تركستان الشرقية عراقة التاريخ ومأساة الحاضر  


مضطر لأوقف سلسلة مقالاتي حول “علل الخطاب الإسلامي”، لمدى حلقتين نعود بعدهما لاستكمال ما بدأناه، وسبب ذلك التوقف أولوية الحديث عن قضية منسية رغم خطورتها وشدة معاناة أهلها، إنها مأساة تركستان الشرقية.

استمعت إلى تفاصيل ما اعتبرها أكبر مأساة للمسلمين في هذا العصر، إنها مأساة مسلمي تركستان الشرقية، استمعت خلال ساعات طوال إلى جمع من أهل هذه البلاد وهم يتحدثون بحرقة وألم عن قريب من خمسة وعشرين مليون مسلم، يتمذهبون بالمذهب الحنفي، وهم من أشد المسلمين تمسكا بالإسلام وحبا له، وتمسكهم بالإسلام قائم على علم وحب لا عن جهل وتقليد، وجذروهم الإسلامية ضاربة في التاريخ حيث أوصل الإسلام إليهم الفاتح العظيم قتيبة بن مسلم الباهلي عام 94، وقتيبة هذا هو فاتح ما يسمى الآن الجمهوريات الإسلامية.

عايشت جموعا منهم من خلال تدريسي إياهم في القاهرة سنوات عديدة، ورأيت التزاما بالإسلام في جميعهم ما لم أره في جالية أخرى، ثم التقيتهم الشهر الماضي في تركيا وتجددت معلوماتي حول قضيتهم.

بين التكفير والقتل:

معلوم أن الله تعالى حرم القتل، وجعل هدم الكعبة أعظم من قتل امرئ مسلم بغير حق، ولكنه سبحانه جعل الفتنة في الدين أعظم من القتل فقال سبحانه: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (البقرة: 190). وقال سبحانه: والفتنة أكبر من القتل (البقرة: 215). وإخواننا هناك في تركستان يتعرضون للأمرين معا، فيجبرون على الكفر بكل صوره، ويجبرون على ترك دينهم وارتكاب المحرمات قهرا، ويدخلهم الصينيون الكفار دورات يسمونها دورات تربوية تعليمية طويلة تمتد لسنوات لغسل أدمغتهم وتغيير عقائدهم وافكارهم، وغير المستجيبين منهم  مصيرهم القتل، وغدا المسلمون هناك بين قتيل، أو سجين، وبعضهم يعلن الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان.

من أسوأ صور التنكيل بمسلمي تركستان:

“القرابة” أو “التآخي” لفظ اخترعته الحكومة الصينية للتنكيل النفسي بمسلمي تركستان، وهو لفظ معبر عن فعل شنيع حيث ترسل الحكومة الشيوعية الكافرة رجلا أو رجلين إلى كل بيت من بيوت المسلمين، التي خلت تقريبا من رجالها وأولياء أمورها الذين اقتيدوا إلى السجون والمعتقلات ومراكز التأديب التي أقامها الصينيون لكل الرجال المسلمين حتى وإن لم يكونوا من المتدينين.

يذهب هؤلاء الصينيون الكفار الغرباء فيكلفون بالمبيت أسابيع أو شهورا في بيوت المسلمين ويطلبون الزنا قهرا بالمسلمات في صورة معاشرة كاملة كمعاشرة الأزواج، ومن ترفض أو تقاوم فمصيرها القتل أو السجن ويؤخذ صغارها بنون وبنات من بعدها إلى مراكز تعليم وتربية شيوعية كافرة خالصة، فأي ذلك أو قهر يفوق تلك الجريمة البشعة التي يتعرض لها هؤلاء.

والإحصاءات تقول إن مليون صيني مكلفون بهذه المهمة القذرة، وبالتالي سيدخلون كل بيت مسلم تقريبا فليس الأمر حالات فردية، ولا جماعية وإنما حالة كلية كاملة لم يستثن منها بيت مسلم تقريبا، وتفسر مقاومة المسلمة لهذا الفعل الشنيع بأنه توجه انفصالي عنصري، ومعناها كذلك أن الإسلام ما زال كامنا في نفوس المسلمين.

ومثل هذا ما يفعلونه في رمضان حيث يرسل رجل أو رجلان للمبيت نصف شهر رمضان أو عشرة أيام منه على الأقل ليتابعوا أي مظهر إسلاميي ولو بسيط داخل تلك الأسر التي غاب رجالها أو عيبوا في السجون، هل تصوم وتفطر، هل تتسحر، هل تصلي أو تمارس أي شيء يدل على تمسكهم بشهر رمضان، وترفع التقارير يوميا إلى الحكومة المركزية تحمل ما رآه هؤلاء المخبرون الخبثاء العلنيون لا السريون، وقد أخبرنا الإخوة  التركستانيون أن قطارا خصص لنقل التقارير اليومية التي يسجلها هؤلاء الخبثاء.

ومن صور مآسيهم مؤخرا أن الحكومة اعتقلت وحاكمت هنا بأثر رجعي كل من ثبت أنه حفظ قرآنا أو درَّس علما شرعيا تقليديا أو غير تقليدي ولو كان قد مضى على فعله هذا خمس عشرة سنة.

كما تقوم تلك الحكومة الكافرة كذلك باعتقال الصغار من عمر ثلاث سنوات، وتعرضهم لاستجوابات دقيقة وقاسية لمعرفة ماذا يفعله الآباء والأمهات معهم في البيوت، وبالطبع الأطفال لا يمكنهم غالبا الكذب أو الكتمان، وأي كلام يدلون به تشم منه رائحة تلقين الإسلام من قبل آبائهم فمصير الأسرة الكاملة السجن أو القتل.

وكذلك تجبر المرأة المسلمة قهرا أن تخرج بلباس غير ساتر يكشف ذراعيها وساقيها فضلا عن شعرها وصدرها.

ومئات الآلاف من النساء الشابات والمسنات محكوم على أقلهن حكما بسبع سنوات.

ومعلوم أن الحكومة كانت ولا تزال تفرض عدم خروج أي مسلم دون سن الخمسين خارج تركستان، وقد خرج كثير من الشباب بحيل كثيرة خارج البلد لتعلم العلم الشرعي ولم يعودوا بسبب ما يتوقعونه من قتل أو سجن مرتقب بحقهم، فماذا فعلت الحكومة هناك:

اعتقلت كل من بالداخل ممن تلقى اتصالا في يوم ما من ذويه من خارج الصين، سواء كان هذا التواصل عبر هاتف أو أي وسيلة اتصال أخرى، واعتقلوا كامل الأسر التي هذه حالها.

وأخيرا نشرت المصادر المعنية بشئون التركستان أن شرطة قرية جاهانباغ في مدينة كاشغر المسلمة كانت قد تنشر تحذيرا للأهالي المسلمين الإيغور حول تسجيل وترقيم السكاكين المنزلية ، والآلات الحادة قبل 30 ديسمبر  2017، ومن لم يسجل  يواجه العقوبات اللازمة ويتحمل العواقب الوخيمة.

وهناك يعد وجود مصحف أو سجادة صلاة في البيت جريمة عقوبتها السجن، وهنا التساؤلات المهمة:

هل ستظل تركستان مغلقة على أهلها لا يعلم إخوانهم عنهم شيئا؟

ماذا سنقول لربنا غدا لو سألنا عن إخواننا المنكوبين هؤلاء؟

هل يتحرك ذوو الغيرة الدينية لفضح الصين وإظهار انتهاكاتها ونصرة المسلمين؟

أين جهود العلماء والدعاة والكتَّاب في نشر تلك القضية والتعريف بخطورة الوضع هناك.

وأخيرا أسوق هذا الحديث عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمِ بْنِ زَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ , أَنَّهُ سَمِعَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ بَشِيرٍ مَوْلَى بَنِي مُغَالَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّيْنِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولانِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مَا مِنَ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ, إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ  فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ, وَمَا مِنْ مُسْلِمٍ يَنْصُرُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَتُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ» (سنن أبي داود).

د. أحمد زايد

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>