(أستاذ التعليم العالي كلية الشريعة -فاس)
يقصد بالنكاح المختلط الزواج الذي يكون أحد طرفيه مسلما والآخر من الكفار..
ويصدق ذلك بأربع صور، منها ما هو حرام، ومنها ما هو مباح.. في الإسلام :
الزواج المختلط الحرام
يكون الزواج المختلط حراما في الإسلام عندما يكون :
1- أحد طرفيه مسلما والآخر مشركا ويصدق ذلك بصورتين :
أ- أن يكون الرجل مسلما والمرأة غير متدينة بدين سماوي.
ب- أن تكون المرأة مسلمة والرجل مشركا أي غير متدين بدين سماوي.
والزواج المختلط في كل من هاتين الصورتين حرام في الشريعة الإسلامية بدليل قوله تعالى : {ولا تَنْكِحوا المُشْركات حتى يومِن ولأمة مومنة خير من مُشركة ولو أعجبتكم، ولاتُنْكِحوا المشركين حتى يُومِنوا ولعبد مومن خيرٌ من مُشرك ولو أعجبكم، أولئك يدعون إلى النّار والله يَدْعُو إلى الجنّة والمغفرة بإذنِه ويبيّن آياته للناس لعلهم يتذكرون}(البقرة : 219) فالله سبحانه في هذه الآية يحرم على المومنين التزوج بالمشركات -وهي الصورة الأولى- حتى يومن بأحد -الأديان السماوية- إسلاما أو يهودية أو نصرانية ويوجههم إلى أن أمةَ ًمومنة بالله ورسوله.. أفضل من حرة مشركة، وإن أعجبتهم المشركة بجمالها ومالها وسائرما يوجب الرغبة فيها من حسب أوجاه أو سلطان…
- كما ينهى المومنين عن أن يزوجوا المسلمات بالمشركين -وهي الصورة الثانية- حتى يومنوا بدين الإسلام، ويوجههم إلى أن تزويجهن من عبد مومن خير من تزويجهن من حر مشرك مهما كان لهذا المشرك من حسب ومال وجاه وشرف…
ثم بين سبحانه سبب نهيه عن مناكحة المشركين والمشركات بأنهم يدعون المومنين والمومنات إلى ما يؤدي إلى النار -من كفر أو ارتكاب موبقات ومحرمات- في حين أن الله يدعو إلى العمل الذي يؤدي إلى الجنة ويوضح حججه وأدلته للناس ليتذكروا فيميزوا بين الخير والشر والخبيث والطيب.
ج- أن تكون الزوجة مسلمة والزوج من أهل الكتاب : (يهوديا أن نصرانيا) وهذه صورة ثالثة للزواج المختلط الحرام.
فالزواج المختلط في هذه الصور حرام -أيضا- في الشريعة الإسلامية بدليل قوله تعالى : {ولا تُنكحوا المشركين حتى يومنوا}وذلك لأن المراد بالمشرك هنا كل كافر لايدين بدين الإسلام فيشمل الوثني والمجوسي واليهودي والنصراني، والمرتد عن الإسلام فكل هؤلاء يحرم تزويجهم بالمسلمة.. والعلة في ذلك هي أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.. وقد بين الحق سبحانه سبب ذلك بقوله: {أولئك يدعون إلى النار} أي يدعون إلى الكفر الذي هو سبب دخول جهنم، فالرجل له سلطة وولاية على المرأة فربما أجبرها على ترك دينها وحملها على أن تكفر بالإسلام… والأولاد يتبعون الأب في الدين فإذا كان الأ بنصرانيا أو يهوديا رباهم على اليهودية أو النصرانية فيصير الولد من أهلالنار..
الزواج المختلط المباح
أما الزواج المختلط المباح فيكون في صورة واحدة -عند الجمهور- وهي ما إذا كان الزوج مسلما والزوجة من أهل الكتاب : يهودية أو نصرانية، وذلك للأدلة التالية :
1- قوله تعالى : {.. والمحصنات من المُومنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب}(المائدة : 5) أي العفيفات من أهل الكتاب عطفا على المباح التزوج بهن.
2- إن لفظ (المشركات) في الآية : {ولا تنكحوا المشركات} لايتناول أهل الكتاب لقوله تعالى : {ما يَودّ الذين كفروا من أهْل الكتاب ولا المشركين}(البقرة : 105) وقوله : {لم يكن الذين كفَروا من أهل الكتاب والمشركين..}(البينة : 1) فقد عطف المشركين على أهل الكتاب، والعطف يقتضي المغايرة، فظاهر (المشركات) لا يتناول الكتابيات.
3- ما روي عن السلف من إباحة الزواج بالكتابيات :
- روى الطبري عن قتادة في تفسير الآية : إن المراد بالمشركات (مشركات العرب) اللاتي لهن كتاب يقرأنه.
- وروى الألوسي عن حماد قال : سألت إبراهيم عن تزوج اليهودية والنصرانية فقال لا بأس به : فقلت : أليس الله تعالى يقول : {ولا تنكحوا المشركات} فقال : إنما تلك المجوسيات وأهل الأوثان.
- وروى الطبري والقرطبي أن حذيفة تزوج بيهودية فكتب إليه عمر : (خل سبيلها) فكتب إليه : (أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها) فقال : (لا أزعم أنها حرام، ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن) فدل هذا على أن عمر فعل هذا من باب الحيطة والحذر لا أنه حرم نكاح الكتابيات.
قال الإمام الطبري : “.. وأولى الأقوال بتأويل الآية ما قاله (قتادة) من أن الله تعالى ذكره عني بقوله : {ولا تنكحوا المشركات} من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات، وأن الآية عام ظاهرها، خاص باطنها، لم ينسخ منها شيء، وأن نساء أهل الكتاب غير داخلات فيها، وذلك أن الله تعالى أحل بقوله : {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلهم} للمومنين من نكاح محصناتهم مثل الذي أباح لهم من نساء المومنات. وقد روي عن عمر أنه قال : (المسلم يتزوج النصرانية، ولا يتزوج النصراني المسلمة) وإنما كره عمر لطلحة وحذيفة نكاح اليهودية والنصرانية حذرا من أن يقتدي بهما الناس في ذلك فيزهدوا في المسلمات.. أو لغير ذلك من المعاني فأمرهما بتخليتهما…)(1).
نعم ذهب عبد الله بن عمر ] إلى تحريم نكاح الكتابيات، وكان إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية واليهودية قال : (حرم الله تعالى المشركات على المسلمين، ولا أعرف شيئا من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة : ربها عيسى أو عبد من عباد الله تعالى) ويرد على ما قاله ابن عمر ] ما احتج به الجمهور من أن لفظ (المشركات) في الآية لا يتناول الكتابيات فهو من العام الذي أريد به الخصوص… ثم إن ما يقوله هو اجتهاد في مورد قوله تعالى : {.. والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب}(المائدة : 5) ومعلوم أنه (لا اجتهاد مع ورود النص).
ولئن كان الإمامية والزيدية يذهبون مذهب ابن عمر ] في عدم جواز نكاح المومن للكتابية جاعلين آية المائدة : {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب} منسوخة بآية البقرة : {ولا تنكحوا المشركات} -نسخ الخاص بالعام- فإنه يرد عليهم بأنه لا يجوز ذلك لأن البقرة من أول ما نزل بالمدينة والمائدة من آخر ما نزل.. ومعلوم أن المتأخر هو الذي ينسخ المتقدم لا العكس.. والله أعلم.
وفي الأخير نفتح قوسا للتنبيه إلى حكمة من حكم إباحة تزوج المسلم بالكتابية وحرمة تزويج المسلمة للكتابي.. وهي أن المسلم يعظم موسى وعيسى عليهما السلام ويومن برسالتهما ويعتقد بالتوراة والإنجيل اللذين أنزلهما الله… فلا يحمله إيمانه على إيذاء زوجته اليهودية أو النصرانية بسبب العقيدة، لأنه يلتقي معها على الإيمان بالله وتعظيم رسله، فلا يكون اختلاف الدين سببا للأذى أو الاعتداء.. بخلاف غيرالمسلم الذي لا يومن برسالة نبينا عليه الصلاة والسلام.. فقد يدعوه عدم إيمانه إلى إيذاء المسلمة والاستخفاف بدينها ومعتقداتها وعباداتها… وصدق الله العظيم إذ قال: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدى، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير}(البقرة : 120).
—–
1- جامع البيان للطبري 377/2 – 378.
د. محمد يعقوبي خبيزة