عام من أعمارنا مضى.. وأتى عام جديد..
عام تبادلنا فيه التهاني والأماني بتحقيق الأماني أفرادا وجماعات، داخل الوطن وخارجه، آملين أن يكون العام الجديد عامَ يُمن وأمان وسلام وسعادة على الجميع، فالعام عامٌ هجري، والمسلمون كلهم معنيون به وبما مَرّ فيه من أحداث وما يمكن أن يأتي.
لكن الأماني تبقى مجرد أماني، والآمال تبقى معلقة، وإن كان الرجاء في الله عز وجل كبيرا، فهو تعالى أمَرنا بعدم اليأس وعدم القنوط من رحمته، فرحمته تعالى وسعت كل شيء.
أحداث يعرفها العالم الإسلامي هنا وهناك، تدمي القلب، وتعصر الكبد ألما وحسرة عما حلَّ بالمسلمين وببلادهم من المآسي حولت كل الآمال آلاما، فتعمَّقت الفُرقة وازداد التناحر وكثرت المؤامرات، واختفى كل ما يدعو إلى الأخوّة والمواساة والتعاون والبر وغيرها من الـقيم.
غابت كل تلك القيم، وكأنّا لسنا الأمة التي أُمرت بأن تكون أمة واحدة بعد أن نزل فيها قوله تعالى: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّـةً وَاحِدَةً وَأَنَـا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (الأنبياء 91)، وأُمرت بالاتحاد وعدم الفُرقة: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا (آل عمران 103). وأُمرت بالتعاون على الخير والابتعاد عن كل ما يزرع الفتنة: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الِاثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة 3)، وأُمرت بالاحتكام إلى شرع الله وعدم التنازع والخصام: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم، وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (الأنفال 47)، وحتى في حالة التنازع الذي قد يؤدي إلى الاقتتال، أُمرت بالاحتكام إلى العقل ومنطق الحوار والجنوح نحو الصلح والتآخي: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُومِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا (الحجرات 9)، لأن المؤمنين إخوة، ولا يمكن أن يكونوا إلا كذلك: إِنَّمَا الْمُومِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (لحجرات 10)
لقد كان اعتماد التاريخ الهجري، بدل غيره من التواريخ، يحمل دلالات كبرى ترتبط بما تحمله الهجرة من معاني التضحية والصبر والفداء، وبما تبعها بعد ذلك من تأسيس دولة قائمة على العدل والمساواة، بَعد رُكن الإيمان بالله تعالى والإسلام له، ويستلهم المثل العليا سابقة الذكر وما ماثلها لمفهوم الأمة المسلمة: أُمَّة واحدة متحدة متعاونة على البِر، لا تَنازُع فيما بينها ولا تُخاصُم ولا تناحر ولا تدابر، كما في الحديث الشريف: «… لا تجسّسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره…» (رواه الشيخان). فهي أُمَّة الإسلام، وهي أمة السلام، وهي أمة الرحمة، وهي الأمة الوسط، وهي أمة الحضارة، وهي الشاهدة على الناس، وهي الناشرة لقيم العدل والإخاء والمساواة بين العالمين، وإليها يأوي كل الضعفاء والمضطهدين والمستضعفين من بني البشر، بل حتى من غير البشر، حاضنة لهم وراعية، ولم تكن في يوم من الأيام عالة على الآخرين، أو زارعة لبذور البغضاء والشحناء والتناحر والتنافر في العالمين.
يأتي العام الجديد ليحيي في النفوس هذه القيم وما ماثلها، التي تشمل كل الجوانب الفكرية والعلمية والثقافية والاجتماعية والنفسية والمادية، في تكامل منسجم وتوازن بديع؛ ولِيُذَكِّر بهذه الـمُثل السامية والأخلاق الرفيعة، تعزيزاً لقيم الخير والتواصل الحضاري النبيل، ونشراً لمعاني الحق وقيم الخير والسلام، وتحقيقاً لهدف الإنسان في هذا الوجود: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالانسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات 56).
فاللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق، واحفظ برحمتك ولطفك بلدنا هذا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، واحفظ سائر بلاد المسلمين من كل الشرور والإِحَن، إنك القادر على ذلك يارب العالمين.