ووصمة عار في جبين سفهاء العربوت
ما أكثر الفلاليج في أرض الله إذا ما تعلق الأمر بقطع أرضية صالحة للزراعة، وما أقلها إذا ما تعلق الأمر بقطع صالحة للجهاد والصمود. ولقد أرادت عناية الله عز وجل أن تكون فلوجة الفرات هي الفلوجة التي صدقت ما عاهدت الله عليه، فقضى أبطالها في شموخ وعزة، تألموا وآلموا. ودفنت الفلوجة شهداءها في بيوت الله ففاحت رائحة الشهادة منهم وهم في العراء، ولفظت جيف الأعداء، فطارت بهم الطائرات في نعوش الذل والهوان إلى أوكار الخزي والعار لتوارى في حفر النار حيث الحميم واليحموم وعذاب الهون.
وقفت الفلوجة شامخة ساخرة من لقطاء العم سام، وهم يذرعون شوارعها المدمرة يظهرون نشوة نصر مكذوب، ويضمرون مرارة هزيمة نكراء. وقفت الفلوجة تخلع أقنعتهم لتكشف حقائق سحنات وحشية لا وجود لها في الغابات والأدغال، ونزعت القناع عن ديمقراطيتهم الكاذبة المنتنة، ديموقراطية تعتمد أخس أسلوب الاستخفاف بالبشرية على الطريقة الفرعونية كما وصفها كتاب الله عز وجل : {فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين}. وما الاستخفاف سوى استجهال الناس، وتعطيل عقولهم، وطمس معالم الحق والصواب حتى غابت مئات الكاميرات التي ترصد عادة مجرد مباراة من مباريات كرة القدم عن أحداث فلوجة الفرات، وعميت عدساتها فكان عماها أبلغ وأفصح من الإبصار في عالم الأشرار.
بدأ استجهال العالم بأكذوبة أسلحة الدمار الشامل، وكان العالم المستخف به يعلم علم اليقين بأمر الكاذب والأكذوبة، ولكنه غض الطرف لفسوق شاع فيه كما صرح بذل الوحي. ولقد بدا لكل ذي لب أنه لو ملك حاكم العراق المخلوع هذا السلاح حقا لاستنجد به ساعة الشدة، ولما آثر عليه جحر ضب منتن وسلاسل الأسر في يد من لا يرعون للكرامة قدرا، ولما رضي بعيش الهوان. ولما تبخرت أكذوبة أسلحة الدمار الشامل وحلت محلها أكذوبة تخليص شعب العراق من العسف والاستبداد، وكأن الاستبداد حكر على بلاد الرافدين دون بلاد عربستان. وسرعان ما كشفت هذه الأكذوبة أيضا فتركت مكانها لذريعة فتى زرقاء الأردن (“أبو مصعب الزرقاوي)، والعالم المستخف به يعلم أن ثورة العراق تفوق حجم الزرقاوي الذي لا يمكن أن يغيب عن عيون المخبرين من بني يعرب الذين كشفوا ما في جحر الضب، فكيف بما في الفلوجة وهي أوسع وأرحب.
سقط قناع الديمقراطية الغربية المزيفة فشهد العالم عبر عدسة المارينز الجندي المفزوع إلى حد الهوس وهو يجهز على شيخ مكلوم أعزل مستجير ببيت الله عز وجل، وسارعت التماسيح إلى الدموع حزنا على الشيخ الجريح القتيل تحت شعارات المنظمات الحقوقية والإنسانية والأجدر بها أن تسمى المنظمات الباطلية والوحشية. وأدينت فعلة الجندي المسعور، واعتبرت جريمة حرب وحدها، وكأن إبادة الفلوجة برمتها عمل مشروع مبرر. إنه أخس استخفاف عرفه التاريخ. فإذا كان فقيه العراق في القديم عجب من السؤال عن دم البعوض مع اهدار دم سبط النبي، فإن فقيه اليوم يعجب للبكاء على شيخ جريح واحد أجهز عليه مع تدمير الفلوجة بكاملها.
وقفت الفلوجة شامخة بالرغم من الدمار الشاهد على انحطاط حضارة أبناء رعاة البقر وصعاليك أوربا المنبوذين الذين استخفوا بالعالم، واستجهلوا الناس فشطبوا من قواميسهم ألفاظ المقاومة والتحرير والجهاد، وأثبتوا مكانها لفظ الإرهاب للتغطية على ألفاظ الاحتلال والاستعمار والإمبريالية والصهيونية العنصرية، وبهرجوا ألفاظ الديموقراطية والعالم الحر وحقوق الإنسان. وقفت الفلوجة ساخرة من استخفافهم بالبشرية ومن أكذوبة الزرقاوي الذي تناسل اسمه فأصبح ألف وستمائة زرقاوي قتيل وألف زرقاوي أسير. ولم يستفق العالم المستخف به على دلالة هذه الأرقام التي سمت الأشياء بأسمائها فصار الإرهاب الزرقاوي مقاومة عراقية باسلة في فلوجة الفرات.
وأسقطت الفلوجة قناع نسل بعض العربوت الذين عاشوا قططا تتهافت على فتات موائد رعاة البقر، فجلس من استوزروه على كرسي مفضض بسحنة تعلوها المهانة ليعلن في نشوة مقتل ألف وستمائة وأسر ألف من بني جلدته بدم بارد بعدما عاف الدم العربي الأبي عروقه المنتنة بالخيانة لله وللوطن وللأمة.
وأسقطت الفلوجة قناع الصامتين، وهي تستلذ طعم الاستخفاف بفسوق الصمت منتظرة مصيرها الذي لن يختلف عن مصير فلوجة الفرات مع وجود فارق يسجل البطولة للفلوجة والهوان لمن رضي الصمات عن الذل معرضا عن قول ربه جلت قدرته : {ولا يستخفنك الذين لا يوقنون}صدق الله العظيم.
المجد والخلود لشهداء الفلوجة، والعار والشنار لأعداء الإسلام، ولله الأمر من قبل ومن بعد.