هل أتى على التراث حين من الدهر لم يكن شيئاً مقبولا، فقد كان المتغربون من بني جلدتنا يصفون المهتمين من الأساتذة والباحثين في التراث العربي والإسلامي وتحقيقه وإن كانوا قلة، رجعيين ومتخلفين.
واليوم وقد رفع الراية من كل فن عدوله وأيقن الباحثون في التراث أن الفضل كل الفضل لمن نقب عن النفائس واستنقذها من يد الأرضة العابثة واستخرجها من سجن الرطوبة المخربة، وأعمل فيها العقل وأخضعها للبحث والتحقيق حتى يخرجها من بين فرث ودم علماً سائغاً للناهلين وزاداً نافعاً للمتعلمين المحتاجين ورواء للمتعطشين والمتلهفين.
ورداً على المثبطين والمتنكرين لفضل السلف والصالحين وإعلانا صارخاً بأن حب الأمة وأبناء الأمة المخلصين -علماء ومتعلمين أساتذة وباحثين- للسلف الصالح وتراثه لن يخفت.
بل إن المحققين ومن معهم أشداء على المثبطين رحماء بينهم تراهم مصممين عازمين يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر المجهود، ذلك مثلهم في البحث والتحقيق {كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً}.
نعم إن الخوض في بحر التراث مهمة من أصعب المهمات لا يطيقه إلا النبغاء والنبهاء ولا يصبر على عقباته الكأداء إلا المصابرون المرابطون على ثغر العلم وصون تُراث العلماء، حافزهم في ذلك قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : >من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة<.
وتخليدا للذكرى الذهبية لتأسيس شعبة اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب – ظهر المهراز – فاس نظم مختبر الأبحاث والدراسات المصطلحية بتعاون مع قطب الامتياز للتراث الثقافي، ندوة دولية في موضوع:
“تحقيق التراث المخطوط والبحث العلمي الأكاديمي”
بتاريخ : 19- 20 رجب 1432هـ الموافق: 21- 22 يونيو2011م بالمركب الثقافي – فاس.
وانطلقت أشغال الندوة بآيات بينات من الذكر الحكيم لتتوالى بعدها الكلمات الافتتاحية للسادة:
- رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله
- عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز
- مدير الخزانة الملكية بالرباط
- ممثل مصلحة التراث والموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف – الكويت
- الأمين العام لمؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)
- رئيس شعبة اللغة العربية وآدابها
- منسق مختبر الأبحاث والدراسات المصطلحية.
وبعد ذلك انطلقت الجلسة العلمية الأولى والتي حملت عنوان:
تحقيق التراث: حصيلة وآفاق.
وتناولت المحاور التالية:
- تحقيق التراث : الواقع والمستشرف.
- أصول التحقيق العلمي :التجربة الغربية.
- تحقيق المخطوط بكلية الآداب ظهر المهراز فاس: الحصيلة والآفاق.
- تطور عملية التحقيق في الأبحاث الجامعية
- التراث النحوي المغربي تحقيقا ونشرا.
وأما الجلسة العلمية الثانية فكانت بعنوان : اتجاهات و مدارس تحقيق التراث وتصدت للمحاور التالية:
- أصول التحقيق وضوابطه: المدرسة المغربية نموذجا.
- التحقيق بين العلم والإبداع.
- جهود المغاربة في تحقيق التراث المغربي الأندلسي: محمد بن تاويت الطنجي نموذجا.
- النص التراثي وإشكال تعاقب التحقيقات. نماذج من التراث النقدي والبلاغي.
- تحقيق تراث أصول الفقه بالجامعة الإسلامية المدينة المنورة.
- نمط عالم ،نمط نفيس: تحقيقات العلامة محمود شاكر في نقد الشعر.
وأما اليوم الثاني: فقد افتتح بالجلسة العلمية الثالثة والتي اختير لها كعنوان: قضايا منهجية في تحقيق التراث وركزت على المحاور التالية:
- من شروط التحقيق العلمي.
- أي عيار للتحقيق العلمي.
- ملاحظات عابرة في التحقيق
- أجرومية تحقيق الوثيقة.
- نحو منهج إحيائي في تحقيق التراث: المخطوط الأندلسي الأعجمي نموذجا
- توثيق عنوان المخطوط: أهميته – قضاياه – ضوابطه.
- من ضوابط تحقيق الكتاب المخطوط
- تجربة في تحقيق كتاب الرسموكي علي بن أحمد في الكلمات العشرينية ومسوغات الابتداء بالنكرة.
وأما الجلسة العلمية الخامسة فقد كانت تحت عنوان: تجارب في تطوير تحقيق المخطوط، وجاءت محاورها على الشكل التالي:
- أهمية الاستعانة بالمعلوميات في تحقيق التراث.
- دور المكتبة الإلكترونية في تحقيق التراث.
- علم المخطوطات الإسلامية.
- الخطوط المغربية الأصيلة.
هكذا مرت ندوة تحقيق التراث المخطوط في جو مفعم بالحرقة والرغبة الأكيدة في اقتحام العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو حل معضلة من معضلات التراث الثلاث : معضلة النص ومعضلة المصطلح ومعضلة المنهج.
وقد واكبت جريدة المحجة أشغال الندوة واختارت أن تشرك القراء الأعزاء فيحمل هم تحقيق التراث كما اختارت كلمة من الكلمات الافتتاحية للدكتور الشاهد البوشيخي بعنوان : “كلمات في شأن تحقيق التراث”.
تابع الندوة وأعد التقرير : عبد الحميد الرازي