نقد متون المرويات وأثره في توثيق السيرة النبوية الصحيحة يهدف هذا البحث إلى بيان أهمِّ مسالك نقد متون مرويات السيرة النبوية بخاصَّة، وتأصيل ذلك تأصيلاً علمياً، مع التحذير من التسرُّعُ والتعسُّفُ في نقد المتون، دون الارتكاز على قواعد علمية متينة، كذلك يهدف هذا البحث إلى بيان الأثر الإيجابي لنقد متون السيرة وفق تلك المسالك، في تحقيق سيرةٍ صحيحةٍ شاملةٍ للنبي . > المبحث الأول: نقد متون مرويات السيرة بعرضها على القرآن وأثره في التوثيق. < المطلب الأول: تأصيل المعنى الصحيح لعرض متون المرويات على القرآن. يتَّفق علماء السيرة على أنَّ القرآن الكريم هو أوَّلُ وأوثقُ مصدر لسيرة النبي ، ومن هذا المنطلق اعتنى النقَّاد من المحدثين بالقرآن الكريم، وجعلوه شاهداً، ومقياساً لصحَّة الأخبار المروية عن النبي ، فكلُّ حديثٍ أو خبر مروي عنه ، يناقضُ متنه محكم القرآن من كل وجه بحيث لا يمكن الجمع بينها، لا يمكن أنْ يكون صحيحاً ثابتاً عنه؛ < المطلب الثاني: محاذير ردِّ متون مرويات السيرة بدعوى مخالفة القرآن. يجب عدم التسرُّع في ردِّ متون مرويات السيرة لما يُتوهَّم أنَّه يخالف القرآن، والتجرُّؤُ على إسقاط المتون الصحيحة بسبب سوء الفهم، فإن الأصل العام أنَّ السنَّة الصحيحة- بما في ذلك مرويات السيرة- لا تخالف القرآن أبداً، فوجب الاجتهاد في التوفيق بين ما يظهر تعارضه من النصوص. < المطلب الثالث: أثر عرض متون المرويات على القرآن في توثيق السيرة الصحيحة. هذا مطلب مهم حتى يقع التكامل والتجانس بين الأمر الإلهي والفعل النبوي، فمن غير المعقول أن نُخَطِّطَ لكتابة سيرة شاملة صحيحة، ثم نورد فيها أحداثاً وأخباراً تخالف أحكام القرآن وأخباره، فإنَّ من شأن هذا التقصير في النقد، أن يقع الشكُّ والريب في بعض أحداث السيرة، ويضع العوائق أمام التأسي المطلوب بصاحب الرسالة. > المبحث الثاني: نقد متون مرويات السيرة بعرضها على السنة الصحيحة وأثره في التوثيق. < المطلب الأول: تأصيل مسلك عرض متون المرويات على السنة الصحيحة. لما كانت السنة النبوية من الوحي الذي أوحاه الله لنبيه ، ومحالٌ على الوحي أن يكون فيه تناقض، وتضاربٌ، فلا بدَّ أن يقع التجانس والتناسق بين سنة النبي القولية والفعلية، وبين ما رُوِيَ من أخبار في سيرته العطرة، لذلك وجب على من تصدَّى لكتابة السيرة النبوية، أن يضع نُصْبَ عينيه السنَّة الصحيحة، فلا يقبل من المرويات ما كان معارضاً لها من كلِّ وجهٍ، < المطلب الثاني: محاذير رد متون مرويات السيرة بدعوى مخالفتها السنة الصحيحة. إنَّه من الشَطَطْ بمكان إسقاط مرويات السيرة النبوية، لمجرد إشكال في الفهم دون جمع لروايات القصة وأحاديث الباب، فهذا العمل ليس من النقد العلمي البنَّاء في شيء، فمن لاح له تعارضٌ بين متن رواية في السيرة النبوية، ومتن رواية أخرى أو حديث آخر، فعليه التأكُّد من صحَّة الإسناد أولا، فيتمسك بالصحيح ويطرح الضعيف، فإن صحَّت الروايتان، لجأ إلى الجمع، وذلك بتفسير النصَّين بطريقة ترفع التناقض عنهما، ويكون ذلك: بحمل النص على تعدد الحادثة، أو تعدد الأشخاص أو تعدد الصفة وغيرها. < المطلب الثالث: أثر نقد متون المرويات في ضوء السنة الصحيحة على توثيق السيرة النبوية. من المعلوم أنَّ العلماء تساهلوا في رواية الأخبار في سيرته ما لم يكن ذلك في الأحاديث المتعلقة بالحلال والحرام، وإذا كان الأمر كذلك، فإنَّه من المهم جداً أن نرسم صورةً صحيحةً عن حياة النبي ، خالية من التناقض بين القول والفعل، تُتَرْجَمُ فيها ما أمر به النبي من أحكام وأخلاق وآداب إلى أفعال وتطبيقات عملية، > المبحث الثالث: نقد متون مرويات السيرة بعرضها على الوقائع التاريخية وأثره في التوثيق. < المطلب الأول: تأصيل مسلك عرض متون السيرة على الوقائع التاريخية. لما كان تسلسل الأحداث في إطار زماني منسجم، مهماً جدا ًفي الكتابة التاريخية، وَجَبَ على من تصدَّى لكتابة سيرة النبي ، أن يراعي التسلسل الزماني في سرد الأحداث وذلك باستعمال التاريخ المشهور مقياساً تُعْرَضْ عليه تلك المتون، < المطلب الثاني: محذورات التسرع في نقد متون السيرة بدعوى مخالفة التاريخ. مما ينبغي التنبه له في تطبيق مسلك النقد التاريخي، عدم التجاسر على ردِّ متون المرويات، بدعوى مخالفتها الوقائع التاريخية، لأنَّ مقياس التاريخ، الذي تُعْرَضُ عليه متون المرويات، هو التاريخ الصحيح المشهور، والذي يعارض المتن من كلِّ وجهٍ، لذلك يُشترطُ في نقد متن الرواية بالعرض على الوقائع التاريخية شرطان: الأول: التأكُّد من صحَّة الواقعة التاريخية والزمن الذي وقعتْ فيه. الثاني: أن يَقَعَ التناقض الصريح بين متن تلك الرواية، والواقعة التاريخية، بحيث لا يمكن الجمع بينهما. < المطلب الثالث: أثر عرض متون المرويات على الوقائع التاريخية في توثيق السيرة الصحيحة. إن من آثار عرض متون المرويات على التاريخ الصحيح، أن نحصل على سيرة شاملة صحيحة، منسجمة الأحداث، تظهر فيها الحكم بوضوح، ويسهل الاستنباط منها والاقتداء بها، الأستاذ نبيل بلهي (باحث جزائري)