الحِلْمُ والتسامح والتجاوز عن هفوات الآخرين، والتماس الأعذار للمخطئين قمة شامخة لا يصل إليها إلا من رقى في سلم الحلم والأناة.
قال رسول الله للأشج عبد القيس : “إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة”. رواه مسلم، وهذا تحفيزٌ من رسول الله لأبناء الأمة للتخلق بما يحبهُ الله : الحلم وهو التسامح وكظم الغيظ، والأناة الرفق والتثبت، قال : “ما تجرع عبد جرعة أفضل من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله”. رواه أحمد.
إن حقيقة الإيمان الذي لا ينقطع فيطول مع صاحبه في سويداء قلبه يزهر بأنواره هو الذي يجعل من صاحبه الرجل الصابر المحتسب وهو قادر على أن ينتقم ويعاقب، قال رسول الله : “من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه إيمانا”. أبو داود. إن وصية الرسول لأصحابه في الغالب هي دعوة لضبط النفس، وترك الغضب الذي يصيرُ صاحبه مجنوناًيتخبط، في صحيح البخاري أن رجلاً قال : يا رسول الله أوصني “قال : لا تغضب كررها ثلاثاً”. إن العالم اليوم يحتج على الإسلام بأفراد لم يفقهوا من دين الله شيئاً. وليس لهم من العلم إلا رؤوس أقلام، يحفظ أحدهم حديثا واحداً عن سيد الأنام، فيتوهم أنه أصبح شيخ الإسلام، قال : هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون.” رواه مسلم. والتنطع هو التشدد في غير موضعه، أو هو التشدد في جزيئات الشريعة وفروعها، أما الربانيون من العلماء والدعاة الذين وقفوا على أسرار الشريعة، وعرفوا مقاصدها فهم أصحاب الأساليب البارعة والطرق الرائعة في امتلاك النفوس وكسبها، وكيف لا!!. وقد أخذوا الدرس من دعوة رسول الله وتعليمه، جاء رجل يطلب من النبي شيئا فأعطاه ثم قال له : أحسنت إليك؟ فقال الأعرابي : لا، ولا أجملت! فغضب المسلمون وقاموا إليه، فأشار إليهم أن كفوا. ثم قام ودخل منزله، فأرسل إليهوزاده شيئاً ثم قال أحسنت إليك؟ قال : نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، فقال له النبي : “إنك قلت ما قلت آنفا، وفي نفس أصحابي من ذلك شيء فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب ما في صدورهم عليك!!” قال نعم : فلما كان الغد جاء الأعرابي فقال : >إن الأعرابي قد رضي بما أعطيناه<، فقال الأعرابي نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، فقال : “مثلي ومثل هذا كمثل رجل له ناقة شردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفوراً، فقال صاحبها : خلوا بيني وبين ناقتي فإني أرفق بناقتي وأعلم فأخذ من قُمام الأرض فردها حتى جاءت، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال، فقتلتموه، دخل النار”.
ذ. عبد الحميد صدوق