عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله قال : ((قد أفلح من أسلم، وكان رزقه كفافا، وقنعه الله بما أتاه)) (رواه مسلم).
الكفاف هو الوسط بين الفقر والغنى، وهو إدراك ما يكف عن التطلع إلى ما عند الناس، ويغني عنهم، قال النووي : الكفاف بلا زيادة ولا نقص، وفيه فضيلة هذه الأوصاف وقد يحتج به لمذهب من يقول الكفاف أفضل من الفقر ومن الغنى(1).
والكفاف هو ما كان يدعو النبي به لنفسه، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» (متفق عليه). قال أهل اللغة والغريب : معنى «قوتا» أي ما يسد الرمق.
وفي رواية : «اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا» قال القرطبي رحمه الله تعالى : وفي هذا الحديث حجة لمن قال : إن الكفاف أفضل من الغنى والفقر… ووجه التمسك بهذا الحديث أن النبي إنما يدعو لنفسه بأفضل الأحوال.. فإن الكفاف حالة متوسطة بين الفقر والغنى… وأيضا فإن هذه الحالة سليمة من آفات الغنى، وآفات الفقر(2).
وقال ابن بطال : فيه دليل على فضل الكفاف وأخذ البلغة من الدنيا… رغبة في توفير نعيم الآخرة، وإيثارا لما يبقى على ما يفنى، فينبغي أن تقتدي به أمته في ذلك.
وعن أبي محمد فضالة بن عبيد الأنصاري ، أنه سمع رسول الله يقول : «طوبى لمن هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافا، وقنع» (رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح).
قال في تحفة الأحوذي قوله : «وكان عيشه كفافا» أي لا ينقص عن حاجته ولا يزيد على كفايته فيبر ولايطغى «وقَنَعَ» كمنع أي رضي بالقسم ولم تطمح نفسه لزيادة عليه (3).
فلو لم يكن للعبد إلا قوت يومه، وأصبغ الله عليه العافية في جسده ونفسه، وأصبح ينعم بنعمة الأمن والاستقرار في أهله ووطنه، فكأنه بذلك قد عجنت له الدنيا وجعلت بين يديه، وعن عبيد الله بن محصن الأنصاري الخطمي قال : قال رسول الله : «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» (رواه الترمذي وقال : حديث حسن، «سربه» بكسر السين المهملة : أي : نفسه، وقيل : قومه.
وقوله : «بحذافيرها» قال القاري : أي بتمامها.
ذ. عبد الحميد صدوق
—————-
1 – شرح النووي ج 7 ص : 139.
2 – المفهم ج 7 ص : 132
3 – المصدر السابق.