ليس خفيا بأن أساس التقدم الإنساني الأرشد، والرقي الحضاري الأفيد، لا يمر إلا عبر تربية الإنسان الفاعل المؤثر في محيطه الفردي والاجتماعي تأثيرا إيجابيا، وتكوينه التكوين المناسب لطبيعته التي فطره الله عليها، اللائق بمكانته التي كرمه الله جل وعلا بها، وبرسالته التي أهله سبحانه لأدائها: رسالة الاستخلاف والإصلاح في الأرض وإقامة العمران البشري على الخير والعدل والتآخي، والنفع والانتفاع.
وليس خفيا الحرب الضروس التي قادها الإنسان لمعاكسة منهج الله تعالى في تربية الإنسان وتعليمه؛ وأجلى هذه الحروب تلك التي دشنتها أوروبا الحديثة بتياراتها العلمانية والإلحادية والصليبية في حملاتها الاستعمارية العسكرية والثقافية على بلدان الشعوب الضعيفة عامة والشعوب الإسلامية منها خاصة، وما ولدته تلك الصور من الغزو والمحو والتغريب والتذويب من إبعاد الأمة عن أصولها، وإضعاف قدرتها على الاستقلال في تدبير شأنها العام والخاص. ولقد كان قطاع التربية والتعليم أهم قطاع محيت منه مقومات الأمة الحضارية أو كادت، وأفرغ من قدرته على تخريج المسلم العالِم الرباني المتشبث بقيمه الإسلامية والمتفاعل إيجابا مع محيطه الاجتماعي والإنساني.
ولقد كان من مصائب التأثير السلبي للاستعمار على تعليمنا هو التحكم في السياسات التعليمية وفلسفتها التربوية؛ مناهج وبرامج، غايات ومضامين، كما وكيفا. الأمر الذي جعل بوصلة التربية والتعليم تنحرف أكثر في اتجاه ما يناقض الذات ويهدم ما تبقى من المقومات.
وتزداد حاجة الأمة إلى أن يعود أبناؤها، كل من موقعه الخاص وبقدر مسؤوليته، إلى إعادة بناء تعليمنا على أساس الوحي قرآنا وسنة وسيرة، وما ارتبط بذلك من علوم خادمة للوحي من أجل تخليص تعليمنا من كل أشكال التبعية والذيلية، وإنقاذ الأمة من كل بلايا التغريب والتغييب.
إن تعليمنا في حاجة قوية وعاجلة إلى إعادة تأسيسه على منهاج إسلامي متكامل في أهدافه ووسائله، وفي مقاصده وقواعده ، وفي أشكاله ومضامينه، وإعادة صياغته وفق منظومة تربوية يُبَوَّأُ فيها الوحي وعلومه مركز الصدارة كمّا وكيفا، وفي مختلف أطوار التعليم ومسالكه وشعبه وتخصصاته، لأنه بقدْر ما يكون الوحي حالاًّ في جسم التعليم والتربية، بل وفي جسم الأُمَّة كله لا يستثنى من ذلك شيء، يكون الخير والصلاح والسداد والفلاح.