مسافات – ومعه الثاني …..


طبائع الناس ستائر مخفي وراءها كثير مما لم تكن تتوقّعه ، أو تحسب له حساب.

لا سيما إذا كان المقرّب أخا أو صديقا أو واحدا، ممن جمّل لك المقام بمعسول الكلام، أو جمعتك به ذكريات نسميها بلفظ العامّة “العشرة” ثم سرعان ما دار عليك، فدارت معه الأيام نحو ما يعتقد أنه أهداك  فيه  الأسوء.

وهكذا الحياة تخطئ فيها، ويخطئ غيرك ولا عصمة في الوجود إلا لله  ومع هذا كثير من الناس يتجاوز هذه الثنائية، ويغرق في تضخيم الأنا وإشباعها بالغرور كأنه وحده مالك الدنيا، وهو في الحقيقة لا يملك نفسه، أهلكنا هذا التضخم حدّ  الموت، موت المشاعر والعلاقات والإحساس  ببعضنا، ولبسنا جميعا بلا استثناء عباءة القانون  الذي لا يطبّق إلا على الضعفاء.

سنة الأكوان أن يجري القانون العاتي على المستضعفين في الأرض، وسنة الأكوان أيضا أنّ المستضعفين هم من ينتصرون في الأخير، لأنّ النيات جسور قصاص تنشر ألواحها في لحظة انتشاءة العابرين ويقينهم بأنّهم المالكون لكل شيء ولا أحد غيرهم.

يا الله في عوالم يصنعها الإحساس بالمركزية الإنسانية، فتطفو على السطح مشاهد أقسى من الموت وسلوكات ترابية تسقط معها كل علامات التميّز، كورق التوت لتعرّي داخلا لم يكن يحسن سوى تصنّع الأجمل، قد أكون أنا قد يكون غيري، قد نكون جميعا من سقطت علاماته التي لن يحملها من الأرض إلا في وضات التسامي التي تجعلك تدرك في القرارات أنّك لست وحدك، وإنما معك الثاني الذي يصنعك والذي أسّس وجودك.

معك  الذكريات التي تجترّها في كل لحظة كي تصحّح نفسك أو تمنحها  مشروعية قرار اتخذته وقد لبسك الشك في أنّك مخطئ.

معك الثانية والدقيقة والساعة والزمن الماضي بكل تداعياته السيّئة والجميلة، القاسية والرحيمة.

معك صرخات الداخل الذي لا يسمعه إلا أنت، ولا يلعب على تفاصيله إلا مخيالك أو ضميرك الذي يجري في عوالم الناس بالشك أو باليقين، بالتّرك أو بكثرة الاهتمام، بالصلة أو بالقطع، بالعدل أو بالتّجنّي على كل جميل لم تجده في لحظة عابرة فيك.

معك الضعف المفروض أو القوة المتصنّعة.

معك الريح والعواصف، والشموس والأقمار ونجوم أخرى هي كالسهيل تظهر ولا تجاري غيرها.

معك الخطوات الممحوّة والمرسومة والثابتة و المستشرفة.

معك ومعك ومعك … ومع المعيّة هواجس التنصّل منها لو تستطيع، أو الزيادة في التشبث بها إن كانت ريحك طين.

الذكريات معاش العبد نهارا وهي لباسه بالليل تلازمه كظلّه ولا ينفك عنها ولذا مهما خاتلت فإن معك الثاني الذي لا يخلفك وإن نسيته ذكّرك غيرك به.

فتحرى ان تكون ذكرياتك بانية للحس الراقي فيك ، فإن صورة الجحيم التي ستزرعها في عوالم المحيطين بك ستستيقظ  ولو بعد حين، ولو تغيرت الأمكنة لأنّ الزمن الماضي لصيق، لصيق ، لصيق  فتحركي أيتها الأزمنة ، ما شئت فإنّ الثاني بك محيط.

دة. ليلى لعوير

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>