مفهوم العدالة:
اسم العدل: الوسط، مشتق من المعادلة بين شيئين، بحيث يقتضي شيئاً ثالثا وسطا بين طرفين، لذلك كان اسم الوسط يستعمل في كلام العرب مرادفاً لمعنى العدل.
فعن رسول الله في تفسيره لقول الله : وكذلك جعلناكم أمة وسطا (البقرة: 142)، قال: «عدلا، والوسط هو العدل».
ومن هنا فالعدالة من العدل، والعدل يعني تمكين صاحب الحق من الوصول إلى حقّه من أقرب الطرق وأيسرها.
وقد احتل مفهوم العدالة في الإسلام مساحة كبيرة، مردّها إلى التزام الوسطية التي تراها الشريعة الإسلامية عين الصراط المستقيم، واختصره القرآن الكريم في قول الله : فاستقم كما أمرت (هود: 112).
وتجدر الإشارة إلى أن لفظ الوسطية في الشريعة الإسلامية، وإن أطلق عليها أسماء أخرى، إلا أنها في جميع الأحوال تمثل العدل:
على مستوى العقل تسمى “الحكمة”.
على مستوى الاعتقاد بصفات الله تعالى يسمى العدل “مذهب التوحيد”، ويكون الإفراط الذي على طرفه نِحلةَ التعطيل ونفي صفاته تعالى، أما التفريط المقابل في الطرف الآخر فهو في نِحلة تشبيه الخالق بالخلق.
على مستوى الغريزة البشرية يسمى العدل “العفة”.
على مستوى الأخلاق الإنسانية لاسيما ما يتعلق منها بالقوة الغضبية يسمى العدل “الشجاعة” وبذلَ الروح بعشق وشوق لحماية مبادئ الحياة الإسلامية، ويكون الإفراط الذي على طرفه التهوّر الذي هو أصل الاستبداد والتحكم والظلم، والتفريط المقابل في الطرف الآخر فهو الجبن والتوهم والخوف مما لا يُخاف منه.
والعدالة في مفهوم بديع الزمان النورسي هي: المساواة في الحقوق والواجبات في نظر الخالق والخلق، أما العدالة التي لا مساواة فيها ليست عدالة.
و من هنا أيضا؛ فإن العدالة تنبثق من عقيدة الإسلام في مجتمعه، فلجميع الناس في مجتمع الإسلام حق العدالة وحق الاطمئنان إليها، عملاً بقول الله : وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل (النساء: 57).
كما دعا الإسلام إلى عدالة اجتماعية شاملة ترسيخا لفكرة العدل كمبدأ، وتنمية لها كسلوك؛ لأنّ العدل هو أهم الدعائم التي يقوم عليها كل مجتمع صالح. فالمجتمع الذي لا يقوم على أساس متين من العدل والإنصاف هو مجتمع فاسد مصيرُه إلى الانحلال و الزوال.
وبهذا المنطق كان الكتاب الذي عقد فيه الرسول الأخوة بين المهاجرين والأنصار، والتعاون بين المسلمين وغيرهم، يؤكد على جملة من الأدلة التي لا ترَدُّ على أن أساس الدولة الإسلامية قائم على العدالة الاجتماعية، وأن أساس العلائق بين المسلمين وغيرهم هو السلم ما سالموا، وأن مبدأ الحق والعدل والتعاون على البر والتقوى والعمل الاجتماعي، ودفع أذى الأشرار عن المجتمع، هو أبرز الشعارات التي تنادي بها دولة الإسلام، وبذلك تكون الدولة الإسلامية أينما قامت وفي أي عصر نشأت، قائمة على أقوم المبادئ وأعدلها، وهي تنطبق اليوم على أكرم المبادئ التي تقوم عليها الدول، وتعيش في ظلها الشعوب، وإن العمل في عصرنا هذا لإقامة دولة في مجتمعنا الإسلامي تركز قواعدها على مبادئ الإسلام عمل يتفق مع تطور الفكر الإنساني في مفهوم الدولة، عدا أنه يحقق للمسلمين بناء مجتمع من أقوى المجتمعات وأكملها وأسعدها وأرقاها.
منطلقات العدالة الاجتماعية ومصادرها:
1 – العدالة من مقاصد القرآن الكريم:
العدالة مقصد من مقاصد القرآن الكريم الكبرى، قال الله سبحانه وتعالى: إن الله يامر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى (النحل: 90).
2 – دعوة الإسلام الإنسان إلى التناسب مع العدالة المتجلية في الكون:
فالإنسان حين يخالف سُنَنَ العدالة الإلهية السارية في الموجودات، سوف تنفرُ الموجوداتُ منه وتغضب عليه غضبا يستحقّه؛ لأنه كان الشاذّ الأوحد بينها. ومن ثم كان خروج الإنسان عن توجيه الإسلام يحدث إخلالا بهذا التناسب. وبفساد البعض يحصل فساد النظام العام ويعود أثر ذلك الفساد على المجتمع. وهكذا يعود فساد الإنسان وظلمه وخروجه عن منهج العدالة بالشر على أبناء جنسه وعلى الموجودات من حوله.
3 – سيادة العدالة على القوة في الإسلام:
إن القرآن الكريم يجعل “الحقّ” منطلق السلوك في الحياة الاجتماعية بدلاً من “القوة”، ويجعل الغاية مرضاة الله سبحانه بدلاً من “المنفعة”، ويدعو إلى قانون “التعاون” بدلاً من نزعة “الصراع”، ويدعو إلى تجاوز رغبات النفس الأمارة بالسوء، انطلاقا بالروح إلى معالي الأمور، كما أنه يدفع بالإنسان نحو الكمال والمُثل الإنسانية، وبذلك تصبح قوة المبدأ غالبة على مبدأ القوة.