قـوانـيـن الـقـرآن الـكـريــم (9) – قـانـون الـرزق


 الرزق أحد متحركين بين الحياد والتأديب

…القانون اليوم بل قوانين زيادة الرزق، ولابد من مقدمة، الله جل جلاله ثبت ملايين ملايين القوانين في الكون: قانون الحركة ثابت، قانون السقوط ثابت، الجاذبية ثابت، خواص المواد ثابت، ملايين بلايين القوانين ثبتها الله عز وجل كي تستقر الحياة، كي يتعامل الإنسان معها تعاملا مريحا، فكل شيء له قانون، والقانون يعني في بعض تعريفاته “علاقة ثابتة بين متغيرين، مقطوع بصحتها، تطابق الواقع، عليها دليل”.

… هذه القوانين ثبتها الله عز وجل، ولكن حرك قضيتين خطيرتين: حرك قضية الصحة وقضية الرزق، فالإنسان قد يمرض، بل إن الإنسان حريص حرصا لا حدود له على صحته و..حياته و.. رزقه.

من هنا، من خلال هذين المتحركين، يأتي التأديب الإلهي. قال تعالى “ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون}(السجدة : 21) {وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}(الشورى : 28).

اليوم الحديث عن قوانين زيادة الرزق، لأن الإنسان حريص حرصا لا حدود له على زيادة رزقه، والحقيقة أن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}(الذاريات :58) ولأنه رازق، وضع قواعد ثابتة تجدها في كتاب الله، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم

لزيادة الرزق، فالذي يرى أنه لابد من أن يزداد رزقه، عليه أن يسلك القواعد التي شرعها الله عز وجل، لا أن يسلك طريقا آخر، لأن هذا الرزق إما أن يكون وفق طريق غير شرعي يسمى رزقا حراما غير مشروع، يسبب تدهور الإنسان في الشقاء، في الدنيا وفي الآخرة؛ وإما أن يكون رزقا حلالا يسبب للإنسان سعادة في الدنيا والآخرة.

النشر في منميات الرزق العشر

> القانون الأول: قانون زيادة الرزق بالتقوى : تقوى الله عز وجل أي طاعته. قال تعالى {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}(الطلاق :2) أحيانا كلمة مخرج توحي أن الأبواب كلها مغلقة، فحينما يتساءل الإنسان: من أين المخرج؟ لحكمة بالغة يغلق الله جميع الأبواب، ويفتح باب السماء حتى يتوجه الإنسان إلى الله عز وجل : {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب}(الطلاق : 2- 3) فمن كان يعاني من ضائقة مالية وهو مقيم على مخالفات شرعية، الحل الوحيد أن يتقي الله فيزيل كل مخالفة، ويأتمر بما أمر الله، وينتهي عما نهى الله عنه، وهذه الآية زوال الكون أهون على الله من ألا تحقق، لأنها السهم الأخير في حل مشكلات الإنسان {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} من كل ضائقة، يجعل له مخرجا من الضيق المادي، يجعل له مخرجا من الضيق المعنوي، يجعل له مخرجا من الإحباط، يجعل له مخرجا من مشكلات قد لا تحل {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} هذا القانون الأول.

> القانون الثاني: قانون زيادة الرزق بالتوكل : الله عز وجل يقول {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}(الطلاق : 3) أنت حينما تتوكل على الله، لا بجوارحك، تسعى جاهدا للأخذ بالأسباب، وبعدها تتوكل على رب الأرباب، تسعى جاهدا لإغلاق كل ثغرة في حياتك، وبعدها تتوكل، لذلك ينبغي للإنسان أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، لكن الله عز وجل يقول : {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} لكن المسلمين حينما ضعف عندهم الإيمان بالله، وحينما تخلفوا عن فهم حقيقة دينهم، جعلوا محل التوكل الجوارح، مع أن محل التوكل هو القلب، أما الجوارح فينبغي أن تتحرك، لذلك رأى سيدنا عمر أناسا يتكففون الناس في موسم الحج فسألهم: من أنتم؟ قالوا نحن المتوكلون. قال كذبتم، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ثم توكل على الله.

> القانون الثالث: قانون زيادة الرزق بصلة الرحم : فقد قال عليه الصلاة والسلام : ((من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أجله فليصل رحمه))

(رواه الإمام البخاري). يبدو أن الناس فهموا صلة الرحم فهما محدودا جدا، يعني في العيد يطل على بعض أقاربه، ويتمنى ألا يجدهم ليضع بطاقة مكان زيارته وجلسته معهم، لكن الحقيقة أن صلة الرحم تعني أن تتصل به، وأن تزوره، وأن تتفقد أحواله، وأن تمد له يد العون، إما العون المادي أو الروحي أحيانا، أو العلمي، لابد من أن يرعى الغني الفقير، ويرعى القوي الضعيف، ويرعى العالم غير المتعلم، صلة الرحم أحد أسباب زيادة الرزق.

> القانون الرابع: قانون زيادة الرزق بالشكر : يقول الله عز وجل {لئن شكرتم لأزيدنكم}(إبراهيم :7) الإنسان حينما يكرمه الله بمأوى يقول الحمد لله، لقد أكرمني الله بهذا المأوى، حينما يكرمه الله بشهادة عالية، أو بمنصب معقول، أو بدخل يغطي حاجاته، أو بزوجة صالحة، أو بأولاد أبرار؛ حينما يعزو هذه النعم الجليلة إلى الله عز وجل، ويشكره عليها، هذه النعم تدوم وتزيد {لئن شكرتم لأزيدنكم} يعني ضمان النعمة لا أن تفكر كيف تهاجم خصومك المنافسين، لا، لا، دوام النعمة أن تستقيم على أمر الله، وأن تشكر الله عليها، شكر النعمة حصن لها، وبالشكر تدوم النعم، والنعمة حينما تعزوها إلى الله أولا، ثم يمتلئ قلبك امتنانا منه ثانيا، ثم حينما تقابل هذه النعمة بخدمة الخلق ثالثا كقوله تعالى : {اعملوا آل داود شكرا}(سبأ :13) فأنت شاكر لها، وهذه النعمة لن تتحول عنك {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}(الرعد :11).

> القانون الخامس: قانون زيادة الرزق بالتوبة والاستغفار : ورد في القرآن الكريم {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا}(نوح : 10- 12) فما دام الإنسان معترفا بذنبه مستغفرا لربه، تائبا من ذنبه فهو في بحبوحة، بحبوحة زيادة الرزق… {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}(الأنفال :33) أي ما دامت سنتك قائمة في حياتهم، في بيوتهم، في أعمالهم، في كسب أموالهم، في إنفاق أموالهم؛ أو وما داموا يستغفرون {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}(الأنفال : 33) هم في بحبوحة، وفي خير، وفي عطاء.

> القانون السادس: قانون زيادة الرزق بالصلاة : أما القانون الذي يلي هذا القانون، وهو الصلاة، فالصلاة عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين، ولا خير في دين لا صلاة فيه. يقول الله عز وجل {وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك}(طه :131) بيت تؤدى فيه الصلوات، يتلى فيه القرآن، فيه انضباط: انضباط أخلاقي، انضباط اجتماعي، العورات مستورة، هذا البيت مرزوق، ومحل تجاري تؤدى فيه الصلوات، وفيه أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وفيه انضباط أخلاقي، وفيه غض بصر، هذا المحل أيضا مرزوق عند الله.

> القانون السابع: قانون زيادة الرزق بالصدقة : أما الصدقة فالله عز وجل يقول، وكلمة رائعة جدا في هذه الآية {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} أية خدمة لأي مخلوق كائنا من كان، هو قرض لله عز وجل {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة}(البقرة :243) لذلك أحد أسباب زيادة الرزق أن تحسن إلى مخلوقات الله عز وجل.

> القانون الثامن: قانون زيادة الرزق بتلاوة القرآن : البيت الذي يتلى فيه القرآن الكريم بيت مرزوق، يقول عليه الصلاة والسلام : ((إن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره))

بل إنه من غرائب الأحاديث أن التوسعة على العيال أحد أسباب زيادة الرزق ((ليس منا من وسع الله عليه ثم قتر على عياله))

لذلك ((يا ابن آدم أَنْفِقْ أُنْفِقْ عليك))

((أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا)).

> القانون التاسع: قانون زيادة الزرق بالجهاد وطلب الحلال : وهو من قوانين زيادة الرزق، فقد قال عليه الصلاة والسلام ((ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب يريد الأداء، والناكح يريد العفاف))

ومن بحث عن الحلال أكرمه الله، يعني حق العباد على الله أن يعين الشاب إذا طلب الحلال.

> القانون العاشر: قانون زيادة الرزق بطلب العلم، قال صلى الله عليه وسلم: ((من طلب العلم تكفل الله له برزقه))…

هذه بعض القوانين التي تزيد الرزق، والإنسان حريص حرصا لا حدود له على زيادة رزقه… إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى…

خبير الجمال الدعوي الدكتور محمد راتب النابلسي 

أعده للنشر ذ. عبد المجيد بالبصير

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>