توسمات جارحة: التحدي الحضاري


نلاحظ في مجتمعاتنا محاولات المرأة المستميتة للرفع من شأنها وتحقيق وجودها وتحسين وضعها المادي والمعنوي ، لكن هذه المحاولات للأسف تظل تدور بها في مستنقعات الانحطاط بكل مستوياته رغم مظاهر التحسين المادي الظاهر لأنها لم تستطع  أن تصل بعد إلى مرحلة التحدي الحضاري الذي يمكن معه أن تحقق وجودها بصورة ترضى عنها وتدفعها إلى الأمام لحشد مزيد من الإثباتات على جميع المستويات ،  لكونها تظن أنها ولجت سلم الحضارة حين تتبع آخر تقليعات الموضة المستوردة أو التنافس في التعري أو لوك بعض المفردات باللغات الأجنبية أو غير ذلك من مظاهر الاستلاب والتبعية التي لم تتركها حرة في بناء شخصية مستقلة متغلغلة في جذع أصالتها وهويتها، الأمر الذي دفعها إلى الاعتقاد أن التبعية هي التحضر (وياليتها كانت تتبع الأشياء الإيجابية، لكن للأسف لا يقع التقليد سوى في السلبيات التي تضر بشخصيتها وتمسخها). ولم تدرك بعد أنها لا تستطيع ولوج سلم الحضارة إلا إذا حلت مشكلة الإنسان في نفسها . وهي مشكلة تتمثل في شقين اثنين : الوعي والعمل.

< الوعي بمقومات بناء شخصية متوازنة مع ذاتها الفردية وذاتها الجماعية، ذلك أن قمة التحضر في المفهوم الإسلامي يرجع بالأساس إلى موقف الإنسان من نفسه ووعيه بشروط ولوجها فكريا وأخلاقيا إلى ما يمكن أن نسميه نهضة أو مستوى معينا من مستويات الحضارة الحقة ، وإلى مدى استطاعته تحقيق النماء والخير والصلاح فيها . وأي تحلل أو انحطاط أو تخلف بعد هذا إنما يرجع إلى بداية الجنوح عن الحق ، أو بمفهوم أبسط التخلي عن التشريع السماوي الذي يرشد  البناء وينظم عملية المرور إلى ممارسته الملائمة مع أصالته .

<  إضفاء القيمة الحقيقية للعمل بالإضافة إلى قيمته المادية ، فالعمل رغم اعتباره وسيلة ملزمة لكسب العيش وتحسين المستوى المادي فهو فريضة أساسية لايمكن تحقيق أي قيمة للوجود بدونه . وأبسط مظاهر هذا التحقق يكمن في الاهتمام بالوقت والحفاظ عليه لبناء المجتمع المنضبط ، وذلك برفض تضييعه أو إهمال أي جزء من أجزائه وعدم التهاون أو التراخي في إنجاز العمل فيه مع الجدية والإخلاص . فالوقت من ذهب كما أنه كالسيف إن لم تقطعه قطعك وضاعت عليك فرص الحياة الكريمة التي تنبني على أساس أن أي عمل مهما انتهى ومضى له وجود ثابت سواء كان هذا الوجود مادي محسوس من خلال آثاره أو غيبي محفوظ في كتاب الأعمال لنشره يوم الحساب “وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا منشورا ،اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا” . وفي كلا الوجودين يأخذ الإنسان جزاء عمله مهما كان حجمه أومدى استفادة الذات أو المجتمع منه {من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} .

وبعد أن تحل المرأة مشكلة الإنسانى في نفسها بالوعي المتجذر في ذاتها الحضارية والعمل الصالح الدؤوب تكون قد وصلت إلى مرحلة التحدي الحضاري ، و تستطيع آنذاك أن تعلن أنها قد تخلت عن الطريق الذي يدفعها إلى الجاهلية الأولى ووضعت قدميها على أول سلم للرقي إلى أعلى درجات الحضارة والمدنية في نفس الوقت .

<  ذة. أم سلمى

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>