ما الذي تخلفه بعد الممات، وما الذي تقدمه ليوم الحساب، تلك هي القضية، فانتبه! في يوم الجمعة 9/11/2012 نشرت قناة الجزيرة تقريرا خلاصته أن رجلا تركيا اسمه علي كترجي أوغلو بنى مسجدا، هو الأكبر في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، ومدرسة علمية هي الأكبر أيضا، واستوقفني في التقرير أمران: الأول أن الرجل أنفق على هذا المشروع بسخاء، فلما سئل عن تكلفة البناء قال: عندما تعمل شيئا لله فلا ينبغي عليك أن تحسب ما دفعت، لكن الخبراء قدروا أن المبلغ أكثر من مائة وثلاثين مليون دولار، والأمر الثاني أن الرجل بناه بقصد أن يجده بين يدي الله تعالى، فإنه قال: هذا مشروع بنيته لما بعد الممات. هي رسالة إلى كل صاحب مال قبل فوات الأوان على لسان هذا الرجل الصالح تقول:
لا تنس -أخَيّ- أن ما عندك من مال هو مال الله تعالى، أعطاك إياه ليبلوك فينظر ما تصنع فيه. لا تنس أن ما بيدك من مال يمكن أن يكون سببا في إسلام الكثيرن، وتثبيت إيمان قوم آخرين.
لا تنس أن الأمة في حاجة شديدة إلى ما وهبك الله من مال.
لا تنس أن مالك ومال إخوانك هو المفتاح لنشر نور القرآن، وبث علومه في المشارق والمغارب.
لا تنس أن سيدنا أبا بكر جاء بماله كله، حين علم أن الأمة احتاجت إلى ماله، كما هو معروف في قصة الهجرة.
لا تنس أن سيدنا عثمان رضي الله عنه جهز جيش العسرة بثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها، فإذا قلنا إن قيمة الجمل الواحد عشرة آلاف درهم فإن مجموع ما قدمه عثمان رضي الله عنه هو ثلاثمائة ملايين درهم، دون احتساب ما تحمله على ظهرها، وأنه نثر في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف دينار، حوالي: أربع كلو گرامات وثلاثمائة وخمسين غراما من الذهب، فقال له عليه السلام: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم. لا تنس أن سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه جعل عيرا له من سبعمائة راحلة بما تحمل في سبيل الله، أي سبعمائة مليون درهم على فرض أن قيمة الجمل عشرة آلاف درهم وهي أقل من قيمته الحقيقة بكثير قطعا، ودون احتساب ما على ظهرها، وكان أهل المدينة عيالا عليه ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضي ديونهم من ماله، وثلث يصلهم. لا تنس هؤلاء وأمثالهم، فإنهم كثير، ولا تنس أنك ستلقى الله كما لقيه من سبقك منهم فانتفعوا بما قدموا.
ذ. امحمد العمراوي من علماء القرويين amraui@yahoo.fr