مع سيرة رسول الله – من أخلاق النبي في بيته وأهمية الاقتداء بها


لا شك أن النبي  هو الأسوة الحسنى والقدوة الكبرى لكل المسلمين، بأخلاقه يتخلقون، وبهديه يهتدون، وبسنته يستنون، امتثالا لقوله تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا(الأحزاب: 21) ولقوله : «فمن رغب عن سنتي فليس مني» (صحيح البخاري) فالدين الذي جاء به أحسن الدين، وهديه أكمل الهدي، وخلقه أعظم الخلق، حتى قال فيه ربه: وإنك لعلى خلق عظيم(القلم: 4)، قال ذلك منوها بشأنه ، ودعوة لنا معاشر المؤمنين كي نتأسى به وبأخلاقه العظيمة.

وإن من أعظم جوانب أخلاقه وأجلها، أخلاقَه في بيته مع أهله وخدمه وذريته، فإن البيت هو المحك الحقيقي الذي تتجلى فيه أخلاق المرء على حقيقتها، حيث يضعف تأثير التصنع والتجمل، ولأهمية حسن الخلق في هذا الموضع، قال : «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» (رواه الترمذي وابن ماجه).

وفيما يلي استعراض موجز لبعض مظاهر تلك الخيرية مع أهله صلوات الله وسلامه عليه.

أولا: أنه كان حريصا على تعليم أهله العلم النافع، حريصا على دعوتهم إلى العمل الصالح، امتثالا لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة(التحريم: 6)، ولقوله تعالى: وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها(طه: 132).

وكان من آثار هذه العناية؛ أن كان أولَ من أسلم من النساء خاصة أو من الناس كافة زوجُه خديجة رضي الله عنها، فدل ذلك على مبادرته إياها بدعوتها إلى الخير، فهي أولى من غيرها بحرصه وعنايته.

وكان من آثارها أيضا أن أصبحت عائشة رضي الله عنها أعلم نساء هذه الأمة، فقد كانت تسأله كثيراً عما يشكل عليها وتراجعه فيجيبها، ويبين لها ما انبهم عليها، لا يتضجر ولا يتذمر، ولا يقلق ولا يجزع من مساعدتها، فأين نحن من ذلك؟

كان يحث نساءه على نوافل الطاعات والقربات، فضلا عن عزائمها وفرائضها، ففي صحيح البخاري أنه  استيقظ ليلة فقال: «سبحان الله، ماذا أنزل الليلة من الفتنة، ماذا أنزل من الخزائن، من يوقظ صواحب الحجرات؟ يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة» (صحيح البخاري) يعني بذلك  من يوقظ نساءه لقيام الليل، حتى تكون نجاة لهن من الفتن، وأمانا من العذاب، ورفعة للدرجات.

كان  لا يقر أهل بيته على معصية، بل كان يبادر إلى إنكار كل منكر، ويغضب لله، ومن ذلك أن مولاه وحِبَّه وابن حِبِّه أسامةَ بنَ زيد أتاه يشفع عنده في حد من حدود الله وجب على امرأة شريفة مخزومية، فغضب أشد الغضب وقال: «أتشفع في حد من حدود الله ..؟؟» (صحيح البخاري).

وقدم  من سفر فوجد عائشة قد زينت بيتها بستارة فيها تصاوير لذوات أرواح، فغضب وأبى أن يدخل حتى أنزلت الستارة وشقتها نصفين، وجعلتها وسادتين يجلس عليها.

وكان في بيته يقوم بخدمة نفسه عليه الصلاة والسلام إراحة لأهله، وتخفيفا عنهن، ومشاركة لهن، فقد سئلت عائشة عن هدي النبي  في بيته فقالت: كان يكون في مهنة أهله أي في خدمتهن، ثم فسرت ذلك بأنه كان يحلب شاته ويخيط ثوبه ويرقع دلوه ويخصف نعله ولا يزال كذلك حتى تحضر الصلاة فيخرج إليها.

وكان  سمحا، سهل الخلق، حتى إن أنسا خدمه عشر سنين فما عاتبه عليه الصلاة والسلام على شيء قصر فيه ولا بكلمة أف، فأين نحن من ذلك؟

وكان أمر الطعام في نفسه ليس بذاك الشيء الكبير، فلم يكن يعيب  طعاما قط، إن أعجبه أكل، وإن لم يعجبه ترك، وإن وجد أكل، وإن لم يجد ربما صام، وهنا يجب أن نطرح السؤال على أنفسنا؟ ماذا يفعل الأزواج مع زوجاتهم في حالة عدم وجود الأكل موجودا ومهيأ، أو في حالة وجوده ولكن ليس على الوجه الأكمل؟

ومن أخلاقه أيضا أنه كان  عظيمَ الحلم والصبر مع أهله، لا سيما فيما يتعلق بأمر الغيرة بين نسائه، فقد كان يعذرهن ويغض الطرف في ذلك عنهن.

ومن كمال خيريته مع أهله، أنه كان محترما لهم، عطوفا عليهم، حنونا بهم، معتنيا بشؤونهم، مع كثرة أشغاله وجسيم مسؤولياته .

وكان يطوف على نسائه كل يوم ثم يخص الليل لمن تكون نوبتها، وربما اجتمعن في بيت التي هو عندها إذا تعذر عليه الطواف بهن، والمرور عليهن، ثم ترجع كل واحدة إلى بيتها، متحريا للعدل بينهن، فكان إذا أراد سفرا لم يختر منهن من يشاء، وإنما يسهم بينهن، فمن خرج سهمها خرجت معه .

وكان  شديد العطف على بناته، فكان نعم الأب لهن، أدبهن ورباهن، عظيم العطف والشفقة على فاطمة رضي الله عنها خاصة، فكان إذا دخلت عليه قام لها ورحب بها وقبلها في جبهتها وأجلسها بجواره، وذلك لفضلها من جهة، ومراعاة لها والله أعلم من جهة أخرى، فقد أصيبت بفقد أمها وجميع إخوتها وأخواتها.

هذه بعض جوانب أخلاق النبي  في بيته مع أهله وأولاده وخدمه، فلنتأس به قدر الاستطاعة، لتكون بيوتنا بيوتَ أمن وطمـأنينة وراحة وسكينة، تجذب أفرادها إلى وارف ظلالها، وجنة أرجائها، لا تدعوهم إلى الهروب من جحيمها والشرود عن قسوتها.

إن البيوت اليوم إلا ما رحم الله، تشتكي العنف والبطش والجفاء والبعد القلبي بين أفرادها، ولا شك أن هذه الحال البائسة، هي نتيجة للتقصير في شيء من آداب الإسلام وأخلاقه في الشأن الأسري، فلنعد إلى سبيل الرشد، ولنتفاهم، ولنتصارح، ولنتحاور مع أزواجنا وزوجاتنا، ولنبحث عن مواطن الخلل، ولنتحل بالشجاعة والتواضع، فمن وجد في نفسه خللا وتقصيرا اعترف به وأصلحه، ومن كان الحق له، فليتسامح وليغض الطرف المرة بعد المرة، ولا يقصي مطالبا بحقه كاملاً، فإن الحياة الأسرية على وجه الخصوص، لا يمكن أن تستقيم أحوالها ما دام هذا مطلب كل فرد منها ولا سيما ربان سفينتها.

فاللهم أصلحنا، وأصلح زوجاتنا وبناتنا، وأصلح شبابنا وشيوخنا يا رب العالمين.

ذ.  رضوان طوبي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>