(إننا جميعاً متورطون في مسألة الاحتباس الحراري، فالممارسات غير الحكيمة صارت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، في غياب الإجراءات الحاسمة ستدفع الأجيال المقبلة، ومنها جيلكم، ثمناً باهظاً نتيجة لهذه الممارسات. وتلك تركة آثمة يتعين على الجميع التعاون من أجل تغييرها).
خاطب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتلك الكلمات المؤلمة مجموعة من طلاب وطالبات المدارس الذين زاروا مقر الأمم المتحدة، ليتعرفوا على آلية تعاون الدول واتحادها في كل ما من شأنه حماية وخدمة الإنسان وعالمه، ليتفاجؤوا بحديث الأمين العام الذي أظهر لهم الإرث البيئي الأممي الفاسد الذي هو نتاج ما صنعت أيدي الناس جميعاً- وإن اختلفت نسب مسؤولياتهم – جراء استهتارهم بالتوازن البيئي.
تخيلوا معي عودة الطلاب والطالبات لمنازلهم بعد تلك الزيارة التي تأملوا فيها الإحساس بوميض السلام والتعاون بين الأمم , ليقابلوا بعتمة الحرب الإنسانية البيئية على كوكبهم الذي تحمل ولا يزال يتحمل عثرات أخطاء وإهمال البشر. سيعود حتماً بعض من الطلاب والطالبات لبيوتهم وقد أضافوا هماً مستقبلياً بتلك الطامة الدولية المخجلة التي ستزيد من حمل حقيبة آمالهم البريئة الحالمة , وقد يسأل البعض والديهم أسئلة تدعو للأسى والحسرة مثل :
- هل نحن فعلأً من تسبب في مشكلة الاحتباس الحراري ولماذا؟ وكيف؟
- هل نستطيع حل هذه المشكلة قبل أن تتفاقم وتبدأ خلافات بين دول العالم من حولنا؟
فالأمين العام للأمم المتحدة قد قال لنا : (إن المشكلات التي تنشأ عن التغيرات المناخية قد تؤدي إلى صراعات في المستقبل).
- لماذا لم يكن لكم وللمدرسة دور أكبر في توعيتنا وإرشادنا بهذا الخطر القادم؟.
بعد قراءتي لذلك الخبر المحزن وكإنسان مغربي يعيش على كوكب الأرض , استحضرت أمام مجموعة من الزملاء -في لقاء عابر- بمناسبة يوم الأرض الماضي بعضاً من الآيات الكريمة التي تمثل موقف الإسلام العام من ظاهرة الاحتباس الحراري والتي تستدعي أهمية الوقوف عندها -خصوصاً طلابنا وطالباتنا- تفكرا وعملأً منها :
قوله تعالى : {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس..}(الروم : 41) فما يحدث من إفساد بيئي -وهو نوع من أنواع الإفساد الإنساني- براً وبحراً وجواً هو نتاج أفعال الإنسان الذي ظلم نفسه بنفسه , فيقول العدل تبارك وتعالى : {إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون}(يونس : 44).
وقوله تعالى : {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها}(هود : 61) لقد كرم الله الإنسان على باقي المخلوقات باستخلافه في الأرض لتنميتها وقد حذر ونهى عن الإضرار بعد الإعمار كما في قوله تعالى : {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}(الأعراف : 56). والإنسان -أيا كان دينه أو عرقه أو جنسه- مستثمر في أرض الله وليس المالك لها والمتصرف بها تبعاً لرغباته الفردية , فالأرض ليست إلا محطة للاختبار وبعدها يبعث الله يوم القيامة بني آدم للقائه بجميع أعمالهم عليها.
وقوله تعالى : {ألا تطغوا في الميزان}(الرحمان : 8) والميزان هنا ليس ميزان البيع والشراء فقط بل هو (ميزان الحياة) وكل ما يتعلق بها -من أعمال أو أقوال- كالبيئة وما يتبعها من نعم الموارد الطبيعية جميعها. والحمد لله باعث نبي المعرفة عليه الصلاة والسلام الذي حدد ضمنياً المعيار الشمولي ل( ميزان الحياة ) بعبارة الاتزان والتوازن العبقرية : (لاضرر ولاضرار)، والقدير المقتدر وضع نواميس الأرض والكون بحسبان فيقول سبحانه : {وخلق كل شيء فقدره تقديراً}(الفرقان : 2) ويقول : {إنا كل شيء خلقناه بقدر}(القمر : 49).
وقوله تعالى : {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن}(المؤمنون : 71) لذلك قد تكون بعض أطماع وشهوات الناس مدمرة لكل شيء، والخالق سبحانه وتعالى أعلم بخلقه ولذلك ورحمة بهم أبان لهم مواطن الضعف الإنسانية الكثيرة، فخلق عبده (عجولاً، قتوراً، هلوعاً، ظلوماً، كفوراً).
إن جميع البشر شركاء في بناء الأرض وعليهم التعاون فيما بينهم بالخير من خلال الانتفاع الرشيد بالموارد الطبيعية، والابتعاد عن الجشع والنهم والإسراف الضال بها الذي مؤداه دمار الأرض والمخلوقات.
تساءل أحد الزملاء بعد ذكر تلك الآيات : أكل ذلك في القرآن العظيم ؟ فقلت : كل تلك الآيات في قرآننا الذي نزل على نبينا محمد قبل أربعة عشر قرنا، وقد كان ولا يزال وسيظل القرآن والهدى المحمدي طريقنا الذي نهتدي به في كل شأن من شؤون حياتنا، تلك التعاليم الإسلامية -الإنسانية- مجردة من كل نظام أو سياسة مادية دنيوية، فالدين الإسلامي هو أسلوب حياة ينظم ويقوم حياة الناس حاثاً إياهم شعوباً وقبائل على التعارف والتعاون فيما فيه خير لهم ولباقي مخلوقاته على أرضه. إن موارد الأرض الطبيعية من ماء وهواء وغداء وطاقة وغيرها من نعم الله التي لا تحصى تستوجب شكر الله قولاً بحمده , وشكر الله عملاً بتحكيم الميزان الإلهي العادل -الحافظ لحقوق البشر جميعهم دون تفرقة و تمييز- للحفاظ عليها وصيانتها فهي ملك لله وحق مشاع لجميع البشر مشروطة بشراكة التنمية -التي نتمناها مستدامة- ودرء المفاسد، فالموارد الطبيعية جميعها موروث حيوي مهم ينبغي تسليمه للأجيال القادمة بعد أقصى ترشيد للاستفادة منها في مسيرة البناء والنماء للانسانية على كوكب الأرض في إطار من التعاون والتكامل والوعي المتبادل.
نداء النبوة : قال رسول الله (إن قامت الساعة وبيدي أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل).
أيها الآباء و الأمهات اجعلوا أبناءكم وبناتكم -اليوم- يزرعون شجرة إضافية في حديقة المنزل -هم يختارونها- وليضعوا أسماءهم عليها وعلموهم العناية بها والمسؤولية عنها , فمهم أن يعلموا أن زراعة الشجرة هي بمثابة زراعة شعبة هوائية لرئة الأرض -إضافة لظلها وغذائها- و الأهم أنها كائن جميل يسبح بحمد الله.
ذ. أحمد بنجنان – مكناس