لم يكن عبثا عندما وصف الله تعالى رسوله بأنه على خلق عظيم، لأن الأخلاق للإنسان هي عنوان استقامته، ودليل توازن شخصيته، وعلامة حقيقية على صحة تدينه.
ولم يخل وصف الله تعالى لعباده بأخلاقهم الحسنة حينما قال: وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا…. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (الفرقان: 63 – 74).
فأخلاق الفرد والأمة بمثابة النور الذي يبصر به الإنسان والفرقان الذي يميز به بين المصلحة والمفسدة، والخير والشر، وبين المواقف البانية والهدامة.
والأخلاق الحميدة هي المدخل الرئيس للإمامة والريادة والتفوق، فلا سمو للمرء ولا رفعة لأمة إذا فقدت منهما الأخلاق، ورحم الله الشاعر أحمد شوقي حينما قال بصدق:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
نعم لا كمال للإنسان إلا يوم يمتلئ الوجدان بفضائل الأخلاق ومكارمها، ويوم يتصرف وفق ميزان الأخلاق، ولا تستقيم حياة الأمم إلا حين تتشبع النفوس بالتزكية الأخلاقية.
نعم لا تربية صحيحة إلا إذا جعلت من غرس الأخلاق الفاضلة هدفا أسمى وغاية عليا، وجعلت من بناء الإنسان الفاضل والأمة الخيرة المقصد الأولى؛ فخيرية الأفراد والأمة رهينة بالتربية؛ أمرا بالخير ونهيا عن المنكر: قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ(آل عمران: 110).
وإن الأمة التي تملك وعيا بذاتها الحضارية وتسعى للإسهام في إسعاد الإنسانية هي تلك التي تجعل كل قطاعات المجتمع معنية بالتربية والتكوين والتنشئة الأخلاقية، وعلى رأسها قطاع التربية والتعليم والإعلام والأمن.
وإن كل إنماء للحياة لا ينطلق من إنماء مواهب الإنسان وتهذيب طبائعه وإصلاح مفاسده إنماءٌ فارغ يفسد أكثر مما يصلح. وكل إنماء أخلاقي خال من القيم الإيمانية في الإيمان بالله تعالى واستحضار مراقبته جل وعلا والعمل بما شرع من الأحكام وما هدى إليه من التوجيهات إنماءٌ منكوسٌ جرَّ كثيرا من البلايا على الناس والأمم قديما وحديثا. فلا أخلاق ملائمة للإنسان ما لم تكن نابعة من الإيمان بالله تعالى ومتناغمة مع منظومة القيم التي دعا إليها الوحي وهدى الناس إليها.
فهل يعي كل مسؤول أن أزمة الأمة لا حل لها إلا يوم تعود إلى الوحي والعمل بهدي الله ورسوله في بناء الفرد والأمة الصالحين؟!
وألا يبادرون إلى إعادة الاعتبار إلى التربية الأخلاقية على القيم الإسلامية بكيفية تشمل جميع القطاعات والتخصصات والمستويات؟
فيا أيها الدعاة والمصلحون ألا لا دعوة ولا إصلاح من غير أخلاق!
ويا أيها المعلمون ألا لا علم ولا تعلم إلا بعد تخلق!
ويا أيها الساسة؛ لا سياسة إلا بأخلاق!
ويا أيها التجار والمستثمرون ألا لا استثمار ولا إعمار للبلدان إلا بعد إعمار النفوس والوجدان بأصول الأخلاق والإيمان!!
ويا أيها الآباء والأمهات ألا لا أبوة ولا أمومة إلا بالقيام برسالة التربية قبل التغذية وببناء الأخلاق والإيمان قبل بناء العقول والأبدان.
ألا فلننستلهم مسؤوليتنا من رسالة رسول الله حين قال: «إنما بُعثت لأتممَ مكارم الأخلاق» (سنن البيهقي، وصححه الألباني في الصحيحة) ففي التربية على الأخلاق جلب لكل خير ودفع لكل شر.