من أحكام صلاة التراويح


لقد رغب النبي  في قيام رمضان وحث عليه، وجعله من السنن التي سنَّها لهذه الأمة في شهر رمضان، ويسمى صلاة التراويح، التي اتفق أهل العلم على أنها سنة مؤكدة في هذا الشهر الكريم، وشعيرة عظيمة من شعائر الإسلام؛ وقد ثبت ذلك في أحاديث كثيرة منها قول رسول الله : «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»(1).

• هل صلى النبي  صلاة التراويح؟؟

قرأت في موقع على الشبكة العنكبونية فتوى عن ماهية صلاة التراويح؟ وما حكمها الشرعي؟

جاء فيها: “أجمعت كُتب التاريخ والحديث على أن صلاة التراويح ابتدعها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وأنها لم تكن تُصلى لا في عهد رسول الله  ولا في عهد أبي بكر، ولا في السنة الأولى من خلافة عمر بن الخطاب”، ثم أشارت الفتوى إلى كون الدين كاملا وليس لأحد الحق في زيادة شيء فيه تعريضا بالفاروق  الذي ابتدع -على حد ما جاء في الفتوى- بدعة صلاة التراويح، ثم ذُكِرَ فيها حديثٌ لا يصح عن رسول الله  ولا شك أنه من الموضوعات ينهى فيه عن صلاة التراويح والضحى وأنهما من البدع المنكرة وأنهما سبيلان إلى النار. وخُتمت الفتوى بما يلي: “وعليه فإن صلاة التراويح صلاة غير مشروعة وهي بدعة لا يجوز إقامتها؛ لأنها ليست من سُنة النبي  وما أمر الله بها في القرآن الكريم”(2).

هذه الفتوى فيها اجتراء على الله وافتراء على رسوله ، وتنقيص من شأن أصحابه وخلفائه  خاصة عمر بن الخطاب  الذي لم يبتدع في صلاة التراويح شيئا غير أنه أحيى سنة الجماعة فيها التي تركها النبي  خشية أن تفرض على أمته وقد لا يطيقونها وهو الرؤوف الرحيم بهم.

لقد أقر النبي  صلاة التراويح جماعة في رمضان، ودليل ذلك حديث ثعلبة بن أبي مالك القرظي ، قال: خرج رسول الله  ذات ليلة في رمضان فرأى ناسا في ناحية المسجد يصلون، فقال: «ما يصنع هؤلاء؟» قال قائل: يا رسول الله، هؤلاء ناس ليس معهم قرآن وأبي بن كعب يقرأ وهم معه يصلون بصلاته قال: «قد أحسنوا، أو قد أصابوا»، ولم يكره ذلك لهم(3).

بل قد صلاها  أياما في المسجد إماما في جماعة من أصحابه، وكانت الجماعة يزداد عددها يوما بعد يوم، الأمر الذي جعله  يأبى الخروج إليهم ويصلي لوحده في بيته في الليلة الموالية، حتى إذا صلى الفجر بالناس أخبرهم عن الداعي الذي حبسه عن الخروج إليهم على غرار الليالي السالفة، وهو خشيته  من أن تفرض عليهم.. ومن الشواهد على ذلك:

1 – عن عائشة زوج النبي  قالت: “كان الناس يصلون في مسجد رسول الله  في رمضان بالليل أوزاعا، يكون مع الرجل الشيء من القرآن، فيكون معه النفر الخمسة أو الستة أو أقل من ذلك أو أكثر، يصلون بصلاته، قالت: فأمرني رسول الله  ليلة من ذلك أن أنصب له حصيرا على باب حجرتي ففعلت، فخرج إليه رسول الله  بعد أن صلى العشاء الآخرة، قالت: فاجتمع إليه من في المسجد، فصلى بهم رسول الله  ليلا طويلا، ثم انصرف رسول الله ، فدخل وترك الحصير على حاله، فلما أصبح الناس تحدثوا بصلاة رسول الله  بمن كان معه في المسجد تلك الليلة، قالت: وأمسى المسجد راجا بالناس، فصلى بهم رسول الله  العشاء الآخرة، ثم دخل بيته وثبت الناس، قالت: فقال لي رسول الله : «ما شأن الناس يا عائشة؟» قالت: فقلت له: يا رسول الله سمع الناس بصلاتك البارحة بمن كان في المسجد، فحشدوا لذلك لتصلي بهم، قالت: فقال: «اطو عنا حصيرك يا عائشة.» قالت: ففعلت. وبات رسول الله  غير غافل، وثبت الناس مكانهم حتى خرج رسول الله  إلى الصبح، فقالت: فقال: «أيها الناس، أما والله ما بت والحمد لله ليلتي هذه غافلا، وما خفي علي مكانكم، ولكني تخوفت أن يفترض عليكم فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا»”(4).

2 – عن أنس  قال: كان رسول الله  يصلي في رمضان فجئت، فقمت إلى جنبه وجاء رجل فقام أيضا حتى كنا رهطا، فلما أحس النبي  أنا خلفه جعل يتجوز في صلاته ثم دخل رحله فصلى صلاة لا يصليها عندنا قال: قلنا له حين أصبحنا: أفطنت لنا الليلة؟ قال: «نعم ذلك الذي حملني على الذي صنعت»(5).

3 – عن النعمان بن بشير  قال: “قمنا مع رسول الله ، ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قام بنا ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح، قال: وكنا ندعو السحور الفلاح”(6).

هذه الأحاديث وغيرها فيها رد حاسم على من يدعي أن رسول الله  لم يصل التراويح (قيام رمضان) جماعة، كيف لا وقد تكرر منه الفعل مرات في العشر الأواخر وفي غيرها، كما أن تعدد الرواة من الصحابة لفعله  يدل أيضا على أنه قد تكرر منه القيام جماعة خلال شهور رمضان عبر السنوات التي قدر الله أن يصومها ، خاصة شهور السنوات الأخيرة من حياته ، كما ذكر بعض أهل العلم. قال القليوبي: “هذا يشعر أن صلاة التراويح لم تشرع إلا في آخر سني الهجرة”(7).

• فضل صلاة التراويح وفضل الجماعة فيها:

أما عن فضلها فيكفينا الحديث السابق المتفق عليه: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه».

والحديث يفهم منه ترتب المغفرة على مطلق القيام في جماعة أو دونها، وهو ظاهر النص، غير أن هناك نصوصا أخرى تؤكد القيام بالتراويح في جماعة بالمساجد أفضل من القيام على انفراد في البيت أو في المسجد، والأحاديث السابقة التي بينت الجماعية في التراويح لا شك يفهم منها أن قيام رمضان في جماعة خير وأفضل، ولكن لا بأس من إيراد حديث أكثر بيانا لهذه الأفضلية وهو حديث أبي ذر  قال: “صمنا فلم يصل  بنا حتى بقي سبع من الشهر فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا: يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه” فقال: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة..»(8).

والشاهد من الحديث هو قوله : «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف..»، فإنه ظاهر الدلالة على فضيلة صلاة قيام رمضان مع الإمام في المسجد. قال الشوكاني: “وبهذا يتقرر أن صلاة النوافل في ليالي رمضان جماعة سنة لا بدعة”(9). وقال محمد عوض الجزيري: “وتسن فيها الجماعة عيناً، بحيث لو صلتها جماعة، لا تسقط الجماعة عن الباقين، فلو صلى الرجل في منزله صلاة التراويح فإنه يسن له أن يصلي بمن في داره جماعة، فلو صلاها وحده لفاته ثواب سنة الجماعة”(10). وعن أحمد قيل له: يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وحده؟ قال يصلي مع الناس.. ويعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه، قال النبي : «إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له بقية ليلته»(11).

ومما سبق يتبين لك أخي القارئ أن فضل صلاة التراويح يكون تاما في إقامتها جماعة مع الإمام بالمسجد، فلا ينبغي التخلف عنها إلا لضرورة قاهرة.

ذ. عبد الرفيع حجاري

—————————–

1 – رواه البخاري (حديث: 37 )، ومسلم (حديث: 173 – (759)) وغيرهما من حديث أبي هريرة.

2 – https://www.islam4u.com/ar/almojib/

3 – رواه البيهقي في السنن الكبرى حديث:4282. وقال: «هذا مرسل حسن». قال الألباني: «وقد روي موصولا من طريق آخر عن أبي هريرة بسند لا بأس به في المتابعات والشواهد». انظر (صلاة التراويح للألباني) ص:9، طبعة المكتب الإسلامي الطبعة الثانية 1405هـ/1985م.

قلت: وحديث أبي هريرة رواه أبو داود في سننه، باب قيام شهر رمضان، حديث:1377. ثم قال: «ليس هذا الحديث بالقوي».

4 – رواه أحمد في مسنده، حديث: 26307.

5 – رواه مسلم في كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال في الصوم، حديث: 59 – (1104).

6 – رواه أحمد في مسنده، حديث: 18402.

7 – انظر شرح المحلى وحاشية القليوبي 1 / 217.

8 – رواه الترمذي وابن حبان وابن خزيمة وغيرهم واللفظ للترمذي أبواب الصوم: باب ما جاء في قيام شهر رمضان، حديث:806.

9 – السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار للشوكاني ص:201. نشر دار ابن حزم.

10 – الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري 1/309، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1424هـ/2003م.

11 – بتصرف من: (صلاة التراويح للألباني) ص:15، طبعة المكتب الإسلامي الطبعة الثانية 1405هـ/1985م.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>