….إبان التحضير لغزو أفغانستان والتحريض عليه أولا ثم العراق بعدها، كانت جل خطابات جورج بوش أشبه ما تكون بخطابات البابا أوربن الثاني إبان التحضير للحروب الصليبية لشحذ همم الجنود والأمراء والرعاع من عامة الناس من أجل تحرير بيت المقدس ومسقط رأس عيسى عليه السلام من (رجس المسلمين الكفرة)!. خطابات بوش لم تختلف كثيرا عن روح تلك الخطابات، ولذلك كان كثيرا ما يدعي بأنه إنما يتحرك بإذن الرب وأنه يخوض حربا صليبية مقدسة وطاهرة. (وكلنا شاهدنا ولا زلنا نشاهد مدى قدسية وطهارة هذه الحرب)! شاهدناها في أبوغريب، وشاهدناها في محرقة الفلوجة وما صاحبها من تدنيس لبيوت الله وتقتيل للمصلين، شاهدناها في محو قرى بكاملها في أفغانستان، وشاهدناها في تقطيع أوصال أطفال وشيوخ ونساء العراق وأفغانستان. فأنعم بها قدسية وأكرم بها طهارة…!!!
طبعا ظهر يومها العديد من المبررين والمتملقين والمنبطحين العرب والمسلمين وأقسموا بمحرجات الإيمان بأن الرجل ما قصد بكلامه الحروب الصليبية وإنما هي زلة لسان واللسان قبحه الله ليس به عظم يلجمه.
وتدور الأيام ويأتي صحافي أمريكي مشهور صاحب قلم أشرف وأنبل من العديد من مثقفينا وأصحاب الرأي عندنا، ليثبت لهم جميعا أن بوش كان فعلا يقصد ما يقول لما تحدث عن الحرب الصليبية وأن لسانه بريء من الزلة التي اتهم بها. إنه الصحفي اليهودي الأمريكي البارز سيمون هيرش، فقد ألقى مؤخرا محاضرة قيمة بكلية الشؤون الدولية بجامعة جورج تاون بالدوحة في دولة قطر تحت عنوان (سياسات أوباما \بوش لماذا لا تستطيع أمريكا أن تتغير؟). ومن جملة ما قال في هذه المحاضرة : “إن الجنرال ستانلي ماكرسطال (القائد المتقاعد لقيادة العمليات المشتركة الخاصة في أفغانستان) هو واحد من بين العديد من الضباط الكبار في الجيش الأمريكي الذين يناصرون أو هم أعضاء في منظمات كاثوليكية مثل : \أوبوس دي\ و\فرسان مالطا\”.
ويضيف الصحفي في هذا الصدد : “لقد كان مستشارو الرئيس بوش يعملون وفق سياسة تقول : سنحول المساجد إلى كاتدرائيات…. هذا ليس موقفا لدى جزء من الجيش بل هي حملة صليبية بكل ما تحمله الكلمة من معنى . إنهم يعتبرون أنفسهم حماة للنصارى، يحمونهم من المسلمين مثلما حصل في القرن الثالث عشر , وهذه وظيفتهم الأساسية”. وفي ختام المحاضرة، أعرب هيرش عن عميق أسفه لأن شيئا لم يتغير مع قدوم باراك أوباما. “فحتى لما احتجنا إلى رجل أسود غاضب لم نحصل عليه” يضيف هيرش ساخرا.
طبعا لقد أثارت تصريحات سيمون هيرش العديد من الانتقادات وأسالت الكثير من الحبر وردود الأفعال.
فقد قال الناطق الرسمي باسم الجنرال ماكرسطال : “إن الجنرال لم يكن أبدا من فرسان مالطا وكلام هيرش عار عن الصحة ولا أساس له”.
أما رئيس الرابطة الكاثوليكية (بيل دونوهيو) فقد رد قائلا : “إن هيرش اعتاد انتقاد جميع الإدارات الأمريكية لذالك لم يكن كلامه عن فرسان مالطا مفاجئا لأحد”.
في حين كان رد الناطق الرسمي للبينتاجون أشبه باعتراف ضمني بكلام الصحفي هيرش حيث قال : “إن هناك أدلة قليلة على مؤامرة أصولية واسعة في الجيش الأمريكي. وبالرغم من بعض الحوادث عن محاولات ضباط في الجيش إقناع عناصر بتغيير دينهم واعتناق النصرانية، إلا أن الجيش الأمريكي يرفض هذا السلوك بشدة”.
وفي جوابه على كل هذه الردود المتشنجة، أوضح هيرش في بيان نشر يوم الخميس الماضي (20\1\11) جاء فيه : “لا أحد قال إن الحرب (غزوأفغانستان والعراق) كانت بالكامل حملة صليبية، ولكن قادة القوات الخاصة ينجذبون إلى فكرة أنها صليبية”.
ملاحظة : للإشارة فسيمون هيرش هو أول صحافي قام بفضح جرائم الجنود الأمريكان في حق سجناء سجن أبوغريب والذي أصبح فيما بعد أكبر من نار على علم للدلالة على جرائم الاحتلال الأمريكي في العالم الإسلامي.
ذ. عبد القادر لوكيلي