لقد خلق الله عز وجل الإنسان في أحسن تقويم، وهيأ له كل أسباب البقاء والاستمرار، فأسبغ عليه النعم ظاهرة وباطنة، وجعل سبحانه هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، لأن دورها ليس على هامش الحياة، وإنما هو دور إيجابي قيادي يؤثر في مسار البشرية. {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}(آل عمران : 11). ولن يستطيع القيام بهذا الدور الإيجابي في قيادة الدنيا، قوم نيام تسلوا عن الحقيقة بالأحلام، أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، قوم أذيبت شخصيتهم الإسلامية، وغاب حضورهم الفكري، قوم واقع حالهم على المسرح الدولي يثير الأسى والأسف, ويستبكي العيون الجامدة على المجد الذي ضاع والبنيان الشامخ الذي انهار، حتى غدا الغرب بالنسبة لهم قبلة هم إليها متوجهون ومحرابا هم فيه متعبدون، وما نموذج ما آلت إليه أوضاع المرأة المسلمة إلادليلاً على ذلك، دليل على التبعية للغرب، وتقديس تقاليده وعاداته، دليل على انصهار المسلمين في بوتقة الفكر الأجنبي الغريب، والبعيد كل البعد عن الفكر الإسلامي، وما خطه من تاريخ المرأة المسلمة بأحرف من ذهب، وكأني بالرسول ينظر من وراء حجاب حين قال : “لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ظب لدخلتموه”.
وصدقت يا خير من وطئت قدماه الثرى، فما تعرفه شوارعنا عامة، وفي فصل الصيف خاصة، أمر يهتز له عرش الرحمان غضبا, فما يكاد اعتدال الربيع يودعنا، وقيظ الصيف يحل بنا حتى تبادر بنات حواء من مختلف الأعمار والأشكال والأحجام إلى التخلي عن ثيابهن وإبداء مفاتن أجسادهن، بشكل يثير اشمئزاز كل من في قلبه ذرة من إيمان، ويسيل لعاب كل ذي نفس مريضة من تجار الرقيق, وعملاء سوق النخاسة، ثياب لا تستر من العورة شيئا، ورقع من ثوب تبدو كأنها صممت للصغيرات فارتدتها الكبيرات. أطراف مكشوفة وصدور عارية و…. نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، وكأني ببنات جنسي قد أخذهن الحنين إلى العصور الحجرية، حين كان الإنسان لا يجد ما يستر به عورته، غير ما تجود به الطبيعة من أوراق الأشجار وجلود الحيوانات.
أوضاع مخجلة، ومناظر يندى لها الجبين وتجعل المسلم الغيور يتمنى لو لم يكن مضطرا للخروج إلى الشارع. فأين نحن من التوجيهات الربانية، والتعاليم السامية التي شرفت وكرمت المرأة المسلمة، وجعلت دورها إيجابيا قياديا يقوم على أساس بناء الأجيال، وصناعة الإنسان المسلم، وأوضاع نسائنا وأمهاتنا تنذر بخطر عميم، قد يروح ضحيته الصالح والطالح كما أخبر بذلك رسول الله حين سئل : “أنهلك وفينا الصالحون؟ فقال: نعم إذا كثر الخبث، وقد كثر لدرجة أصبح يستعصي معها التفريق بين الشارع العربي والغربي.
فمن تقلد نساؤنا وفتياتنا، ومن يتبعن وهن الأحق بالاتباع والتقليد؟
إن كان ما يرتدينه باسم الموضة، فتبا لها من موضة ترضي الشيطان لتغضب الرحمان، تعري جسد المرأة المصون، وتبيعه بثمن بخس دراهم معدودة.
وإن كان باسم الحَر، فإن نار جهنم أشد وأنكى، وإن كان باسم الإغراء والفتنة فليحذرن من عذاب الله, ومن حمل أوزار الذين يضلونهم بغير علم.
هذا ما يحدث في الشوارع، أما ما يحدث في الشواطئ والمنتزهات، فحدث ولا حرج. فمهلا يا ابنة الإسلام مهلا، ورجوعا إلى الله لا إعراضا، وتوبة نصوحا لا فسادا، فلتعلمي أنك درة حفظت بالأمس غالية, واليوم يبغونها للهو واللعب, فاستفيقي من سباتك العميق، فإنك الشريفة العفيفة في ظل إسلامك، الكريمة المصانة بإيمانك القوية المؤثرة بشخصيتك، فاحفظي كرامتك أن يعبث بها المفسدون.
وقبل أن أختم حديثي أهمس في أذن كل من ترضى لنفسها من الذل والهوان لأقول لك: أين كبرياؤك الذي تحاكت به الألسن وانبهرت به الأمم؟ وكرامتك التي كان المس بها سببا في تجييش الجيوش؟ أين حياذك من الله عز وجل الذي سمع صوتك من فوق سبع سموات وأنت المظلومة المقهورة؟
أيرضيك وأنت تخرجين من بيتك كدمية أو كعروس شبه عارية، أن تكوني سلعة رخيصة تتداولها الأعين، وملكا عموميا في متناول الجميع، تعرضين أنوثتك وجمالك في سوق المزاد متناسية أو غافلة عن توجيهات ربك، وعن الدور العظيم الإيجابي الذي خلقك من أجله، والحصن المنيع الذي أحاطك به.
فلهفي عليك وأنت تلقين بيديك إلى التهلكة.