كم آلمني أن يصل المغرب إلى هذا الدرك من الضعف حسب وصف المفكر العظيم المهدي المنجرة لوطنه الذي يحبه والذي ضحت أسرته كثيرا لتحريره، وآخر أبطال الشرفاء المنجريين وفاة مولاي أحمد المنجرة بمراكش الذي ما تزال جوانب هامة من جهاده لم تكتب بعد، واسألوا عنه أخانا البطل المغاربي الكولونيل الهاشمي الطود فعنده الخبر اليقين عن هذا الرجل ..
فلقد وصف الدكتور المنجرة حفظه الله وبارك في عمره المغرب بقوله:
” … لكن المملكة تعاني ضعفا اقتصاديا وثقافيا وتربويا وسياسيا. الشيء الوحيد الذي لا يعاني ضعفا لهو الضعف حتى أصبح الضعف العنصر الأقوى بالمغرب” ( جريدة الأيام عدد 10-4/156 نونبر 2004 ).
ومن مظاهر تجلي هذا الضعف القوي: التفريط في الصيانة وقطع ما يجب أن يوصل ويستمر في هذا المجال .. ولعل الأبرز فيما يتصل بالصيانة في البلاد المتخلفة أن تصون الضعف والتخلف والتدهور من كل ” سوء” تمتد يده بالنيل من ذاك الضعف بالإصلاح الجاد والتقويم الصحيح.
إن الصيانة في بلدنا وأمثالها غائبة بنسبة عالية مما يسبب في ضياع كثير من فرص التنمية والإنتاج لخلل يطرأ على الآلات والأجهزة التي لا تعرف المسارعة إلى إصلاح خللها لعقم الإجراءات الإدارية ولتخلف النظام الإداري كله مما يؤول بكثير من الآلات إلى تلفها وعدم صلاحيتها للاستعمال، وقد شاهدت آلات تبرعت بها جهة لدولة شقيقة وكنت حاضرا عند حفل تسليمها وكان ثمنها حوالي 500.000 ألف درهم اعتورتها آفات ربما كانت صغيرة فلم يبق منها إلا واحدة ربما لحقت بأختيها لذلك لا يستغرب أن يكون الحديث متداولا في المدارس والجامعات والمعاهد التقنية عن تعطيل آلات وكوارثها وربما تكون آلات وقاعات التصنيع بالمدرسة المحمدية نموذجا يستشهد به … حتى أصبحت ظاهرة التعطيل جزءا من ذلك الضعف الذي يتضاعف بمرور الأيام حتى أصبح هو الأقوى .
وغير خاف أن شبكات المياه الشروب وجعابها تصاب في أحياء المدينة وأزقتها بأعطاب لأسباب جلها غير معقول فيسارع الجيران إلى إعلام الجهة المسؤولة لكن نجدة الإصلاح لا تستجيب إلا بعد أسابيع .. والمشهور في بلدنا المغرب أن ثروته المائية التي تجري خلال شبكاته في المدن والقرى تضيع بمقدار حوالي 70% في حين أن معدل الضياع في العالم المتقدم نحو 20% .. فبيننا وبينهم في هذا المجال خمسون في المائة، ونحمد الله أنها لم تكن ألفا في المائة كما هو الحال في جوانب أخرى.
أما آثارنا ومخطوطاتنا وطرقنا وغاباتنا وترابنا في الجبال فحدث عن الكوارث ولا حرج وعن الضعف الأقوى ولا خجل !!
أقول هذا بمناسبة موت المعلم عبد الله الخبير الوحيد بشبكة توزيع قنوات المياه القديمة بفاس، فقد كان الرجل ذا اطلاع كبير ودقيق وخبرة عظيمة بتوزيع المياه بفاس المدينة حتى أنهكان يلقب بكلب الماء، أي أنه يشم الماء الموزع في القنوات عبر مدينة فاس دون خطأ أو خلل، وكان سامحه الله بخيلا بخبرته فمات دون أن يترك خلفا له ..
والمسؤولون لم يبالوا بالأمر ما دامت شبكة المياه الجديدة قد امتدت عبر مدينة فاس لكن نسي أو جهل هؤلاء أن المغرب في أمس الحاجة الآن لمعرفة خريطة وتصميم الشبكة القديمة لأن الأمر يتعلق بجانب حضاري عظيم قد ضيعناه كما ضيعنا الآلاف المؤلفة من الوثائق والمخطوطات والآثار المعمارية القديمة والحديثة …
إن من مظاهر ذاك الضعف بالوصف المنجري يشهد عليه موت المعلم عبد الله، وندرة الخبراء في بعض المجالات بل انعدام الخبرة الوطنية والاعتماد على الخبرة الأجنبية التي تتقاضى أجورا عالية لا تقاس بمقاييس معقولة كما هو الحال في بعض المؤسسات …
حبذا لو تقوم بعض الدراسات لتبين أن المغرب قد رزئ في ملايير الدراهم بسبب ضعف الصيانة أو استهتارها أو تكاليفها الفاحشة بسبب تفريطنا في خبرائنا الذين هاجروا إلى الخارج أو بسبب إهمالنا لهم وهم بجانبنا …
ونعوذ بالله من السفه والجهل وضعف الحماس والإخلاص لهذا الوطن، ونعوذ بالله من نظام إداري أهم ما يقوم به هو ترسيخ التخلف وتكوين الأطر الكفأة لتأهيل البلد ليكون دائما في المؤخرة …