ألم قلم – الاصلاح والإفساد


 

الصلاح والفساد للذات أو الاصلاح والإفساد للغير، مصطلحان متناقضان، يحملان معنيين مختلفين ومتناقضين. ولذلك فإن كل شخص يريد السمعة الحسنة أو الذكر الحسن، إخلاصا أو رياء، فإنه يظهر بمظاهر الصلاح، حتى يثني عليه الغير ويصنفه في دائرة الصالحين المخلصين, كما أن كل أحد يريد أن يقنع غيره بأنه يريد أن يقدم الخير للغيرـ كيفما كان هذا الغير: فردا أو مجتمعا أو شريحة معينة أو شعباـ فإنه أيضا يبدي الإصلاح، إخلاصا أو رياء، حتى يقبل منه ما يقول ويستمع إليه، ولذلك فإن المفسدين منذ القديم كانوا يدعون الإصلاح، وفي مقدمة هؤلاء فرعون الذي اتهم موسى عليه السلام بقوله : {إني أخاف أن يبدل دينكم وأن يظهر في الأرض الفساد} وادعى الإصلاح والرشاد لنفسه فقال : {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}.

مع ا لعلم أنه لايمكن أن يتصور بأن يكون فرعون مصلحا بأي حال من الأحوال، شرعا وعقلا بدليل قوله تعالى : {إنه كان من المفسدين}.

هذا في التاريخ، فماذا عن العصر الحاضر؟

في الأسابيع الماضية فقط، استمع متتبعو الأخبار على القنوات الفضائية العديد من الأخبار منها :

- في فرنسا، استمرار إضراب طلاب الجامعات احتجاجا على “الاصلاح” الذي تزمع الحكومة تطبيقه.

- في إحدى دول أمريكا الجنوبية، احتجاج شعبي على “الاصلاحات” التي أراد الرئيس تطبيقها في البلاد.

- في المغرب إضراب عدد من طلاب الجامعات احتجاجا على “الإصلاح” الذي دخل حيز التطبيق هذه السنة في الجامعات المغربية.

إلى غير ذلك من الأخبار التي تفيد بأن شعوبا بأكملها وشرائح اجتماعية معينة يهمها أمر”الاصلاح”، تحتج عليه وقد تتمرد وتقاطع ذلك الإصلاح. فهل يعني هذا أن الشعوب وهذه الشرائح الاجتماعية لا تفقه كُنْهَ الإصلاح وحقيقته، أم أن مضمون “الإصلاح” الذي يراد تطبيقه هو البعيد عن جوهر الإصلاح وطبيعته.

بعد التأمل البسيط في الاحتمالين يقود حتما إلى معرفة مكمن الخلل. ذلك أن “الإصلاحات” التي يُراد تطبيقها في العالم يقوم بها في الغالب فرد أو مجموعة من الأفراد الذين تسند إليهم هذه المهمة، يقومون بالبحث والتنقيب والاستبيانات والدراسات الميدانية، ليخرجوا بما يخرجون به. هذا إن كانوا مخلصين لما يقومون به، وطنيين فيما يرسمونه، غير متنكرين لتاريخهم وحضارتهم وثقافتهم كما هو الحال في معظم الدول الغربية.

أما إن كانوا غير مخلصين لما يقومون به، وطنيين فيما يرسمونه، غير متنكرين لتاريخهم وحضارتهم وثقافتهم كما هو الحال في معظم الدول المتخلفة، فإنهم لا يزيدون على نقل تصورات الآخرين وترجمتها إلى لغتهم بشكل تلفيقي ضاربين عرض الحائط كل ما هو وطني وأصيل في وطنهم وثقافتهم. أما معارضة الاصلاح فتأتي في الغالب من شعوب بأكملها أو من شرائح اجتماعية عريضة. ولا يمكن أن يقال إن تلكالمجموعة القليلة أنضج عقلا وأكثر ذكاء وأشمل إحاطة وأدق استخلاصا من تلك المجموعات البشرية العريضة التي أحيانا تشمل عدة شعوب كما هو حاصل حاليا، حيث تعارض معظم شعوب العالم ما يُعرف بالعولمة، التي هي في نظرها “إصلاح”.

إذن فالأمر لا يزيد على التلاعب بالمصطلحات كما هو حاصل في العديد من المصطلحات الأخرى في عالم السياسة والاقتصاد بهدف إخضاع شعوب العالم وإذلالها.

د. عبد الرحيم بلحاج

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>