المؤسسات الربوية وأضحية العيد


في مجمع من الصحابة رضي الله عنهم، ينطق النبي  في استشراف بعيد للمستقبل فيقول : كيف بكم إذا أصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا؟ قالوا : أو كل ذلك كائن يا رسول الله؟ قال : نعم. وأشد! قال : كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف..< إنها رؤية نبوية بعيدة لزمان تنقلب فيه الحقائق، وتختل الموازين، فيكون الحق باطلا والباطل حقا، والمعروف منكراً والمنكر معروفا، والخير شرا والشر خيرا، ويقوم أناس يُقَعِّدون لتلك الموازين المقلوبة، ويؤصلون لتلك الحقائق المعكوسة، ويجتهد جنود إبليس هؤلاء : أفراداً وجماعات ومؤسسات في الدعوة إلى ضلالهم، وتزيين منكراتهم للناس كما هو واقع اليوم، حيث العمل على قدم وساق، ليل نهار، من أجل التطبيع مع المنكر، كل المنكر بالكلمة والصورة والإشارة.. وعبر كل الوسائل الظاهرة والباطنة، ولقد جرأ قبول الناس للتطبيع مع المنكر في الحياة العامة جهات كثيرة على إدخال منكراتها في صلب عباداتنا التي تعبدنا الله بها، وهي كثيرة، منها على سبيل المثال أضحية العيد.

وأضحية العيد هذه -كما هو معروف- قربة يتقرب العبد بذكاتها إلى الله عز وجل وحكمها الفقهي هو أنها سنة مؤكدة في حق القادر عليها من المسلمين كبيرا كان أو صغيرا، ذكراً كان أو أنثى، مقيما كان أو مسافرا غير حاج عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من أقاربه، فهي إذن لا تسن في حق الفقير لأنه غير قادر عليها، ولا في حق من تجحف بماله وإن كان قادرا على شرائها، وقد ضحى رسول الله  بكبشين أقرنين أملحين، واحد عن نفسه والثاني عن فقراء أمته.

إذا عُرِفَتْ هذه الحقيقة وجب أن يُعرف أنه من غير المشروع أن يتسلف الفقير ما يشتري به الأضحية سلفا عاديا، أي سلف الخير والإحسان، أما أن يقترض من المؤسسات الربوية فتلك مصيبة عظمى، وطامة كبرى.

ولقد آلت بعض المؤسسات الربوية -خصوصا تلك المتخصصة في السلفات الصغرى- على نفسها إفساد هذه العبادة على الناس، وتحويلها إلى معصية، وقامت تزين للعامة شراء الأضحية بالقروض الربوية، وملأت لوحاتها الإشهارية الحاملة لإعلان الحرب على الله ورسوله الشوارع والطرقات في تحد صارخ لنصوص الشريعة القطعية، ومشاعر ملايين المغاربة الذين يعلمون أن الأضحية نسك يُتقرب به إلى الله، والربا مما حرمه الله ورسوله {وأحل الله البيع وحرم الربا} فهل تريد منا هذه المؤسسات أن نتقرب إلى الله بما حرم؟ والأضحية كما سبق سنة مؤكدة من سنن الهدى، وشعيرة من شعائر الإسلام، والربا إعلان صريح للحرب على الله ورسوله {فإن لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله} فهل يريدون منا أن نحيي السنّة، ونقيم الشعيرة بحرب الله ورسوله؟ ثم إن الأضحية من الطيبات، مادامت مسنونة ومشروعة، فإذا دخلتها الربا صارت من الخبائث، لأن الربا من الحرام، والحرام كله خبيث، والخبيث لا يقبله الله، وإنما هما دائرتان : دائرة الطيب وفيها الرسل والأنبياء والعلماء والأتقياء والصالحون وكل عمل مشروع، ودائرة الخبيث، وفيها الفجار والفساق والشياطين من الإنس والجن… >وإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا..< كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم.

والذي يظهر أن هناك جهاتٍ تعمل على إفساد عبادات الناس وقرباتهم، إما بتركها جملة، وإما بفعلها -مادام تركها بعيد المنال- مشوبة بالبدع التي تفسدها كما كان يحدث قديماً، أو مخلوطة بالحرام ومسيجة بالمنكر كما هو واقع اليوم، حتى لا يقبلها الله سبحانه.

امحمد العمراوي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>