قال تعالى: {أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا، لكنا هو الله ربي، ولا أشرك بربي أحدا} (سورة الكهف)
ينسى كثير من الناس وفي غمرة الانشغال بأمور معاشهم، كيف جاءوا إلى هذه الحياة الدنيا، وأنهم لم يكونوا شيئا مذكورا {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا}. نعم لم يكن فكان، فكيف كان؟ ومن ذا الذي خلقه وأوجده؟ سؤال ينبغي أن يخلو الإنسان بنفسه للتأمل فيه، والتفكر في مسألة الخلق عموما {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا، إنا هديناه السبيلإما شاكرا وإما كفورا}
تأمل معي قوله تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق} واسأل نفسك، لماذا كانت أ ول آية تنزل في كتاب الله تعالى تشير إلى مسألة الخلق، وتعرف الله. – في أول تعريف قرآني- بأنه الذي خلق، وأن هذا الإنسان خلق من علق؟ ثم انظر كيف تتابعت الآيات التي تربط الإنسان، بهذه الحقيقة -حقيقة أن الله تعالى هو الذي خلقه وأوجده- وتشده إليها، فتأمره بالعبادة لربه الخالق {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} وتأمره بتقوى سيده الذي خلقه {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها.. واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين}.
{الله خالق كل شيء}، خلق الكون كله، وخلقك أنت من نطفة أمشاج، خلقك من ماء مهين حقير، ماء عفن وسخ قذر تعافه النفس {فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب} {أيحسب الإنسان أن يترك سدى؟ ألم يك نطفة من مني تمنى؟ ثم كان علقة فخلق فسوى؟} بلى ، فقد كان، وكنت أنت؟ فهل تذكرت فذكرت؟ وتنبهت فعرفت؟ استمع إلى قول الخالق جل وعلا {ألم نخلقكم من ماء مهين؟ فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون} هكذا أنت إذن، مخلوق من مخلوقات الله، وبالتالي عبد من عباد الله. لو لم يقدر لك الله الحياة ما كنت ولا تنس أن الله سبحانه خلقك أول مرة من طين لازب، قال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين} {الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه} {إنا خلقناهم من طين لازب} هذا هو أنت أيها الإنسان، وهذه هي الحقيقة كاملة بين يديك تقول: إن الذي خلقك هو الله، ولو لم يقدر لك أن توجد لما وجدت فأين شكر نعمة الخلق والإيجاد هذه التي تفضل الله تعالى بها عليك؟ أم تراك وجدت نفسك هكذا صحيح البنية، قوي العضلات، في أحسن تقويم، من دون فعل فاعل؟
عجبا لكم أيها الغافلون {مالكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا؟}
أما أنت -أخي الحبيب- فافتح بصيرتك، واعلم أن الذي خلقك يستحق أن يعبد، ويجب أن يشكر ولا يكفر {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وتأمل كيف أتبع الله تعالى قوله {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا} بقوله{إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} فمن كان على بينة من صدر الآية {إنا خلقنا الإنسان} كان شاكرا ولا شك، ومن غفل عن تلك الحقيقة كان كفورا ولا ريب.
وتأمل في موقف ثابت بن أسلم رحمه الله مع مسألة الخلق هذه، فقد قال حمادين سلمة: قرأ ثابت بن أسلم {أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا} وهو يصلي صلاة الليل ينتحب ويرددها (سير أعلام النبلاء 5/225)
والآن دعني أسألك، ثم اسأل نفسك : أكفرت بالذي خلقك. أم عبدت وشكرت؟