ورد في صيام ست من شوال بعد رمضان حديثان اثنان:
أولهما رواه الأئمة مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، عن أبي أيوب الأنصاري ، أن رسول الله قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر»، وفي رواية: «فكأنما صام الدهر».
والحديث الثاني رواه الأئمة ابن ماجة، والنسائي، وأحمد، والدارقطني، والبزار عن ثوبان أن رسول الله قال: «من صام رمضان وستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها (الأنعام: 6-160)».
ويدل الحديثان على استحباب صيام الست من شوال بعد رمضان. غير أن للأئمة أقوالا في الموضوع:
فغير المالكية يرون أن صيامها مستحب مندوب إليه، وأنها تؤدى متتابعة وغير متتابعة، وأن ثوابها يحصل للصائم ولو صامها قضاء أو نذرا أو غير ذلك؛ ومنهم من يرى أن الأفضل صومها متتابعة عقب يوم العيد.
وأما الإمام مالك فيرى صيامها مكروهاً، وقد قال في الموطأ: “إني لم أر أحدا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وأن يُلحِق برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة والجفاء لو رأوا في ذلك خفته عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك”؛ قال الإمام القرافي: “إن الذي خشي مالك رحمه الله تعالى قد وقع بالعجم فصاروا يتركون المسحَّرين على عادتهم والقوانين وشعائر رمضان إلى آخر الستّة أيام فحينئذ يظهرون شعائر العيد”.
ويرى الإمام القرافي أن الصيام يستحب في العشر الأول من ذي الحجة لا في شهر شوال، وقال إن تخصيص شوال بالذكر في الحديث إنما هو للتخفيف، حيث إن الناس اعتادوا الصيام قبله، لا لأن الصيام فيه أفضل منه في غيره.
ورأى الإمام الشوكاني في رأي المالكية مخالفة لنص الحديث؛ غير أن فقهاء المذهب تكلموا في رواية حديث أبي أيوب الأنصاري الذي هو أصل سنية هذا الصيام، فقالوا: إن في سلسلة رواته سعداً بنَ سعيد وهو ممن لا يحتمل الانفراد بمثل هذا؛ فلما ورد الحديث على مثل هذا ووجد مالكُ علماء المدينة منكرين العمل به احتاط بتركه. وعلل الإمام المازري، وهو من شيوخ المذهب، فتوى الإمام مالك باحتمال أن الحديث لم يبلغه أو لم يثبت عنده وإنما وجد العمل على خلافه.
فصيام الست من شوال عندنا نحن المالكية يكره لكن بأربعة قيود:
- أن يصومها متصلة،
- وأن يصلها الصائم بالعيد،
- وأن يعتقد أنها سنة ملحقة برمضان كالرواتب البعدية،
- وأن يظهرها من يقتدى به؛
ففي هذه الأحوال يكون صيامها مكروها. أما إذا انتفت القيود، بأن يكون صيامها متفرقا ومتأخراً عن العيد، ولم يُعتَقَد وجوبُها وأُخفيَ صيامُها، رفعت الكراهة وكان الصيام مستحبا، يقول الإمام المازري، وهو أيضا من أعيان المذهب: “وأما صومها على ما أراده الشرع فجائز”.
العلامة رضوان بنشقرون