شركة مساهمة احتكرها اليهود
ويزيد مصطفى العقاد على ذلك فيؤكد أن الولايات المتحدة نفسها ما هي إلا شركة مساهمة، قائلا: إن الجنسية الأمريكية هي مجرد وثيقة فقط وليست وثيقة قومية مثل البريطانية، والفرنسية، والإيطالية، والهندية.. كل هذه قوميات، أما الأمريكية فهي تعني تجمع شعوب العالم كشركة مساهمة والمجتهد يدخل للمشاركة حسب نص الدستور وليس حكم الأغلبية، وهناك قصة قصيرة جدًّا في أمريكا مشهورة للغاية؛ حيث إن امرأة ملحدة كان ابنها يوميا في المدرسة يدرس ويذكر اسم الله، وهي لا تؤمن بالله؛ فرفعت دعوة على الحكومة الأمريكية وربحتها، وتحكم المحكمة ثاني يوم بمنع ذكر الله في كل مدارس أمريكا؛ لأن هناك فصلاً تاما بين الدين والدولة؛ ولهذا أنا أمارس الطقوس الإسلامية بكل حرية في أمريكا أكثر من أي بلد عربي أو إسلامي!!
أمريكا شركة مساهمة، اشترى اليهود أغلب أسهمها فسيطروا على العالم، فيما العرب ما زالوا يستمتعون بالنوم العميق!
لذلك لا يستطيع العقاد وكثيرون غيره أن يفعلوا شيئا غير أن يحاولوا إيقاظ هذا النائم أم الميت.
فهل كان يدرك مشكلة العرب حين ترك مسقط رأسه قاصدا هوليود؟
هل ذهب إلى هناك محملا بقضية؟
أسئلة تبدو عادية والمتوقع أن يرد عليها العقاد بأنه خرج مقاتلا من أجل العرب ومن أجل رسالة ومن أجل ومن أجل، لكنه أجاب قائلا:
عندما خرجت من سوريا لم أكن أشعر أن العرب يعيشون في أزمة، كنت صغيرا، وفي كل يوم كنت أسمع الخطب الساخنة والرنانة من المسئولين والرؤساء، لكنه عندما وصلت إلى هوليود ووجدت الصلابة والنظام والتخطيط والعمل، واستمعت إلى وجهات نظر الناس أدركت أن العرب يعيشون في مشكلة كبيرة، وظل ذلك يلازمني حتى ترسخت قدماي في هوليود، وطوال الوقت كنت مدركا أنه عليّ القيام بعملية بحث حقيقية عن الأدوات والسبل التي تمكنني من خدمة عروبتي وتمسكي بها وبتاريخها؟ وهو ما تفرضه جذوري وانتمائي.
الطبيعي هنا أن أسأله عن الأدوات، وكيف استطاع أن يصل إليها، لكن السؤال بهذا الشكل يكون في منتهى السذاجة، لكن ما المانع، إذا كانت مساحة الود عند الرجل تجعله يتغاضى عن سؤال أو أسئلة ساذجة؟!!
العرب لم يتعلموا ديناميكية اللوبي
لم أفكر كثيرا وسألت، وتكلم الرجل دون أن يستوقفه التفكير لثوانٍ، وقال: طوال الوقت كنت أدرك أن الإعلام الصهيوني استطاع أن يسيطر على العالم، ليس بالرشاش أو الإعلام الموجه أو المباشر، بل بالتخطيط والتنظيم، وكنت أرى كما يرى غيري أن العرب والمسلمين في الولايات المتحدة أكثر من الصهاينة، لكننا للأسف متفرقون وغير متعاونين، ومن هنا أدركت أهمية الإعلام الخارجي في التعامل مع الغرب، والتحدث معه وإيصال لغتنا ورسالتنا له بالطرق غير المباشرة، تماما كما يفعل الصهاينة. على أن السبيل الأمثل لذلك هو التركيز على أن مخاطبة الآخر يجب أن تتم بلغته وثقافته ووجهة نظره وصولا إلى المرحلة التي تمكننا من السيطرة على الرأي ووجهات النظر، وهذا بالضبط ما فعله اللوبي اليهودي صاحب السيطرة التامة على هوليود لأسباب عديدة، أهمها -كما قلت- أن العرب لم يعتادوا على مفهوم اللوبي والعمل المنظم الجماعي.
ومن أسئلتي التي ظننتها ساذجةانطلق الرجل مشخصا الخلل الأساسي عند العرب والذي أدى إلى تشوه صورتهم وعجزهم عن الوصول بالصورة الصحيحة إلى من ترسخت الصورة السيئة في أذهانهم؛ فأوضح أن الخلل يكمن في آليات العمل العربي في سياق الوصول إلى العالمية، وفي الفهم الخاطئ للعمل السينمائي الذي عليه التركيز على الجمهور؛ لأن نجاح أي فيلم وانتشاره مرتبط بهذا الجمهور وبالأرباح التي يحققها، وهذا الأمر لا يعني الإسفاف، لكن علينا النزول أولا إلى الجمهور أينما كان والعمل على الارتقاء به نحو الفضاءات التي نريدها.
هذه قصتي مع “الرسالة” و”عمر المختار”
مخرج هنا هو مخرج هناك.. لا فرق بين مخرج ومخرج، وإذا أردت أن تقارن فلا بد أن تتوافر التقنية للاثنين.. الإبداع هو الإبداع.
الإبداع ليس به عالمية هو في حد ذاته لغة عالمية، قال مصطفى العقاد إنه لم يقل هذه الكلمات على سبيل التواضع وإنما عن قناعة أكيدة بأن السينما العالمية والغربية لا تتفوق على العربية في الطاقات والإمكانيات الإبداعية الفردية، بل من جانبها التقني والاقتصادي والآليات التي تحكم العمل وإنتاج الأعمال السينمائية، وضرب مثالا على ذلك بأداء عبد الله غيث في النسخة العربية من فيلم الرسالة، والذي تفوق فيه في كثير من الأحيان على أداء النجم الكبير أنتوني كوين الذي أدى الدور نفسه في النسخة الإنجليزية للفيلم.
فيلم الرسالة في المحاكم منذ 28 عاما!
كان مهمًا ونحن نتكلم عن فيلم الرسالة أن أطلب من العقاد تفسيرا لمنعه في سوريا ومصر رغم السماح بعرضه في كل دول العالم، وكان قد أتيحت لي فرصة الاطلاع على ملف الرسالة في الرقابة فكان غريبا ألا أجد ورقة واحدة تشير من قريب أو بعيد إلى وجود اعتراض رقابي، لا من الأزهر، ولا من أي جهة أخرى، بل كان في الملف ما يشير إلى أن السيناريو حاصل على موافقات عدة من شيوخ الأزهر.
العقاد أكد أن الأزهر وافق على سيناريو الفيلم، وقال: إضافة إلى موافقة الأزهر فإنني كنت أجلس إلى جوار الشيخ محمد متولي الشعراوي وفور مشاهدته الفيلم قال لي نريد منك المزيد، كما أنني وقت كتابة سيناريو الفيلم أحضرت هاري كيجاف من هوليوود وجعلته يمضي سنة كاملة في النيل هيلتون وكتب السيناريو بمشاركة عبد الحميد جودة السحار وتوفيق الحكيم وأحمد شلبي، ومن الأزهر كان الدكتور عبد المنعم النمر والدكتور البيصار؛ لذلك فما زال منع الفيلم يمثل لغزا بالنسبة لي، لكنني لم أجد أمامي ما أفعله غير إقامة دعوى قضائية منذ 28 عاما وما زالت المحاكم تنظرها!!
ومما يزيد اللغز تعقيدا -يضيف العقاد- هو أن أكثر من قناة عربية عرضت الفيلم دون استئذاني ومن دون الحصول على موافقة مني، ومن دون أن يقول لي أحد هل حدث جديد بشأن قرار المنع أم لا.
وهكذا لم أجد ما أقوله غير أن أترك لغز الرسالة وأسأل العقاد عن طبيعة الأفلام التي يقدمها في هوليود والتي لا تخرج عن إطار الأكشن والإثارة والرعب التي لا يحمل معظمها اسمه كمخرج، مثل سلسلة أفلام هالاوين التي وصلت إلى الرقم 9، فكان رد العقاد أن هذه الأفلام يقبل عليها 80% من الأمريكيين، مشيرا إلى أنه في هوليود قبل إنتاج أي فيلم لا بد من أن يجيب عن سؤالين مهمين هما: من هو جمهورك، وماذا تريد أن تقول؟ ومؤكدا على أن النجاح يكمن في الجواب على هذين السؤالين.
وأضاف: “إن السينما أداة تسلية بالدرجة الأولى، لكن لا بد للمخرج الجيد أن يتسلل من هذه التسلية والتشويق إلى الأفكار التي يريد أن يطرحها، وهنا يكمن الذكاء الفني للمؤلف والسينارست، والأساس هو أن يكون هناك اتصال مع الجمهور، وأن يحقق الفيلم أرباحا، حتى يستطيع المنتج أن ينفذ الفيلم الذي يليه، ولكن للأسف يرى البعض أن النجاح وتحقيق الأرباح تهمة ونوع من العار”.
الأساس أن يحقق الفيلم أرباحا
وضرب العقاد مثالا بفيلم “اللمبي”، مؤكدا أنه فيلم ناجح بكل المقاييس وبشهادة مئات الآلاف الذين خرجوا من بيوتهم ودفعوا ثمن تذكرة السينما ليشاهدوه.
وقال: إن نجاح الفيلم السينمائي وانتشاره مرتبط بهذا الجمهور وبالأرباح التي يحققها، وهذا الأمر لا يعني الإسفاف، لكن علينا النزول أولا إلى الجمهور أيا كان مستواه ثم أحاول أن أرفعه بطريقة غير مباشرة وليس بالغموض أو التعالي عليه والحذلقة في اللغة السينمائية.
لا أوسكارات ولا جوائز كان ولا نقاد ولا أوسمة تساوي أي فيلم ناجح جماهيريا، وإذا استطعت أن تصنع فيلما جيدا جدا يصل إلى حد أنه تحفة فنية ولم يصل للجمهور فهو فيلم فاشل جدا.. ونحن كسينمائيين نعتبر أنفسنا همزة الوصل بين الفكرة والفن وبين الجمهور، ونجاحنا في أن نجعله يتفاعل مع الفيلم، يبكي، ويضحك، ويتألم، ويتحمس.
كما أن وسائل التسلية البيتية أثرت سلبا على السينما والمسرح؛ ففي المنزل توجد شاشة كبيرة تجلس أمامها وتدخن وتأكل تشرب وبهذا الشكل فإن رواد السينما الآن في أمريكا وباقي دول العالم من الشباب الذين يمثلون 80% ممن يدفعون ثمن تذاكر السينما؛ ولهذا فرضت موضوعات الشباب نفسها سينمائيا؛ الجنس، والخوف، والحب.
في الحاجة تكمن الحرية
ويعود العقاد ليتحدث عن أفلام الرعب والأكشن التي يقدمها فيشير إلى أنه يؤمن تماما بما قاله معمر القذافي: “في الحاجة تكمن الحرية”، مؤكدا على أنه لو كان محتاجا فقد حريته ولا بد من أن يقدم تنازلات ليعيش هو وأسرته، ومن هنا يؤكد العقاد أن تلك الأفلام جعلته حرا، ويستطيع أن يقول لا، هذا يعجبني وهذا لا يعجبني، وغير مضطر لصنع أفلام يقدم فيها أي تنازل سياسي أو أخلاقي.
ويضيف العقاد: هذه الأفلام أيضا جعلتني لا أقدم إلا أفلاما ترضيني وتخدم القضية؛ فالحمد لله لست محتاجا؛ لأنني لو احتجت -كما قلت- فسأتنازل عن قناعتي، وأقدم أي عمل لأعيش منه أنا وأولادي، وما يزعجني أحيانا، أنني حين أطلب تمويلاً، يتهيأ للبعض أنني أشحذ، أو عندما أجري أي مقابلة يعتقدون أن الهدف منها الحصول على تمويل، يجب أن يعي العرب أن الإعلام يخدم أكثر من الأسلحة.
وهكذا يؤكد العقاد أنه مقتنع تماما بما يقدمه ما دام لا يقدم تنازلات، ولا يبقى هنا غير أن نتحدث عن فيلم أسد الصحراء أو عمر المختار، والذي قال العقاد إن قيامه بإخراج هذا الفيلم جعله يكتشف مدى فظاعة جرائم الفاشيست الإيطاليين في ليبيا؛ حيث قام الجنرال رودلفو جراتسياني أثناء محاولاته اليائسة لتنفيذ خطته في ترسيخ الاستيطان الاستعماري في ليبيا بقتل 200000 من المواطنين الأبرياء طوال ثلاث سنوات فقط، قبل أن يتمكن من إلقاء القبض على الثائر عمر المختار وإعدامه.
العقاد فرح بأخطائه في عمر المختار
وأسأل العقاد عن خطأ ظهر في الفيلم حين استخدم نوعا من السيارات الحربية أثناء محاصرة عمرالمختار لاعتقاله لم تكن القوات الإيطالية في أفريقيا قد استخدمتها في ذلك الوقت!!
فيقول إنه استعان بخبراء في ذلك وإنهم قطعا لم يكونوا يستطيعون توفير العربات التي استخدمها الإيطاليون بالفعل، وإن الضرورة اقتضت ذلك، وهذا لا يعد خطأ وإنما أمر فرضته الضرورة.
وأعود لأذكر له نقطة ضعف علّق عليها نقاد غربيون وهي أن الذي وضع حبل المشنقة في رقبة عمر المختار لم يكن من بين الفاشيست الإيطاليين كما ظهر بالفيلم، بل كان زنجيا سودانيا من أهالي البلاد يدعى محمود كان يعرف بلقب اللونقو “الطويل”، وهو زنجي سكير مات أخيرا بضاحية البركة في مدينة بنغازي، كما يروي أحد شهود العيان الذين عاصروه وعرفوه. وذلك وفقا لما ذكره سجان الشهيد في اعترافاته.
وعن هذه النقطة قال العقاد: لا يعنيني من وضع حبل المشنقة حول رقبة الشهيد، فهو واحد؛ فسواء كان الجلاد الحقير هو محمود السوداني السكير أو غيره من المتعاونين مع الفاشيست الإيطاليين، فالتاريخ لن يرحم أولئك الذين كانوا يتقربون من رودلفو جراتسياني سفاح ليبيا؛ فالذي يهمنا هنا أنه ساعد على توضيح بعض الجوانب الخفية في تاريخ بلادنا.
وأظهر للعالم كيف أننا كنا نحارب دفاعا عن أرضنا بشرف ضد غزاة مارسوا كل أنواع الخسة والبشاعة ضدنا، وكيف كنا شرفاء في خصومتنا حتى لو كانت مع المحتل.
أما جلاد عمر المختار أو شانقه فالأمر واحد في الحالتين، سواء كان إيطاليا أو حتى من أي جنسية أخرى؛ فالمهم أنه كان اليد التي نفذ بها الإيطاليون ما يريدونه.
ويقف العقاد عند من استوقفتهم تلك النقطة ليؤكد أنه في منتهى السعادة وهو يرى من يتربصون بفيلمه لا يجدون غير تلك التفصيلات ليعلقوا عليها، موضحا أن أحدا لم يكن ليرحمه لو كان بالفيلم أي أخطاء تاريخية حقيقية أو سقطة فنية واحدة.
وينهي مصطفى العقاد كلامه عن عمر المختار بقوله: يكفيني أن اسمي ارتبط بهذا المناضل الثائر، وأصبحت الآن حين تذكر اسمه يتبادر إلى الذهن على الفور فيلم أسد الصحراء، الذي جعل العالم كله يشاهد هذا الشهيد روحا ودما.
ولا ينسى العقاد في النهاية أن يشيد بأداء أنتوني كوين الذي كان مقنعا لدرجة تفوق الوصف وجعلت صورته في الفيلم هي الصورة المعتمدة لعمر المختار، سواء في أذهان الناس أو في الصحف التي تنشر شيئا عن المختار، وتنشر صورة أنتوني كوين على أنه هو الشخصية الواقعية.
www.islamonline.net