«إيييهاااب» هكذا كانت تصرخ الشابة المغربية رفقة مجموعة كبيرة من الفتيات المغربيات اللواتي حججن إلى باحة الإستقبال بأحد مطارات الوطن لاستقبال شاب مغربي شارك في مسابقة غنائية دولية ولم يتأهل فعاد خائبا ليفاجأ باستقبال الفاتحين، وصبايا في وضع هستيري مخز يصرخن باسمه والشابة الأكثر هلعا على «الفنان» الشاب تبكي وتصرخ بلوعة «إيييهااااب مسكين غادي يقتلوه».. الشاب أسقط في يده وكاد يغشى عليه من نوبة الجنون النسائي هذه التي احتوته لولا تدخل قوات الأمن وتأمينها لخلعه بالكاد من تلك الجموع النسوانية الهائجة. ما وقع بعد ذلك كان هو اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي بحملة سخرية قاسية ضد صاحبة «صرخة إيهاب»، حيث تفننت شرائح الشباب في تشويه سمعة الفتاة، ودخل على الخط حتى الأفارقة من الأجانب حيث أصدروا فيديوهات تتضمن صراخها مع موجات ضحك مثيرة للغثيان، والقصة لا زالت تستنفر طاقات شبابية هامة العدد عاطلة الفكر والجسد لتأليف أشرطة بمسرحيات وأغاني وأشعار سمتها الإسفاف والتفاهة والانحطاط التام على مستوى التقييم العدواني سواء لتصرفات الشابة إياها، أو بخصوص أحداث تقع هنا أوهناك بالوطن أو خارجه، الشيء الذي يحيل على السؤال الحارق هل استقلنا من شؤون أبنائنا إلى هذا الحد المريع؟ هل سنظل محكومين بهذا الفقد الفادح لبطولات وشموخ ونخوة الأمس حين كانت المرأة تصرخ لا على فنان -مع تقديرنا لكل الناس- بل على قضية وهوية وعفة فتجيش الجيوش كما في حالة المعتصم والمرأة التي تحرش بها الرومي فنادت وامعتصماه! فكان الحشد لمعركة عمورية المظفرة التي اقتص فيها الحاكم للمسلمة المهانة.
إن صراخ الفتاة بكل هذه الحمولة من الحب والخوف في الموقع الخطأ، وكل هذا التقاطب في الآراء المجوفة حول هذا التصرف النسائي الاندفاعي وكل هذه الشحنة من الكراهية والازدراء للفتاة إياها ليجعلنا نستخلص أن المركب انحرف بعيدا عن المرسى وأن أصحاب الأسفل من السفينة انخرطوا في الخرق بجدية في غياب من يمنعهم بحجة أو بأخرى أو توانيا. وكل المؤشرات تصب في هذه الخلاصة الدرامية التي مفادها أن أولادنا تمت خوصصتهم ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد استشرت في الأيام الأخيرة موجات هدامة تترى، ومن رصدها لا يشك في تخلق بوادر أزمة وجدانية لدى شبابنا، وتتعلق بانتحار فتيان وفتيات -وأغلبهم تلاميذ- حزنا لفشل علاقات عاطفية عابرة أو لوضع اجتماعي هش.
والمخيف في الأمر أن عمليات الانتحار أو محاولات الانتحار هذه تتم بوجود مصورين باردين يوثقون لحظات الانتحار كأن الأمر يتعلق بفيلم كارتوني لا بحياة إنسانية عزيزة، وموازاة مع هذه اللوحات القاتمة ينتشر اللحظة في صفوف الشباب خاصة من طلاب الجامعات بل وحتى تلاميذ المدارس تقليد أعمى لمراسيم طلب يد الفتاة للزواج.. وقد وثق شريط لتلميذ مغربي وهو يقدم مجسم قلب و«نونوس» من تلك الدببة القطنية التي يراد لها أن تكون رمزا للطفولة والبراءة إلى حبيبته التلميذة وهو يجثو على ركبتيه ويطلب منها الزواج تماما كما فعل شاب أمريكي، قبل أن يحضنها ويقبلها في إشارة واضحة إلى أن عالما غريبا -لا علاقة له بالوالدين وهم في دار «غفلون» وآخر من يعلم- في طريقه إلى التشكل، عالم يعيش فيه الشباب تحت رحمة غرائزهم واجتياح قيم الآخر حتى الساقطة منها لقلعة التربية المسلمة لزغب الحواصل من أبنائنا فلا استشارة ولا ولاية ولا هم يكترثون ..
وعلى نفس الخط تتشكل مجموعات ضغط شبابية مدعومة من القوى الخفية بالخارج، ومطالبها تضرب في صميم المنظومة الإسلامية وقيم الأسرة بدعوتها إلى تقبل المثلية الجنسية بين الفتيات بشكل أخص -وبروح رياضية وحقوقية مفتوحة-.. وتكمن الخطورة في أن البعض من هذه التشكيلات يرفع شعارات ثورية جذرية تنسف ثوابت الوطن وتدعو إلى قيم حقوقية عالمية تنتصر لحرية الدين والديمقراطية بما تعنيه من قلب للأنظمة التي تعتبرها هذه المجموعات تقليدانية وماضوية ومخاصمة لقيم الحداثة ورأي الشعب الذي لا يعني إلا الخروج على الحكام وزرع الفوضى وضرب المؤسسات السيادية إلخ. وقد أثبت الدكتور جيرالد نيرو وهو أستاذ بجامعة مختصة في علوم النفس بالغرب من خلال كتابه «مخاطر الانترنيت» وجود شبكة عنكبوتية لتجنيد الشباب لخدمة مصالح قوى خفية دولية. وما لم يقله هذا الباحث هو أن هذه الشبكات تسعى لخلق الشتات الكامل بالخرائط العربية عبر أفاعي التواصل هذه إذ تحفز الشباب على نشر خطابات الغضب والجنوح والخروج على الوطن حكاما ومحكومين ..
إن الأمر جد خطير ويستدعي صحواً نوعيا لأئمة التوجيه التربوي والديني بكافة أجنحته على مستوى شبكات التواصل لاستنقاذ شباب الوطن، لأن هذا الخواء بوجدان أبنائنا والناتج عن جمودنا على قوالب توجيه باردة ومكررة بعيدا عن التكنولوجيا الجديدة، بالإضافة إلى غلظة تواصلنا مع شبابنا، يسهل عملية الاستقطاب الأخرى لفائدة حركات «إسلامية» إرهابية متطرفة تعرف من أين تصلح عطب الكتف لتأكل به خرائط المسلمين موازاة مع حركات الميوعة هذه وهي لا تقل عنها شراسة… وللحديث بإذن الله بقية.
ذة. فوزية حجبـي