نماذج من مساهمة الصحابيات الجليلات في العمل الاجتماعي في العهد النبوي(1)


لقد استطاعت المرأة المسلمة في عصر النبوة، أن تواكب عمل الرجل في مسيرة التنمية والإصلاح حيث  تستثمر وقتها في المشاركة الجادة في أعمال البرِّ والخير، وهذا الذي تشهد له كتب التراجم والسير حيث نجد ها حافلة بنماذج مضيئة من الصحابيات الجليلات، وفي مقدمتهن أمهات المؤمنين اللائي عُرفن في مختلف الميادين الاجتماعية المهمة حيث المشاركة الحية والميدانية والمباشرة.

ومن الصحابيات اللائي ضربن أروع الأمثلة في المجال الاجتماعي، بعض زوجات النبي ، وعلى رأسهن أمهات المومنين: خديجة، عائشة، زينب بنت جحش، وغيرهن -رضوان الله عليهن-، ومن الميادين التي عرفت مشاركتهن: التجارة، الطب، التعليم، الإفتاء، الغزوات، و غيرها  من الميادين الاجتماعية التي تحفظ كرامتهن وتصون حرمتهن، والدافع إلى هذا توجيهاته  لهن للانخراط في هذا العمل، وحثه لهن على التطوع وفعل الخير، عن عبد الله بن عمر عن رسول الله  أنه قال: «يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الاستغفار …»(1)، وكان بلال  يطوف بالرداء فتلقي المرأة بقرطها وحليها تتصدق به في سبيل الله عز وجل. وأذكر من بين الصحابيات الفضليات في مجال العمل الاجتماعي التطوعي.

في ميدان التجارة:

خديجة بنت خويلد: أم المؤمنين- رضي الله عنها وأرضاها(2)، الصحابية الجليلة ذا ت شرف ونسب، في مكة اشتغلت بالتجارة تبعث بين مكة و الشام، تستأجر من الرجال أتقاهم لله وأكثرهم حفظا للأمانة، ليقوم لها بتجارتها وتجازيهم عن ذلك، ولما علمت بصدق النبي وأمانته  وكرم أخلاقه ، عرضت عليه أنْ يَخرُجَ في مالِها إلى الشامِ تاجرًا وتعطيَه أفضل ما تُعطي غيرَهُ من التجار، قالت له: أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك، فلما رجع بتجارتها ربحت ضعف ما كانت تربح، وأضعفت له ضعف ما سمت له.

في ميدان التعليم  والإفتاء:

مما لاشك فيه أن صحابة رسول الله  قد انتشروا في مختلف الأرجاء وشتى البلدان بعد النبي  للقيام بواجب التعليم والدعوة والإرشاد، من بينهم صحابيات جليلات أزواج النبي  منهن.

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (توفيت سنة 58 للهجرة) مُعلِّمة الرِّجال والنساء، ومربِّية الأجيال، وصانعةُ الأبطال ، بفضل حرصها على  النهل من معين النبوة العذب عاشت جل حياتها معه  متعلمة وحافظة وعابدة ،وقد وصفها ابن أبي مليكة(3) بقوله أنها :”كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرف”(4). كان طلاب العلم يقصدونها متعلمين ومستفتين للأخذ من علمها الغزير..

كما  عُرفت –رضي الله عنها- في ميدان الإفتاء، نقل السيوطي  في كتابه تدريب الراوي قول ابن حزم أن أكثر الصحابة إفتاءً على الإطلاق سبعة عد منهم أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها-(5)، كانت استقلت بالفتوى وحازت هذا المنصب الجليل المبارك منذ وفاة النبي رضي الله عنها، وأصبحت مرجع السائلين ومأوى المسترشدين، وبقيت في منصب الفتوى في زمن الخلفاء إلى أن وافاها أجلها ، أخرج ابن سعد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: “كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وهلم جرا إلى أن ماتت يرحمها الله وكنت ملازما لها”(6).

الشفاء بنت عبد الله العدوية(7): الصحابية التي طلب منها النبي  أن تقوم بتعليم نساءه خاصة أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، القراءة والكتابة والتمريض.

الباحث: الحسين أرضى

——————–

1 – أخرجه الإمام  مسلم في صحيحه  كتاب  الإيمان باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات وبيان إطلاق الكفر على كفر النعمة والحقوق ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي – بيروت:  ج1/86.  و أخرجه ابن ماجة في سننه كتاب الفتن  باب فتنة النساء، تحقيق: شعيب الأرنؤوط – عادل مرشد – محمَّد كامل قره بللي – عَبد اللّطيف حرز الله ، دار الرسالة العالمية ، الطبعة: الأولى، 1430 هـ – 2009 م: ج5/138.

2 – هي السيدة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى من أكابر قريش، وهي أم المؤمنين، زوجة رسول الله  الأولى، تكبره بخمس عشرة سنة، وكان مولدها سنة ثمان وستين قبل هجرة النبي . أنظر: صفة الصفوة لابن الجوزي (تـ 567 هـ) تحقيق أحمد بن علي ط -1421هـ 2000م دار الحديث القاهرة مصر: ج 1/31، الاستيعاب في معرفة الأصحاب  لابن عبد البر، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412 هـ – 1992 م:ج4/1817، سير أعلام النبلاء  للإمام الذهبي  تحقيق مجموعة من المؤلفين بإشراف شعيب الأرنؤوط : ط -2- 1405هـ 1985م  مؤسسة الرسالة:  ج2/209.

3 – ابن أبي مليكة (تابعي): عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زهير بن عبد الله بن جدعان الإمام الحجة الحافظ أبو بكر وأبو محمد القرشي المؤذن. أنظر: سير أعلام النبلاء: ج5/88.

4 – أخرجه الإمام البخاري في صحيحه كتاب العلم باب من سمع شيئا فلم يفهمه فراجع فيه حتى يعرفه ، حققه ورتبه وفهرسه الدكتور مصطفى الذهبي، دار الحديث القاهرة ، الطبعة الأولى 1420هـ -2000م: ج1/72.

5 – تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي لجلال الدين السيوطي، تحقيق: أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي، دار طيبة:  ج2/ 678.

6 – الطبقات الكبرى لابن سعد، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1410 هـ – 1990 م: ج 286/2.

7 – هي الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس بن عدي بن كعب القرشية العدوية أسلمت الشفاء قبل الهجرة فهي من المهاجرات الأول وبايعت النبي  كانت من عقلاء النساء وفضلائهن, وكان رسول الله  يأتيها ويقيل عندها في بيتها, وكانت قد اتخذت له فراشًا وإزارًا ينام فيه.. واسمها ليلى وغلب عليها الشفاء وكانت تكنى بأم سليمان توفيت أيام خلافة عمر سنة 20 هـ = 640 م. أنظر: الأصحاب في تمييز الصحابة ج 3/317 و التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل لابن كثير الدمشقي (تـ 774هـ) دراسة وتحقيق الدكتور شادي بن محمد بن سالم آل نعمان ط -1 1432هـ 2011م مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة اليمن ج4/260.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>