ساهموا ولو بفكرة!!! التكافل الاجتماعي هو الوجه الآخر للعدالة الاجتماعية فالاثنان يكملان دورا واحدا يتعلق بالمحافظة على اتزان المجتمع واستقراره، فالأخذ من الأغنياء لإعطاء الفقراء يزيل الحقد والغل من النفوس، ويدفع الفقراء للإحساس بأهمية وجود عنصر الأثرياء في المجتمع، كما أنه يشعر الأغنياء بأن لهم دوراً مهماً في جعل حياة الآخرين أكثر سعادة ويسر. ويعني التكافل الاجتماعي أن يتكفل المُجتمع بشؤون كل فرد فيه من كل ناحية من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية. وقد دعت جميع الشرائع السماوية الإنسان إلى التضامن مع أخيه وترسيخ مبدأ التكافل في المجْتمع الإنساني، وجاءت بعد ذلك الشرائع الوضعية تسير على هذا المبدأ السّامي ففرضت الضّرائب على الأفراد في سبيل المصلحة العامة، وفرضت كذلك العقوبات على الخارجين عن القوانين، وذلك من أجل تحقيق السلام الاجتماعي، واعتبرت هذه الشرائع أن الفرد عليه واجبات نحو المجتمع كما له حقوقا عند المجتمع كذلك. وعلى ما هو مفصل في كتب الفقه الإسلامي فقد أوجب الإسلام على الأغنياء من الأقرباء أن ينفقوا على الفقراء والعاجزين عن الكسب من أقربائهم، ونادى بالتعاون بين أفراد المجتمع وطالب الموسرين لمساعدة المعوزين، وشجع على البر وفعل الخير والتكفل بإطعام الجائع وكسوة العاري وعلاج المريض وتعليم الأطفال وتربيتهم وضمان الحياة الكريمة للعاجزين عن الكسب من الشيوخ واللقطاء واليتامى، يقول الله تعالى: {مثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} وقال عز وجل أيضا: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عُضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمى”، وغيرها من الآيات والأحاديث التي دعت إلى بث روح التعاون والتضامن والتكافل بين المسلمين. صور التكافل هناك صور متعددة للتكافل الاجتماعي كما يؤكد المفكر والباحث د. عبد الله علوان، يمكنها حال التقيد بها أن تحقق العدالة الاجتماعية بين المسلمين، ومن ذلك:
- الهدايا بين الناس، فهدفها غرس المحبة والتآلف بين القلوب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا)، وروى البخاري عن عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها، ويمكن أن تصبح وسيلة فعالة للتكافل إذا كانت في صورة مبلغ مالي أو هدية عيينة يمكن بيعها والاستفادة من ثمنها بالنسبة للأشخاص الذين يتحرجون من طلب المساعدة.
- وهناك أيضا مبدأ الإيثار فمما يدل على حب الله ورسوله والإيمان الصادق الإيثار، وهو تقديم الغير على شهوة وملذة النفس الدنيوية رغبة في الأجر، وهو من أرفع خصال درجات الإيمان؛ لأن المحققين له قلة قليلة، ولهذا امتدح الله الصحابة الكرام من الأنصار في المدينة المنورة بهذا الشرف العظيم:{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقد ثبت في سبب نزول الآية قصة عجيبة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود -أي جائع ومتعب- فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يضيف هذا الليلة؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله -أي بيته- فقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: قال لامرأته: هل عندكِ شيء؟ قالت: لا، إلا قوت صبياني، قال: فعلِّليهم بشيء، وإذا أرادوا العشاء فنوّميهم، وإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج، وأريه أنا نأكل، فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين (أي جائعين) فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لقد عجب الله من صنيعكما البارحة).
- وهناك أيضا الوصيَّة وهي مشروعة في الإسلام؛ بقول الله تعالى: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده”، وهي أن يجعل الإنسان جزءاً من ماله لإنسان معين غير الورثة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا وصية لوارث)، وذلك أن الوارث سيأخذ من مال الميت، فلا حاجة للوصية له. والوصية تكون بالثلث فأقل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: “الثلث والثلث كثير”، وذلك حتى لا يترك الميت ورثته فقراء، وهي صورة من صور التكافل ووسيلة من وسائل تحقيق التعاضد والتكافل بين المسلمين؛ لأن فيها عطفاً وإحساناً، خاصة إذا ما كان الموصى له فقيراً محتاجاً.
- والأوقاف كذلك من الوسائل التي يتحقق بها التكافل الاجتماعي، وهي تعد من الأشياء التي ينتفع بها العبد بعد موته وينفع به المساكين والفقراء، وتشمل الأموال والعقارات التي يوقفها على ما يعود بالنفع للمحرومين، وذلك كمن يوقف مزارع لفقراء معينين أو لأهل بلدة معينة،أو محلات تجارية وغيرها؛ ليعود صالحها للمحتاجين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٌ جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له”.
- أما الزكاة فتأتي بالطبع على رأس تلك الوسائل باعتبارها أول نظام مالي إسلامي وواجب اجتماعي يقوم به المسلمون تُجاه فُقرائهم، فهي أول التزام مادي فرضه القرآن على أغنياء المسلمين في أكثر من سبعين موضعا، يقول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}، وكثيرا ما اقترن ذكرها بالصلاة لذا يجب أن يكون شأن المسلمين فيها أو شأنها عندهم جميعا كشأنهم في الصلاة، يقول الله عز شأنه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. ويقول الداعية الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن القحطاني: إن الزكاة فُرضت على القادرين من المسلمين من غير منٍّ ولا أذى لينتفع بها الفقراء والمساكين والعجزة، ويرتفع مستواهم ويتحسن حالهم ويعيشوا عيشة كريمة تليق بالإسلام، ولينفق منها على المصالح العامة في البلاد، فهي تشريع يحفظ للفرد استقلاله، ويحفظ للمجتمع حقه على الفرد في المعونة والتضامن.
التكافل .. والأمن الاجتماعي يعد الأمن الاجتماعي جزءاً من مفهوم الأمن القومي والأقرب أن يكون داخلياً وعلى الرغم من أن مفهوم الأمن القومي أكثر ما يرتبط بالشؤون الخارجية ولكن يمكن القول إن العوامل الداخلية المؤثرة فيه ليست أقل من العوامل الخارجية، وهو يعنى عدم الخوف من وجود خطر على القيم الحياتية، أي أن وجود الأمن القومي دليل على عدم وجود ما يهدد القيم المكتسبة، وإذا فقد الأمن الاجتماعي يصبح المجتمع مضطرباً مذبذباً وقد يخل بأسس النظام الاجتماعي وقد تتغير العلاقة بين طرفي العقد الاجتماعي. محور الأمن الاجتماعي تعتبره الكاتبة الإسلامية/ منال الفضل أبرز المحاور المفصلية في قضية التكافل الاجتماعي باعتبار أن العيش تحت مظلة السلام الاجتماعي وفقاً لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}، يعني احترام حقوق الآخرين وعدم النيل منها كحرمة النفس والأموال والأعراض مما يدعو إلى الأمان النفسي والاجتماعي والتوافق والانسجام واللاصراع واللاتنافر، وهو ما يحقق التكافل الاجتماعي ضمانا للنفس وحماية للوطن من المشاحنات التي تعصف بأمن مواطنيه. وتقول منال إن التكافل أيضا يعني المزيد من تأييد الروابط التي تجمع بين المسلمين ويُراعى من خلالها أن يؤدي الأخ حق أخيه عليه، هي تشير في ذلك إلى ما أورده الإمام الغزالي في كتابه “إحياء علوم الدين” من التركيز على الأخوة الرابطة بين الناس، وبين لها حقوقاً:
أولاها في المال،
وثانيها الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات والقيام قبل السؤال ويقدمها على الحاجات الخاصة،
أما ثالثهما ففي اللسان بالسكوت مرة وبالنطق مره أخرى. بالسكوت عن المكاره، والعفو عن الزلات والهفوات،
ورابعها: الدعاء للأخ في حياته وبعد مماته وكل ما يحبه لنفسه وأهله،
والحق الخامس: الوفاء والإخلاص،
والسادس: التخفيف وترك التكليف والتكلف فالأخوة ليست إلا شعوراً بالتعاطف. كيف تساهم في التكافل قد يرى البعض أنه عاجز عن الإيفاء بإحدى الوسائل السابقة فيما يتعلق بتحقيق التكافل الاجتماعي لظروفه الخاصة وقلة حيلته، ولذا فإن هناك وسائل أخرى ذكرها الشيخ محمد بن عثيمين في كتاباته تبدو بسيطة لكنها ذات نفع كبير ومن ذلك:
> الجائع والمحتاج: إذا وجد جائع بين ظهراني المسلمين، وجب عليهم إطعامه، وهذا يعد من فروض الكفايات التي إذا قام بها البعض سقط الحرج عن الآخرين، ولا يصح في شريعة الإسلام ولا يجوز في عرف الشهامة والمروءة أن يرى المسلم جاره أو قريبه يتلوى في العري والجوع والحرمان، ولا يقدم له معونة من مال أو لباس أو طعام، أو يرى الغريب الذي انقطعت به السبل ثم لا يضيفه.
ولهذا فقد ثبت في البخاري عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- أن أصحاب الصفة كانوا أناساً فقراء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس”. وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من كان معه فضل ظهر -أي مركوب- فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصناف المال ما ذكره، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل”.
> الأضاحي: والأضحية هي ما يذبحه الإنسان يوم عيد الأضحى ، وقد سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة طيبة في الأضحية تدل على الرحمة والاعتناء بالآخرين، حيث كان يأكل ثلث الأضحية، ويهدي ثلثها، ويتصدق بثلثها). وهذا يدل على تمام التعاضد والتكافل والنظر إلى الآخرين. وقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإهداء والتصدق في يوم فرح الناس؛ لأنه كيف يحل أن يفرح قلة من الناس ويبأس آخرون؟.. هذا لا يصح في نظام الإسلام، وعدله. > صدقة الفطر: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين)، وفي رواية لأبي داود من حديث ابن عباس ” فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات “. والوجوب هنا ليس على المكلف -بمعنى أن إخراجها ليس على المكلف فقط- بل تخرج على كل أفراد الأسرة لا يستثنى من ذلك أحد، وهي طهرة للصائم من اللغو والرفث، كما أنها طعمة للمساكين، وفرحة لهم يوم العيد.
> كفارة اليمين: من حلف يميناً ولم يوفِ بما حلف عليه- كأن يقول: (والله لأفعلن كذا) مصمماً وعاقداً عليه قلبه، ولم يفعل ذلك الفعل- وجبت عليه الكفارة، والدليل قول الله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. وكذلك من أفطر في رمضان لمرض أو شيخوخة ولا يستطيع القضاء، وجبت عليه الكفارة بدلاً عن القضاء فيطعم عن كل يوم مسكيناً. وهذه الكفارات شرعت لحكم عظيمة منها أنها تطهير للنفس من درن المخالفة، وكذا شرعت رحمة بالمحتاجين والفقراء.
نـاديـة المتـوكل