ما إن خرج رمضان وقد جمع الناس فيه حسنات عظاما حتى زهدوا فيها ورموها واتبعوا الشهوات والفتن المتلاطمة الأمواج..
نعم تركوا عبادة الله كما كانوا في رمضان وآثروا عليها البحار في أبشع الصور يحسبون أنهم مُنَعَّمون في حين أنهم بالأوزار مثقلون..
درسوا في مدرسة رمضان مجانا ولُقنوا الدروس الكثيرة والمتنوعة من خلال هذه المدرسة التي لايلجها إلا من اصطفاه الله، لكن معظمهم رسبوا وقليل من نجح..
كان بعض الصالحين يقفون على أبواب وداع رمضان ومعالمُ الحزن على وجوههم بادية، وعلى ألسنتهم ناطقة، مع أنهم كانوا يجتهدون اجتهاداً لا نستطيعه. فهمُّهم الأكبر في إتمام العمل وإتقانه، ورجاء قبوله.
لقد كان رمضان كوكب إشعاع عمَّ ضياؤه وهناؤه، ومورد خير لا تحصى فضائله وخيراته، فطوبى لمن شمله خيرُه وأدركه فضله، واستمر معه أثره الحسن في استقامة النفس وصلاحها؛ فرمضان -عند ذوي الهدى- شحنة إيمانية مدخرة لما بعد رمضان تملأ الحياة نوراً واستبصاراً.
غصَّت في رمضان المساجد، وكثر الراكع والساجد، والباكي والتالي، والذاكر والباذل ماله في الخير، فما لهذا الجمع بدأ يتصدع، ويقل من بيوت الله تعالى؟! أفبهذا أمرهم رمضان إذا أفل، أهكذا تظهر آثار رمضان؟!
ما لهذا جاء رمضان، وما على هذا أحب أن يفارَق، أين عمار المساجد وأهل الجماعة، أين قراء القرآن، وأين الممسكون لألسنتهم وأهوائهم، لماذا تغيرت الحال وانقلب الواقع؟
لقد شكت بيوت الله -هذه الأيام- فراغها وقلة ارتيادها، وشكت المصاحف هجرانها، وضعف الإقبال عليها، فأين ذلك الإقبال المشهود في رمضان؟
مَن أمر بالصلاة في رمضان أمر بها بعد رمضان وقبل رمضان أيضاً، ومن أمر بقراءة القرآن في رمضان أمر به في غير رمضان أيضا، ومن نهى عن محظورات الأعمال والأقوال في رمضان هو من نهى عنها في غيره.
نعم لا ننكر أن لرمضان خصوصياتِه في النشاط والجد؛ بسبب الجو العام للطاعة، ويظهر هذا خصوصاً في بداية رمضان، ورسول الله يقول: «لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة».
ولكن تلك الخصوصية لا تعني أبداً الترك بالكلية للطاعات والإقبال بالنفس على المعاصي بعد تولي شهر الخير.
ويجب ألا نستحضر دائما قول الله : ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.
فاللهم بصرنا بعيوبنا، وأيقظنا من غفلتنا، ورد بنا إلى دينك ردا جميلا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
زكرياء غازيوي