نسبه وولادته : هو أبو علي بن محمد ـ فتحا ـ بن علي بن حمو العلمي ، ينتهي نسبه إلى إلشرفاء العلميين بجبل علام بالشمال وخاصة مولاي عبد السلام بن مشيش القطب الصوفي الشهير الذي ينحدر بدوره من شجرة الشرفاء الأدارسة بالمغرب الذين ينتهي نسبهم إلى البيت النبوي من سيدنا علي رضي الله عنه وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان شيخنا سيدي علي علمي ـ كما كتب لي ـ يعتد بنسبه الشريف ويعتز به، لما له من صلة بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وإن كان لا يعتد بالنسب الخالي من الاقتداء به والسير على هديه صلى الله عليه وسلم”. ولادته : أما عن ولادة الشيخ على علمي شنتوفي فيحكي بنفسه في مذكرته بقوله: (ولدت سنة 1364 هـ/1944م بدوار يطلق عليه “الدشار”(1) بجانب “مسجد السدرة”(2) وهو الموطن الذي استوطنه جد العلميين الأول، الذي خرج من سماتة(3) من بني عروس. ولد من أبوين كريمين: مَحمد ـ فتحا ـ بن علي الحامل لكتاب الله، وكما يحكي عنه ابنه سيدي على رحمهما الله تعالى أنه “كان رحمه الله وقافاً عند حدود الله ما استطاع، يتلو كتاب الله آناء الليل وآناء النهار، يساعده على ذلك الإمامة التي استغرقت جل حياته، يحيي به ليله، وقلما ـ يأتي عليه الثلث الأخير من الليل وهو نائم وهذا في حدود معرفتي وتعقلي ـ نرجو له القبول من الله، بالرغم من محدودية ثقافته الشرعية التي لا تتجاوز معرفة الأركان الخمسة، والحلال والحرام، وما يتعلق بالفروض العينية، وفي آخر عمره بعد ما أتم رسالته مع أبنائه، كرس حياته للحج والعمرة، وبجانبه زوجته، لا تفارقه ولا يفارقها”. ومن أم اسمها فاطمة بنت أحمد، قريبة النسب من الأب، وهي أمية، لا تقرأ ولا تكتب، لكنها زوجة الفقيه، وابنة الفقيه، مركزها كان يفرض عليها أن تتعلم ولو بالسماع، لأنها تعد مرجعا لنساء عصرها، وبالأخص في الفروض العينية، من صلاة وصيام، وزكاة وحج وسيرة نبوية وقصص قرآنية.. عن أمه أخذ كثيرا من المبادئ الأولية في الثقافة الإسلامية والشرعية والتوجيهات والإفادات والنصائح التربوية.
نشأته وتعليمه : في هذا الجو العلمي الفقهي والتوعوي ـ الأب الخاشع المتورع الوقاف على حدود الله، يقرأ ليل نهار، والأم المستشعرة للمسؤولية نحو الواجبات والحقوق عليها انطلاقا من بيت الزوجية إلى الجيران بل المدشر كله ـ نشأ سيدي علي علمي شنتوفي يدرس ويتعلم قولا وسلوكا بالنصائح والإرشادات والحكم والأمثال، وسلوكا بما يلاحظه من أفعال وتصرفات من أبويه، حتى وإن كبر، ورأى أمه تتألم على خطأ بسيط ارتكبه مع إحدى نساء مدشرها وجيرانها، فذهب يهون عليها ذنب هذا الخطأ فأقحمته بقولها: يا ولدي (إن حقوق العباد صعبة، صعبة جدا) حتى يدرك قيمة حقوق الناس وخطر الاعتداء عليها. وبموازاة هذه التربية والتعليم كان يتعلم الكتابة وحفظ القرآن بكتاب مدشره. وقد أصبحت ظاهرة الرحلة ـ أو ما يسمى في مصطلح الطلبة وذويهم، بل القبائل التي شاعت فيها هذه الظاهرة بالتخنيشة”ـ لهذا المقصد الأسنى سنة متبعة عند أهل هذه المنطقة -منطقة اجبالة- لما اشتهرت به قبائلها من احتضان فقهاء متضلعين في القراءات وعلومها، وسخاء أهلها وإكرامهم للطلبة الوافدين إلى مداشرهم، لهذا الغرض وهذه الغاية. غير أنه لما لم يجد بغيته كاملة عاد إلى مسقط رأسه وقضى هناك ما بقي من السنة، حتى حان وقت الدخول إلى المدرسة فاتجه إلى مدينة فاس، والتحق بمدرسة حرة لعله يقطع المراحل بسرعة، لكن التجربة كانت ناقصة، فعاد إلى القرويين في السنة القابلة، وقضى في مسجد الرصيف يدرس على العلماء الأجلاء والفقهاء الفضلاء سنتين، لأن هذا المسجد كان مختصا بالطور الابتدائي، وفي السنة الثانية زاوج بين القرويين والمدرسة الحرة، ورشح للشهادة الابتدائية فوفقه الله سبحانه وتعالى في النجاح فحصل على الشهادة الابتدائية. وعن ولوجه المدرسة العراقية يقول الشيخ سيدي علي العلمي رحمه الله تعالى:”ثم دفعتني الأقدار إلى المدرسة العراقية، فوجدت فيها الإعلان عن مباراة الولوج إليها، وشاركت فيها ووفقت إلى الالتحاق بأولى إعدادي، ثم قضيت فيها الإعدادي وقسم المعلمين”. ولما تخرج شيخنا حفظه الله ورعاه معلما، أخذ يزاوج بين التدريس والدراسة بعد انتقاله إلى مدينة فاس، فحصل على شهادة الباكلوريا. ثم الإجازة العليا في الشريعة التي خولت له الالتحاق بالتعليم الثانوي وذلك بتاريخ 13-10-1973م.
شيـوخــه : من خلال المراحل التي قطع شيخنا سيدي علي علمي شنتوفي في حياته التعليمية والدراسية ابتداء من حفظ القرآن الكريم إلى أن حصل على الإجازة في العلوم الشرعية يتبين كثرة شيوخه وتنوعهم ومن بينهم في حفظ القرآن ورسمه وضبطه:
- والده الفقيه سيدي محمد -فتحا- بن علي بن حمو بن عمر. – الفقيه سيدي عمر بن صالح.
- الفقيه سيدي أحمد بن محمد.
- الفقيه سيدي محمد -فتحا- بن عليلو. – الفقيه سيدي عبد السلام بن عمر وهذا ينوه به كثيرا، وذلك لتأثره به. أما شيوخه الذين غادر موطنه من أجل الأخذ عنهم رسم القرآن وضبطه ودراسة علم الأوراق في القبائل الجبلية بالمنطقة، فلم يذكرهم، ولم يذكر سوى العلماء الذين عندهم العلوم بمدينة فاس ومنهم على سبيل المثال ممن تتذكر:
- الشيخ العالم العلامة سيدي جواد الصقلي الرجل الذي كان لا يخاف في قول الحق لومة لائم رحمه الله، وتغمده برحمته الواسعة.
- الشيخ العالم العلامة سيدي العابد الفاسي الذي كانت امتحاناته الشفوية عبارة عن ندوة علمية.
- الشيخ العالم العلامة سيدي عبد السلام الطاهري الورع الذي كان منزله عبارة عن نادي التعليم، وكان عضوا في جمعية بناء مسجد حي المصلى ولما طلب منه أن يوقع على هدم صومعة المسجد بعد بنائها امتنع وقال: أنا أوقع على البناء لا على الهدم رحمة الله تعالى عليه.
- الشيخ العالم العلامة سيدي العربي الشامي.
- الشيخ العالم العلامة سيدي عبد العزيز بن الخياط.
- الشيخ العالم العلامة سيدي الوليد المريني.
- الشيخ العالم العلامة سيدي الوليد المزغراتي.
- الشيخ العالم العلامة سيدي محمد الأزرق.
- الشيخ العالم العلامة سيدي يوسف الكتاني.
- الشيخ العالمة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ. وغيرهم الكثير وعلى رأسهم أيضا السادة أساتذة المدرسة العراقية بفاس، وأساتذته في كلية الشريعة جامعة القرويين.
الشـواهـد الـمحـصل عليها: لقد حصل شيخنا الفاضل سيدي علي علمي شنتوفي رحمه الله تعالى على الشواهد العلمية التالية:
- شهادة الباكلوريا سنة 1968. – شهادة الإجازة العليا في الشريعة الإسلامية سنة 1973م. كما حصل على شواهد مهنية التي منها: – شهادة الدروس العادية للمعلمين سنة 1965 م.
- شهادة الكفاءة التربوية سنة 1966م.
الـمشاركة في الـمقاومة: إن المستعمر الغاشم لم يعش ولو لحظة يسيرة مستقر البال مرتاح الضمير باحتلاله المغرب بل عاش مضطربا قلقا متصدعا، وذلك بما لاقاه من مقاومة قوية مستمرة من سكان المغرب مدنا وقرى، علماء وطلبة وعمالا وفلاحين، رجالا ونساء، مما دعا هذا المستعمر إلى البطش والتنكيل بهم والزج بهم في السجون حتى الطلبة الغرباء الذين غادروا وطنهم ومسقط رأسهم، لا من أجل مقاومة المستعمر والدفاع عن أرضهم وبلادهم، ولكن لحفظ القرآن ودراسة العلم، وفعلهم هذا بالطلبة خصوصا كان حقدا على الإسلام والمسلمين، لأنهم كانوا يرون الإسلام ودستوره القرآن هو الوازع الذي يوجع شعورهم ضد الكفار المستعمرين ويحرضهم على الجهاد، خصوصا وأنهم سمعوا ممن سجن وعذب عذابا شديدا إلى أن أعدم -ومع ذلك بقي مصرا على قوله- من هذه الأقوال: (إننا لن نموت، إن من يموتون في سبيل الله يبقون على الدوام أحياء)(4)، (أنا فخور بأن أموت من أجل بلدي، إني أهب حياتي لملكي ووطني وديني)(5). وهذا ما دعا المستعمر أن يلقي القبض على الطلبة في البوادي وخصوصا الغرباء، لأنهم يظنون فيهم أنهم يحرضون السكان على الجهاد والمقاومة، فقد حكى الشيخ علي علمي شنتوفي رحمه الله تعالى عن رحلته للتخنيشة في قبيلة زرهون : وبالتحديد قرية بني يسف حيث قال ” إننا لم نمكث فيها إلا عشرة أيام ثم ألقي علينا القبض وأودعنا السجن لمدة خمسة أيام، وحكم علينا القيام بالأعمال الشاقة، ثم أفرج عنا من طرف الحاكم الفرنسي بشرط العودة إلى مسقط الرأس، لكن لم نعد بل انتقلنا إلى قرية تلغزة في نفس القبيلة… وما استقر بنا المقام حتى جاء الخبر باغتيال الخليفة، ودفن تحت الحراسة المشددة، وفي الليل أخرج من قبره واحرق وذلك جزاء لظلمه، وهو الخليفة الذي ألقى علينا القبض”. ولربما سائل يسئل ـ كما يقول سيدي علي علمي شنتوفي رحمه الله تعالى ـ “لماذا هذه الانتقالات المتكررة ؟ فأقول: كانت هذه الانتقالات لسببين:
- الأول: كانت بسبب أذناب الاستعمار الذين كانوا يطاردوننا في كل مكان، ويضيقون علينا من أجل العودة إلى مسقط رأسنا. -
الثاني: عندما كنا نستقر في مكان نسمع بمكان أنفع وأفيد فننتقل إليه “. الـمهام التي زاولها الشيخ سيدي علي علمي شنتوفي: إن شيخنا علي علمي شنتوفي منذ أن عرفته وهو رجل حيوي ونشيط، يعمل بجد واجتهاد يحب الخير للمسلمين، ويسعى في فعله، يرغب فيه ويقوم به، وهذا ما لاحظته فيه بعد سن الشباب، فكيف كان في عنفوان شبابه بعدما رأينا سيرته العلمية في صغره إلى أن تخرج معلما، وأخذ يرتقي علما وعملا، ومن بين هذه المهام: > التعليم، بدأ مهنة التعليم معلما سنة 1965م حيث عين بمدرسة: مجموعة مدارس بقبيلة الحياينة أولاد عمران قضى فيها ثلاث سنوات، ثم انتقل إلى فاس للتدريس. ولما حصل على شهادة الإجازة العليا في الشريعة سنة 1973م التحق بالتعليم الثانوي فعين بثانوية التعليم الأصيل في 1973-10-13، وبقي في هذه المؤسسة إلى أن منح التقاعد النسبي بطلب منه سنة 1985م وفي مرحلة حياته المهنية في التعليم وخصوصا في ثانوية التعليم الأصيل يقول: كانت أحلى أيام حياتي حتى حصلت على التقاعد النسبي”، ويقول: عن تقاعده النسبي رغم أنه هو الذي اختاره وطلبه: وكان خطأ قاتلا في حياتي التعليمية. > خطة العدالة ـ وعن هذه المهنة يحكي في مذكرته كيف التحق بها، وعمله فيها فيقول: ” بعد الخروج من التعليم، وتحت إلحاح بعض الأصدقاء والأقارب، التحقت بخطة العدالة، وقضيت شهرين في معهد القضاء بالرباط، وبعد التخرج التحقت بمحكمة التوثيق بقرية أبا محمد، ورأيت في الميدان ما لم يخطر لي على بال، فانسحبت منها بعد ثلاثة أشهر وعدت إلى ميدان الشرف والكرامة، ميدان التعليم”. > مدير مؤسسة حرة للتعليم الخصوصي -تسمى “معهدي” الكائنة بجوار المحكمة الابتدائية بفاس- خصها للتعليم الثانوي بشعبه المتنوعة إلى الآن. وقد حظي بشهادة تقديرية شرفه بها الملتقى الرابع لرابطة التعليم الخاص سنة 2009م بأكادير.
آثــاره : إن أستاذنا وشيخنا سيدي علي علمي شنتوفي فقيه مثالي وعالم قدوة، وداعية إسلامي فاضل سباق للخير، ومشارك في أعماله، لا يقول قولا إلا وهو يعمله لا نرى قوله يخالف عمله، فقد كتب مقالات كثيرة في مجالات عدة من هذه المقالات ما هو فقهي، ومنها ما هو أخلاقي ومنها ما هو اجتماعي لو جمعت لكونت مؤلفات عدة. ومن جملة آثاره تأليفه لكتابين في آخر مراحل عمره وهو يصارع المرض رحمه الله تعالى الأول بعنوان : الثالوث الأسود ومخططاته التدميرية. والثاني بعنوان : لـمسات إيمانية من السيرة النبوية. ولقد لبى نداء ربه شيخنا علي علمي فتوفي والتحق بمثواه الأخير بمدينة فاس عشية يوم السبت 2 ربيع الأول عام 1435 هـ/4 يناير 2014 م عن عمر يناهز 71 سنة وصلى عليه صهره سيدي محمد العمراني الصنهاجي بعد صلاة الظهر من يوم غد الأحد 3 ربيع الأول، 5 يناير بمسجد التقوى بطريق عين الشقف، وشيعت جنازته إلى مقبرة وسلان التي أقبر بها، وحضر جنازته جمهور كثير، فيهم الوزير الأول وبعض البرلمانيين والعلماء، وأعيان المدينة وغيرهم من أقارب الفقيد وأصهاره وجيرانه ومحبيه وغيرهم. فكانت جنازته مشهدا رهيبا يعبر عن حدوث مصيبة أصابت الإسلام والمسلمين بموته، إذ كان نجما يرشد الحيارى ويعلم الجهال، وينبه الغافلين، ويرشد الضالين. فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته آمين. والحمد لله رب العالمين.
ذ . عبد الكريم احميدوش عضو المجلس العلمي المحلي لإقليم تاونات
———-
(ü) ينظر في حياة المترجم له كتاب “النسمات في تراجم علماء وصلحاء إقليم تاونات” للأستاذ عبد الكريم احميدوش الجزء 3 ص : 761- 389.
1 – الدشار: هو اسم المدشر، أو اسم القرية التي ولد فيها سيدي علي علمي شنتوفي، والمدشر أو القرية، هذا ضمن مداشر فخدة إسلان من قبيلة مرنيسة، التي تسمى دائرتها طهر السوق، وهو قريب من ضريح سيدي علي بن داود السوسي حيث لا يبعد عنه لا بكيلومتر واحد تقريبا.
2 – مسجد السدرة: وهو مسجد قرية الدشار، وتسميته بهذا الاسم منسوبا إلى السدرة ربما كانت هذه الشجرة في وسطه أو بجانبه، أو بني مكانها، فصارت علما عليه في هذا المدشر ـ والله أعلم ـ.
3 – سماته:اسم لفخدة من فخدات بني عروس.
4 – قول حمان الفطواكي الذي أعدم يوم 9 أبريل 1955.
5 – قول عبد الله الشفشاوني، اعدم يوم 2 غشت 1955. أنظر: القولين وصاحبيهما في مذكرات من التراث المغربي: 7/66.