هذه آخر محاضرة ألقاها المرحوم الأستاذ المفضل فلواتي عليه رحمة الله تعالى ويقدر الله تعالى أن يكون موضوعها حول السيرة النبوية العطرة حيث جال بنا في أسرار الإعداد الرباني للنبوة الخاتمة، كان ذلك بمناسبة المولد النبوي لعام 1431هـ بمدينة مكناس.
التهيييئ الرباني هو دائما تهييئ لكل نبوة، ولكن التهييئ الرباني لمحمد هو تهييء متميز عن غيره من التهييئات لجميع الأنبياء والرسل السابقين، وهو تهييئ يشتمل على تهييئين تهيييئ قبلي وتهيييئ بعدي.
أولا : التهييئ القبلي
فمحمد كان له تهييء قبلي -قبل الميلاد- في عالم الغيب وهذا لم يكن إلا له وهو التميز الكبير الذي سوف نتكلم عنه، ثم التهييء البعدي عندما ولد وعندما هيأه الله تعالى ليكون إنسانا كاملا بل هو قمة الكمال. ولهذا سوف نرى أن الله تعالى اختاره هو، واختار أصله واختار بلده واختار أمته، كل ذلك ليس للأنبياء السابقين، ثم كلف الأنبياء السابقين بأن يؤمنوا به قبل أن يأتي وهذا لم يُعط لمن سبقه من الأنبياء وأوصاهم بأن يبلغوا أممهم بأنه سوف يأتي هذا النبي وهذا ما يمكن أن نطلق عليه الإعلان عن نبوة محمد قبل أن يبعث وسوف نذكر بعض النصوص في ذلك -إن أسعفنا الوقت- فليس هناك نبي غيره مبشر به من جميع الأنبياء وموصى باتباعه عندما يبعث، وعندهم صفاته : صفاته الجسمية وصفاته الخلقية وصفات أمته كيف هي وكيف ستكون، هذا كله سوف نتعرض له ثم بعد ذلك ندخل إلى التهييء البعدي.
فأقول : هذا العصر يعرف قدرا كبيرا من التبلد في الإحساس وضعف الشعور بقيمة هذا الدين، هذا التبلد هو تبلد محلي وتبلد عالمي، شارك فيه الإعلام المحلي والإعلام العالمي تبلد وصل إلى أننا لم نعد نعرف أن ديننا هو سلعة ربانية ليست مطلق سلعة لا، وإنما سلعة ربانية، لكن المزورين زوروا لنا ديننا فرسخوا فينا البلادة الحسية والبلادة الشعورية والبلادة الإيمانية مما جعلنا نقبل فهمهم المنحرف للإسلام الذي يسوق لنا عبر إعلامهم، وهذا أمر مؤسف، وسوف نشير لذلك ببعض الكلمات. فقد نجح هؤلاء في مخططهم : لم ينجحوا بالسلاح ولم ينجحوا بالقتال ولم ينجحوا بالمواجهة، ولكن عندما أزالوا لنا القرآن وأزالوا لنا السنة وأزالوا لنا الأخلاق الإسلامية، وأزالوا لنا العادات الإسلامية ثم ملأوا الفراغ بما أرادوا وبما خططوا له وبما به يمكرون لنا حتى صرنا لا نقبل إلا على ما يقدم إلينا عبارة عن مستهلكين نستقبل ولا نرسل لذلك وجب الحديث عن تهييئ الله تعالى لرسوله وصنعه له ليكون أحسن عارض للإسلام، لأن الأنبياء يصنعون ليكونوا أحسن العارضين لسلعة الله، سلعة الله يجب أن يختار لها ويصنع لها من يحسن عرضها لكي تبين وتقام الحجة على الناس. لأن الله تعالى لا يعذب أحدا هكذا ولكن بعد أن تقام عليهم الحجة أي عندما تعرض عليهم السلعة حقيقة ويعرف أصحابها كيف يعرضونها ومع ذلك لا يؤمنون بها فعند ذلك تقوم الحجة عليهم. فالرسول نظرا لكونه يتميز عن سائر الأنبياء لأنه أحسن نبي معرف به وهو إمام الأنبياء لأن الله تعالى أعطاه من صفات كل نبي أحسنها فقال له بعدما استعرض أمامه في القرآن الأنبياء الذين سبقوه : {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}(الأنعام : 90). محمد رسول الله بهذا الكمال فقد اجتمعت فيه كل صفات الأنبياء.
نحن نريد أن نبين مزايا نبينا التي لا نعرفها وينبغي أن نعرفها ويعرفها أولادنا وأزواجنا لكي نعرف إمامنا الذي نقتدي به. تعرف حياته من أول نشأته إلى آخر مماته كل شيء يعرف عن محمد حياته الإنسانية : كيف ولد؟ كيف عاش؟ كيف رضع؟ كيف يتم؟… إلى غير ذلك مما سنشير إليه. هذا محمد الإنسان ومحمد الرسول : محمد الداعية، يعرف كذلك معرفة دقيقة لا مزيد عليها أينما ذهبت في القرآن وفي كتب السيرة وكتب السنة. تعرف حياته الدعوية من: إقرأ باسم ربك…إلى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا}(المائدة : 3). لا يغيب عنا شيء منه. ومحمد لا بأس أن نستأنس ببعض الشهادات وشهادة الدكتور الأمريكي مايكل هارد الذي أرغم على وضعه على رأس قائمة المائة من الرجال العظام الذين كان لهم الأثر الكبير في التاريخ، فبماذا علل ذلك؟ علل ذلك بقوله و>لكنه هو الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين الديني والدنيوي< هذا كلام رجل غربي، وهو يعلم أن الحضارة الغربية لم تستطع أن توفق بين مطالب الجسد ومطالب الروح، وثاروا على الكنيسة لأنها لم تكن تمثل الدين الحق، ووضعوها جانبا وساروا في دنياهم، فاعتنوا بالدنيا وجهلوا ما وراءها ولذلك أصبحوا كما يقول الله تعالى عنهم : {يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون}(الروم : 7) وقال الله تعالى لرسوله : {فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم}(النجم : 28) المسلمون عندهم دنيا وآخرة، دنيا نعيشها لتكون مطية للحياة الحقيقية التي يقول عنها الله تعالى : {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان}(العنكبوت : 64) لأن هذه الحياة الدنيا بعدها مماة لكن الحياة الأخرى هي حياة الخلود لا مماة بعدها وهي الحياة على الحقيقة، ولذلك نجد الإنسان عندما تحضره الموت إذا كان من الذين لم يعملوا للآخرة ماذا يقول؟ {يقول يا ليتني قدمت لحياتي} أي لآخرتي كأن ما عاشه قبل ليس من الحياة بل ليس حياة، بينما الذي قدم لحياته، ونرجو أن نكون منهم تقول له الملائكة: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي}(الفجر : 27).
ولهذا فإن التجديد الديني الحقيقي هو ما ينبغي أن يستهدف إرجاع المسلمين إلى ثقافتهم الحقيقية، إلى ثقافتهم الإسلامية.
أقول لإخوتي، رسول كهذا، ورجل كهذا وكمال كهذا {وإنك لعلى خلق عظيم}(القلم : 4)، هل يحتفل به بالطبول والمزامير وجرح الرؤوس بالشواقر؟ هل يحتفى بذكره بالأمداح والأشعار والغناء وأحيانا الرقص؟ هل يحتفى بذكراه بالأناشيد والوقوف على الأقدام – البعض يحيي الليلة بقول بعض الأناشيد ويضعون إناء ماء ويقرأون عليه المولودية وحتى صلاة العشاء لا يؤدونها، ويكتفون بالأناشيد والماء، وزغاريد النساء، وشرب الماء… ويكونون بذلك قد أعطوا لمحمد حقه -تبارك الله- نحن نقول: الزريعة لازالت متبقية إنما تحتاج السقي والتعهد. هل يحتفى بذكراه بمجرد الاجتماع في المساجد وإحراق البخور، هل هذا يعتبر احتفاء حقيقيا بالرسول الذي نتكلم عنه؟ الرسول الذي اصطفاه الله تعالى لتبليغ دينه، لأن الدين أغلى شيء في الوجود وأحسن شيء في الوجود ينبغي أن يختار له أحسن الناس فلهذا قال الله تعالى: حتى نعرف سنة الله، {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض}(آل عمران : 33). هذا بالنسبة للأنبياء، أما بالنسبة لورثة الأنبياء، فقد قال الله تعالى عنهم : {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا}(فاطر : 32) المسألة مسألة اصطفاء. الدين دين الله والله يختار له. من يحبه، والدنيا يعطيها الله لمن يحبه ومن لا يحب. الدنيا مباحة للجميع، لكن هذا الدين يعطيه الله لمن يحبه. والدعوة بالأخص، يعطيها الله لمن هو شديد الحب له. لأن الإسلام مباح للجميع لكن الدعوة يختار لها النخبة، وليس كل الناس.
1- اصطفاء النسب :
ومن ذلك قول الرسول : >أنا محمد بن عبد الله. إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا، فجعلني في خيرهم بيتا، وخيرهم نفسا<. وقال : إن الله اصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم. وقال >إن الله اصطفى من بني إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم<. وقال: >خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح<، من ذرية آدم كلها، خرج من زواج شرعي.
2- اصطفاء زماني :
يقول : >بعثت من خير قرون بني آدم، قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت فيه<(رواه البخاري). ثم قال أيضا : >إني عبد الله وخاتم النبيئين، وإن آدم لمجندل في الأرض -لازال في الأرض وهو اختاره الله-. وأنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة أخي عيسى، ورأت أمي حين حملت بي، كـأن نورا خرج منها، أضاءت له قصور بُصْرَى من أرض الشام<. واختار له كذلك أن يكون عام مولده عام انتصار للبيت، انتصار على الطاغية أبرهة، فالله تعالى لم ينصر قريشا ولم ينصر عباد الأصنام، ولكن نصر بيته، ورد العدو عن بيته، من أين نأخذ هذه المعجزة، نأخذها من قوله تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} السورة معروفة، لكن الحلاوة، والإعجاز أين هو؟ {ألم تر كيف فعل ربك}، ربك أنت يا محمد، إذن كأن رد الفيل كان معجزة لمحمد قبل أن يولد، فهو ولد عام الفيل.
3- اصطفاء جغرافي :
وكما اختار له الأسرة واختار له الزمان، اختار له البلد الحرام، الذي هو أشرف بلد على وجه الأرض {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين}(آل عمران : 96). وهذا طبعا إشعار لأول مرة، بأنه سيكون رحمة للعالمين كما أنه ولد بالمسجد الحرام الذي هو قبلة للعالمين وهدى للعالمين، إذن المسجد الذي هو قبلة للعالمين وهدى للعالمين، ينبغي أن يولد فيه الرسول الذي هو رحمة للعالمين.
ومن الإعداد الجغرافي لقدوم رسول الله ، نذكر إعادة حفر زمزم التي فجرها الله تعالى لإسماعيل عليه السلام، لنبي ولأم نبي، ولكن وقعت حروب وطالت عليها قرون، فطمرت فلم يعد يعرف لها مكان، وقبل قدوم سيدنا محمد تدخل الله مباشرة فصار عبد المطلب جد الرسول يسمع هاتفا بالليل يقول له احفر طيبة، فيقول له ما طيبة؟ فيقول له كذا، احفر المضنونة في الليلة الثانية، فيقول له فما المضنونة؟، ثم يقول له احفر زمزم، ماؤها لا يوذن، إلى غير ذلك، احفر… لكن أين هي؟ فقال له بالتوضيح المباشر المحسوس، احفرها عند نقر الغراب الأعصم، بين الفرث والدم، اخرج عندما ترى الغراب الأبيض، والغراب الأبيض قليل، عندما ترى الغراب الأبيض، ينقر بين الفرث والدم، هناك احفر. وهذه هندسة ربانية وليست هندسة بشرية.
ثم إن زواج أبيه من أمه فيه عبرة، ذلك أن عبد المطلب عندما نازعته قريش في ماء زمزم ولم يكن له عصبة من أولاده نذر إن أعطاه الله عشرة أولاد ذكور وبلغوا معه مبلغ الرجال حتى يحموه فإنه سيذبح منهم ولدا تقربا إلى الله، فولد له عشرة ذكور فبلغوا مبلغ الرجال وكان أصغرهم وأحبه وأجملهم عبد الله آنذاك قدمه ليذبحه ولكن قريشا منعته، فقال لهم أنا نذرت، ولا يمكن أن أحنث بوعدي، أو أخلف نذري، فقالوا له ابحث لعلك تجد مخرجا، فذهبوا عند عرافة بعيدة فقالت لهم : كم الدية فيكم؟ قالوا لها الدية فينا عشر من الإبل، فقالت لهم اذهبوا فقدموا صاحبكم وعشرا من الإبل واقترعوا عليهم، فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا عشرا… فبدأوا يزيدون عشرا فعشرا حتى وصلت مائة وسار يقدم بالعشرات حتى إذا ما بلغت مائة خرجت القرعة على الإبل، فأعادها مرة ثانية فخرجت على الإبل، فأعادها في المرة الثالثة فخرجت على الإبل، هناك قال : إن ربي قد رضي، وذبحت النوق.
ثم تزوج عبد الله آمنة بنت وهب، ومكث معها شهرين فحملت منه فذهب للتجارة فمات، فلم تنفع معه مائة من النوق ولا ألف ولا غير ذلك، مامعنى هذا؟ معناه، أن عبد الله وجد ليؤدي رسالة هي أن يكون أبا لمحمد ثم بعد ذلك يجب أن يغيب لأنه موجود في الكتب القديمة أن النبي الخاتم، من صفاته الكبرى أن يكون يتيما أن يكون أميا أن تكون له علامة ما بين كتفيه خاتم النبوة، وأن يبعث في الأمة الأمية ليكون ذلك معجزة، ولازالت معجزة إلى الآن.
تلك أمة أمية أنظر ماذا صنعت، ونحن أمة مدكترة ومجازة، ومع ذلك، لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم بالنسبة لكونه فدي بمائة ناقة كان رسول الله يفتخر بذلك، فكان يقول : >أنا ابن الذبيحين<، أي هو ولد إسماعيل الذبيح الأول، وهو كذك ابن الذبيح الثاني. الأول فدي بكبش، وهذا فدي بمائة ناقة. هذا أبو محمد كان وزنه مائة ناقة، أما رسول الله كم كان وزنه؟ عندما جاء الملائكة وشقوا صدره قال زنه بعشرة من أمته فرجحت كفته، فقال زنه بمائة فرجحت كفته، فقال زنه بألف فرجحت كفة محمد ، فقال اتركه، لو وزنته بأمته كلها لرجحها، لهذا فمحمد هو وحده أمة ونحن جميعا نأخذ من هذا الإرث لنكون ما تجمع فيه وتفرق فينا.
4- اخـتـيـار الاســم :
ثم اختار له من الأسماء أفضلها فسماه الله تعالى محمدا، مكتوب هكذا في التواريخ القديمة والكتب القديمة، ومعنى محمدا أي لا ينقطع حمده. وذلك أن أمه آمنة عندما حملت به، قالت : >رأيت كأنه خرج مني نور، أضاءت له قصور بُصرى من أرض الشام، وأتاني آت وقال لي إنك حملت بسيد ولد آدم، فإذا ولدته فأعيذيه بالواحد من شر كل حاسد وسميه محمدا<، إذا فالاسم مختار، ثم جده أيضا جاءه هاتف في المنام وقال سمِّه محمدا وعندما ذهب وكان هذا الاسم غير معروف قالوا لم سميته محمدا قال، أريد أن يكون محمودا في الأرض ومحمودا في السماء. لكنه لم يكن محمدا حتى كان أحمد، وأحمد الذين يعرفون العربية هي من حمد فهو أحمد أي من أشد الناس حمدا فهو أحمد الحامدين ولذلك فهو أحمد لله، كل الأنبياء يحمدون الله ولكن أحمد أحمدهم. فلذلك كان أحمد وسمي محمد ليتكرر حمده في كل وقت وحين والكثير من الناس استهزؤوا به قديما ويستهزؤون به الآن ولا يستهزؤون إلا بأنفسهم فيكفيك أن ترى في كل وقت النداء يعلو فوق كل المآذن : أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله وفي إقامة الصلاة وفي كل جلسة…. فهو محمود في العالم كله. ثم ميزه الله بعد ذلك بأن أنزل عليه سورة الحمد {الحمد لله رب العالمين}، التي نقرأها في كل صلاة ليست موجودة في كل كتاب من الكتب السماوية، عندما تقرأها تذكر أنك مميز بها، وسيكون يوم القيامة رافعا للواء الحمد، أما أمته فهي ستكون أمة الحامدين، وسوف نبقى إن شاء الله أمة الحامدين حتى وإن كثر الكذابون. فنحن أمة مختارة كما كان رسولنا مختاراً، قال ابن مسعود >إن الله نظر في قلوب العباد فاختار محمدا فبعثه برسالته وانتخبه بعلمه، -ليست مسألة عفوية- ثم نظر -وهذه تشرفنا نحن لنشعر بالاعتزاز- في قلوب الناس بعده، فاختار الله له أصحابه، أنصار دينه ووزراء نبيه. فما رآه المؤمنون حسناً فهو حسن، وما رآه المؤمنون قبيحا، فهو عند الله قبيح<. هذا مصداق قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}(البقرة : 143) وقال {كنتم خير أمة اخرجت للناس}(آل عمران : 110)، وقال لنا {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، تراهم ركعا سجدا…}(الفتح : 29) وقال لنا أكثر من ذلك، و{ألزمهم كلمة التقوى، وكانوا أحق بها وأهلها}، اللهم يا رب اجعلنا من المستحقين لها.
5- إعلاء ذكره في الكتب السماوية السابقة وإلزام الأنبياء الإيمان به:
روى الإمام أحمد بسنده أنه موجود في الكتب السماوية السابقة >يا أيها النبيء إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل لا فض ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله يفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا< وقد فتح الله به ذلك ففتحت هذه الأمة الأراضي وفتحت الأعين. وذكر ابن كثير أن الله تعالى أوحى إلى داوود عليه السلام في الزبور. >يا داوود إنه سيأتي بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد صادقا سيدا لا أغضب عليه أبدا ولا يغضبني أبدا وقد غفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأمته مرحومة، أعطيتهم من النوافل مثلما أعطيت الأنبياء وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء، يا داوود إني فضلت محمدا وأمته على الأمم كلها< ألا يحق لهذا النص أن يحفظه أولادنا وأزواجنا ونحفظه جميعا لنحس بالشرف الذي شرفنا به الله، والذين يحسدوننا سوف نأتي إليهم، فقد قال لنا الله أن نقول لهم {موتوا بغيضكم}(آل عمران : 119). وأخرج كذلك أبو نعيم في الحلية قال : >إن أحمد وأمته حمادون يحمدون الله على كل خير وشر يكبرون الله على كل شرف ويسبحون الله في كل منزل نداؤهم في جو السماء، لهم دويٌّ في صلاتهم كدوي النحل، يصفون في الصلاة. ويصفون في القتال كصفوفهم في الصلاة إذا غزوا في سبيل الله كانت الملائكة بين أيديهم ومن خلفهم<. نحن مع الله والملائكة معنا وجنود الله معنا، إذا حضروا الصف في سبيل الله كان الله عليهم مظلا ليس الملائكة فحسب، واقرؤوا قول الله تعالى {سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب}(الأنفال : 12) و{وقذف في قلوبهم الرعب}. ثم المزية الأخرى أن الله ألزم الأنبياء بالإيمان بمحمد فقال: {وإذ اخذ الله ميثاق النبيئين لما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتومنن به ولتنصرنه}(آل عمران : 81). هذا إلزام، ثم قال لهم الله: {آقررتم وأخذتم على ذلكم إصري} أي عهدي {قالوا أقررنا}. قال الله {فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين}(آل عمران : 81) وقال {فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}(ال عمران : 82) (خل المخرفين يخرفوا كما سمعت من عالم يحضر مؤتمرات الحوار والآن لم يعد يحضر فقيل له لم تعد تحضر، قال: إنهم لا يعترفون بنا لأن الآخرين يقولون إن دينهم سماوي ونحن ديننا ليس سماويا وأن قرآننا من عند محمد أنظر إلى تقصيرنا نحن)، وأخبرنا الله تعالى عن واحد من أنبياء بني إسرائيل، الذين وفوا بهذا العهد وبهذا الميثاق، كما وفى به جميع الأنبياء وهو عيسى بن مريم، {وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد}(الصف : 6). وهذه تسمى وفاء بما ألزمه الله به، فهو يقول ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد.
هذا عن الإعداد القبلي وترقبوا في العدد المقبل إن شاء الله تعالى الإعداد البعدي.
ذ. المفضل فلواتي -رحمه الله تعالى