إن تسارع وتيرة الأحداث التي تمر بعالمنا الإنساني في مختلف الميادين تدعونا للتوقف باستمرار لطرح مجموعة من التساؤلات على أنفسنا وذواتنا، وتلقي ولو بجزء بسيط من الإجابات التي تعيننا على شحذ ثوابتنا الحضارية ومرجعياتنا التي نحتكم إليها في كل صراع أو زلزلة، وإعادة ترتيب أفكارنا ومعانينا التي تكاد تضيع بين مهووس بالانغلاق إلى حد الجمود والتخلف، ومهووس بالانفتاح إلى حد التمييع والتبعية، وتكون النتيجة مزيد من البعد عن جوهر وجودنا الحقيقي ووظيفته. ومن أبرز التساؤلات التي تطفو على سطح وعيي الآن : ما موقعي (أي موقع كل إنسان مسلم) في كل هذه الأحداث ؟؟ وماهي المساحات الواجب التموقع فيها والتحرك منها إلى غيرها من المساحات ؟؟، ما مدى تأثيري في مجريات الأحداث وتوجهاتها ؟؟.. كثيرة هي التساؤلات التي إن أفسحت المجال لها لأغرقتني في دوامة الحيرة والتشرذم..وكثيرةهي الإجابات التي تصب في مجرى واحد : الرغبة الشديدة التي تكاد تلفتنا عن واجباتنا اليومية والتوق إلى فتح مجالات عملية وواقعية لاسترداد مكانة الأمة وإحياء حركيتها وفاعليتها من أجل النهوض في مختلف الميادين،, اجتماعية وسياسية واقتصادية وعلمية وتكنولوجية وثقافية، بدون رفع شعارات وقتية متحمسة تخبو حين ينطفئ الحماس، ودون الغلو في تقديم حلول مثالية بعيدة عن الواقع. إجابات نطمح إلى تفعيلها في واقع حياتنا، لتتحول من مجرد شعارات وأفكار ونظريات إلى ممارسة وفعل وسلوك نعيشه بوعي وإيمان، مستثمرين في ذلك كل طاقاتنا الفكرية والروحية والمادية. من هذه الإجابات التي تحضرني بقوة والتي يمكن تطبيقها على مستوى الفرد ومستوى الأمة بفاعلية وواقعية ويسر قوله عز وجل في بيان كتابه الكريم : {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} وقد جاءت مكررة في سورة القمر أربع مرات في سياق الدعوة إلى تأمل السنن التي خضعت لها الأمم السابقة واستيعابها وأخذ الاعتبار منها، وهي دعوة ميسرة لا تحتاج منا إلا إلى فهم النص القرآني والعمل به واعتباره المرجعية الثابتة لكل ما يستجد في حياتنا الفردية أو الجماعية، مع وضع الحديث الآتي حيز التنفيذ وهوقول رسول الله : “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به”، وفي حديث آخر يمكن أن نجد إجابة على أهمية العلم الذي لم يعد من أولى اهتماماتنا أفرادا وجماعات والذي لن ننهض إذا لم نوله قيمته الحقيقية وهو قوله : >من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله به طريقا إلى الجنة..وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع..وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء.. وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب..< إن مثل هذه الإجابات لا تحتاج منا إلا إلى إعادة تربية النفوس بأخلاقيات القرآن وتوجهاته، وضبط سلوكياتنا وممارساتنا سواء على مستوى الفرد أو الجماعة بها، كما تحتاج منا إلى إعادة ترتيب الأولويات في حياتنا وتحديد الواجبات المفروضة علينا، ومن هذه الأولويات ترسيخ وتجديد الإيمان في نفوسنا باستمرار، ثم تنزيل قوله تعالى إلى حيز الواقع والتطبيق في برامجنا اليومية وفي برامجنا الجماعية : {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}(الأنفال :60) أمر رباني صريح باكتساب كل أنواع القوة الموجودة في حياتنا وامتلاكها بوصفها من عناصر الردع التي تضمن النصر والتفوق دون الحاجة إلى الدخول في أي معركة، وبما أن عصرنا هو عصر التكنولوجيا فنحن مدعوون بقوة لامتلاكها وجعلها من أولويات طموحاتنا لمواجهة التحديات الحضارية المختلفة التي تواجهنا، ومقاومة مد العولمة التي تسعى إلى اختراق الهوية الثقافية للشعوب المستضعفة والهيمنة عليها وإخضاعها لثقافتها. وإذا كان هناك علم أو معرفة يحتاجهما المسلمون في دينهم أو دنياهم، فإن تعلمهما يكون فرض كفاية تأثم الأمة كلها إذا جهلتهما أو فرطت فيهما.
دة. أم سلمى